" نحن ننشد إقامة الشرائع التي تقينا السيئات وترهب المجرمين، ولكننا قبل ذلك نقيم العقائد التي تربط الناس بالله عزّ وجل وتجعل تعاملهم معه وخوفهم منه وأملهم فيه "

هكذا افتتح الشيخ محمد الغزاليّ المصري كتابه المعنون بـــ ( علل وأدوية ) والذي يمكن اعتباره كتابا في العقيدة، والأخلاق، والتفسير، والتاريخ، والفكر، والسيرة النبوية، والدفاع عن الإسلام وغيرها من المواضيع التي تكلم عنها الشيخ في كتابه، فكان مقنعا واضحا في طرحه، أديبا بليغا في كتابته، فاستحق بجدارة لقب أديب الدعاة.

            والآن نذكر العناوين التي قسّم بها الكاتب مؤلفه؛ 

الإنسان في القرآن الكريم 

 يسلّط الشيخ في هذا الباب الضوء على الإنسان وعلله النفسية، فيشرح طريقة تفكير الإنسان الذي خلقه الله وكرّمه وهيّأ له أساليب العيش في هذه الأرض فانقسم إلى محسن و مسيء؛ كما قال الشيخ :

" و المحسن إنسان أتقن العمل واحترم الصواب، و المسيء إنسان فرّط ولزم العوج"

ثم أسهب الشيخ في شرح أسباب ضلال الإنسان في هذه الدنيا حين قال :

" ونتساءل مرة أخرى ما مصدر هذا الصوت النابيّ المجهول الذي يُزلّ الإنسان؟ والجواب أنّ له مصدرين اثنين؛ أوّلهما نفس الإنسان أو الإهاب الترابيّ الذي يُغلّف به، و المصدر الثاني من كائن آخر خاصم الإنسان من النّشأة الأولى و هو الشيطان الذي آلى على نفسه استدامة هذا الخصام إلى يوم النّشور"

وبيّن بعد هذا كلّه أساليب الدفاع التي تكمن في الإنسان نفسه؛ و أساليب أخرى يستقوي بها على عدوّيه، فثمّت طبائع رديئة في النفس البشرية ينبغي التخلص منها كالأنانية، والنسيان، والغفلة، والدفاع الدائم عن النفس، والتماس الأعذار في كل وقت، وأما ما يستقوي به الإنسان المسلم فنعرفه في قول الشيخ : " لكن الإنسان يبرأ من هذه العلل إذا قام بجملة العبادات المفروضة "

كيف غير الاسلام مسار العالم؟ 

يشرح الشيخ في هذا الباب كيف كان العالم قبل ظهور الإسلام؛ من انتشار للأوهام والضلال، وتراكم لمواريث روحية وفكرية طمست الحق والفطرة السليمة، وكيف صار العالم بعد بعث محمد صلى الله عليه وسلم رسول ربّ العالمين المكلّف بتبليغ رسالته إلى العالم أجمع؛ إلى النصارى المؤمنين بعقيدتي التثليث والفداء، إلى اليهود المعتقدين أنّ لهم علاقة خاصة برب الناس تخوّل لهم الظلم والقتل أنّى شاؤوا، إلى الوثنيين و كل المؤمنين بمِلل ونِحل اُتُخذت غطاء لاتّباع الهوى والإفساد في الأرض فقد بدأ الرسول الكريم حسب الشيخ رسالته بنفض الغبار عن فكر ووعي البشر بُغية ربطهم بالكون البديع ودفعهم للتفكّر والتدبّر في روائع العالم، ثم عرّفهم بما وقع للأمم السابقة وكيف كان مصيرها، إلى أن وصل إلى السؤال الأهم؛ إلى أين المصير؟ والجواب نجده في قول الشيخ : " إنّهم يعودون إلى بارئهم لكي يقدموا حسابا عن حياتهم السابقة "

أبعاد التغيير الانساني قبل كلمة الله الحاسمة 

 يبيّن الشيخ في هذا الباب أسباب صعود أمة إلى الريادة ثمّ أسباب انحدارها وزوالها، فيقول :

" نعم فصعود الجماعات أو هبوطها لا يتم وفق حظوظ عمياء أو مصادفات طارئة بل للمدّ والجزر علل كامنة إن غابت عن العين المجردة فلن تغيب عن البصائر الحادة والعقول الثاقبة "

وتعرّض بنوع من الشرح لآيات من القرآن الكريم تتحدث عن التغيير و سنن الذين من قبلنا كيف أقاموا مملكاتهم وقُراهم وكيف دمّرهم الله لمّا كفروا بأنعمه. 

أولو الألباب في كتاب الله 

بحث الشيخ في هذا الباب عن أولي الألباب في القرآن الكريم، فوجد أنّ أصحاب العقول ذكروا في ستة عشر موضعا تخبر عن المستوى العالي و الإيمان الصحيح للمؤمن المُتّبع للحق القائدِ إليه، المُتحلّي بالحكمة والتفكير السليم، المستخدم للتأمّل في التاريخ العام للبشرية، فيستنبط العبرة مما مضى ليصون اليوم ويبني الغد.

دين الفطرة 

قال الشيخ في هذا الباب :

" إنّ أساس الفطرة عقل وقلب نقي، وسلامة العقل توجب احترام الحقائق و إدراك الواقع دون نقص أو زيادة، ورفض الأوهام والخرافات، والوقوف بالظنون عند حدودها، فلا تتحول النظرية إلى يقين مثلا "

ثم أضاف :

" أما بالنسبة إلى القلب ونقاوته فإن الفطرة السليمة تعني إنسانا لا يعبد نفسه، ولا يقدم أثرته، و لا يتحامل على الآخرين، تعني إنسانا يشعر بأن الحياة حقه وحق غيره على سواء " 
 جدال من ورائه أمور ذات بال 

يدافع الشيخ في هذا الباب عن الإسلام و عن النبي صلى الله عليه وسلم من خلال سرده لحديث دار بينه وبين حاقد على الدين ونبيه متخفٍ بغطاء اعتناق مبدأ الإنسانية المطلقة وعدم التقيّد بدين ما، فذاد الشيخ أيّما ذود عن الدين وعن النبي الكريم و دحض شبهات هذا الإنسانيّ المزعوم.

 من نفحات اليقين 

 يحذرنا الشيخ في هذا الباب من خطر أصنام العصر الحالي كالثراء، والجاه، والشهرة، ونبّهنا إلى ضرورة الإيمان الحقّ الذي يملأ القلب المؤمن في كل وقت وحين على ظهر الارض، وقد قال الشيخ في هذا المقام :

" القلب الذي ينقطع عنه تيار الذكر سرعان ما تتسلل إليه الأحاسيس الرخيصة ومادام لا يشتغل بالخير فستقتحمه الشرور "

فالقلب المؤمن العامر بذكر الله المتوكل عليه حق التوكل قلب لا يصيبه ملل ولا سأم ولا خوف و لا كرب في هذه الدنيا. 

عندما يكون الإلحاد أذكى 

 تطرق الشيخ لموضوع الإلحاد وكيف دعا إليه بطريقة غير صريحة عميد الأدب العربي و إمام الفكر الجديد – كما يُسمّى - طه حسين، و شرح الشيخ سبب إعلاء اسم هذا الكاتب في سماء الأدب العربي؛ لأنه بقيَ وفيًّا لمنهجه في مهاجمة الإسلام و زعزعة ثقة المسلمين بدينهم، ودُعِم في مساعيه بتعيينه وزيرا للتربية والتعليم فيما بعد.

 وجهه نظر في أقدار الرجال

 خصص الشيخ هذا الباب للدفاع عن بعض رجال الإسلام الذين خلّدهم التاريخ، فتتبع محاسنهم وتلمّس لهم الأعذار فيما هوجموا فيه، فذكر الشافعيّ ومالكا ومحمد عبده و جمال الدين الأفغاني، هذا الأخير خصص له الشيخ بابا كاملا في كتابه يشرح فيه منهجه وطريقة تفكيره.

مدرسة رائدة ... وإمام ضخم 

" إنّ نفس الرجل تساقطت أنفسا وهو يكافح الذلّ والجهل والذهول و التفرق وسائر العلل التي أكلت كياننا، وما عرف عنه تعصب لمذهب كلامي أو فقهي أو جنسي، كان الإسلام وحده شغله الشاغل حيث ولّى وجهه "

هكذا رد الشيخ على أحد الحاقدين على جمال الدين الأفغاني، وأسهب أكثر حينما عرض منهج الأفغاني في الإصلاح، كما خلُص الشيخ إلى أنّ معظم المدارس الإصلاحية التي ظهرت في العالم الإسلامي والتي وقفت في وجه الاستدمار الأوروبي الحديث كانت من آثار الثورة الفكرية والتربوية التي بدأها الأفغاني. 

أما تركد هذه الزوابع ؟ 

 واصل الشيخ دفاعه عن رواد الإصلاح السياسي والأخلاقي في الأمة الإسلامية؛ عن جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده وتلميذه محمد رشيد رضا، وبيّن أثرهم البليغ في نقل التفكير والوعي الإسلامي من مرحلة الركود إلى مرحلة التفكير النّشط، وختم قائلا :

" إن الجهود المجنونة التي تستبيح قادتنا وكبراءنا في ميدان العلم والأدب والسياسة لها غاية يجب فضحها، و التحذير من مغبّتها، إنّها تريد القضاء على تاريخ أمّة، وعندما تكون أمتنا بلا تاريخ فلن تكون أمة "
 شائعات في ميدان العلم 

في هذا الباب خاض الشيخ في أمور اتّخذها المستشرقون مدخلا للطّعن في الدين، كشائعة اكتشاف الصحابي الجليل عثمان بن عفان لحنا في القرآن بعدما أمر بجمعه، وهو ما كذّبه الشيخ وفنّد الرّواية، و أيضا شائعة أخرى تلك التي ذكرها القرآن الكريم في سورة الأحزاب والمتعلقة بزواج النبي صلى الله عليه وسلم من ابنة عمّته زينب بنت جحش طليقة زيد بن حارثة، حيث أمر الله سبحانه وتعالى نبيّه أن يتزوّجها بعد أن طلّقها زيد، وزيد كما نعلم كان يُدعى زيد بن محمد قبل تحريم التبني بنص قرآني، فانطلقت ألسنة الفتانّين بأن الرسول أحب زوجة زيد وهي عنده، فردّ الشيخ بالدليل والحجة من القرآن والعقل المتفحّص في أدلة الأثر إذ بيّن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو من اختار زينب لزيد زوجة، فكيف يحبّها بعد تزويجها لصاحبه !!  

 المعالم الأولى في عظمة محمد صلى الله عليه وسلم 

يبدأ الشيخ هذا الباب بحديثه وهو مندهش من تعامل الرسول صلى الله عليه وسلم مع رؤوس الشرك الذين صمدوا حتّى الفتح العظيم لمكة، و كيف استقبل النبي الكريم إسلامهم وعفا عنهم؛ وهم الذين حاربوه طيلة مدة دعوته في مكة والمدينة، و كيف تحوّل هؤلاء القادة من رؤوس شرّ إلى صحابة يُــفنون أعمارهم في سبيل إعلاء كلمة التوحيد، وكيف صانوا هُم و الذين سبقوهم بالإيمان الرسالة وحافظوا عليها بعد انتقال سيد الخلق إلى الرفيق الأعلى، فقال الشيخ في هذا المقام :

" والدّارس المحايد يرى آثار النبوة في شمائل أولئك الرجال الشجعان، إنّ محمدا صلى الله عليه وسلم مات يقينا غير أنّ روحه بقيت يتحرك بها أصحابه فما غرسه في دمائهم لم يذهب سدى "
 الشروق المحمّدي لا يحجبه دخان وإن كثرت المداخن 

 شرح الشيخ كيف أثّرت الدعوة المحمدية على العالم أجمع، بإبراز أهم أبعاد التغيير التي أعقبت البعثة، وكيف حصّنتها العصمة الإلهية و حفظتها من الزوال في عالم كان يتقاسمه أغلبية روميّة نصرانية و فارسية مجوسية.

 اليوم أكملت لكم دينكم  

 قال الشيخ في هذا الباب : " اكتمل الدين وتمّت النعمة وارتضي الله لنا الإسلام دينا، أيّ شرف باذخ عمّم القدرُ به هاماتنا ؟ " ا

نتقل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى جوار ربّه وأنهى مهمته بعد أن بدأها بقلّة يعدّون على أصابع اليدين حتى صار الحشد حوله أزيد من مائة ألف مسلم يوم عرفة في حجة الوداع، وهناك نبّأهم بخبر اكتمال الدين بعد 23 سنة تمّت فيها تربية الأمة التي ستحمل هذا الدين للعالمين.

 حقائق عن الهجرة 

يستعرض الشيخ بعض الأحداث والقصص والحقائق من الكتاب والسنة و المتعلقة بالهجرة النبوية، إذ قال الشيخ :

" وساق إليهم رسائل من الهجرة النبوية، وكيف أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم وهو فرد مستوحِش مستضعَــف في عرصات مكة، خرج مع صاحبه أبي بكر وأويا إلى غار يخفيهما عن أعين المطاردين، وكان العزاء الوحيد بإزاء هؤلاء الأعداء المتربصين قول الله تعالى ( لا تحزن إنّ الله معنا ) " 
 تأملات وخواطر في مناسك الحج 

 يترك الناس مشاغلهم وأولادهم وأهليهم في فترة من السنة ليحجوا إلى البيت العتيق، وكلهم رجاء وأمل في قبول عباداتهم، يقول الشيخ في هذا الباب :

" و في يوم معين من السنة ومكان مخصوص من الأرض، تلتقي الوفود المقبلة من المشارق والمغارب، تلتقي وفود الرحمن في صحراء عرفة في ملابس لا تصلح لخيلاء ولا موضع فيها لزينة أو امتياز، الناس شعث غبر تكسوهم سيماء العبودية والتجرد والافتقار إلى الله، لقد حطّوا الرّحال هنا ليتفرّغوا لتمجيد الله وتوحيده وطلب مغفرته ورحمته "
 رحلة من العلم إلى الإيمان 

 يلخص الشيخ هذا الباب في قوله : " العقل المستقيم لابد أن يصل إلى الله، و تفكيره الجيد لن يبعده عن الله أبدا مهما طال المدى "

 الله هو الحقيقة كلها 

 يتحدث الشيخ في هذا الباب عن ضرورة معرفة الإنسان لربه بالتفكر في خلقه ودراسة كونه والعمل له سبحانه، فيقول في هذا الصدد :

" والعمل لله يسبقه العلم به، والعلم به لا يتم تحصيله بترديد أسمائه ألوف المرات كما يوصي البعض، ....العلم بالله يجيء من تتبع آياته في الأنفس والآفاق، ومن الصلاة له في المراصد والمعامل الحافلة بالتجارب والملاحظات "
 التعليم الأصلي و هل وفّى أهله له ؟ 

 شدّد الشيخ على أهميّه التعليم الأصلي؛ تعليم المدارس القرآنية والزوايا و الجوامع في الحفاظ على وحدة الأمة وثقافتها وهويّتها الدينية و هو ما عمل الاستدمار الأوروبي الحديث على هدمه، و بعد خروجه من الوطن الإسلامي الممزق حرص على تشجيع التخلي عنه مقابل التعليم المدني الخالي من المرجعية الدينية للأمّة الإسلامية وقد قال الشيخ في هذا الصدد :

" إن الاستعمار العالمي لا يسوءه أن ينبغ في القاهرة طبيب يسبق زملاءه في مستشفيات لندن أو موسكو ما دام هذا الطبيب ملحدا أو مقطوع الصلة بالإسلام، فالعبقري الملحد يمكن أن يعمل تحت أي راية و أن يستأجر في أي ميدان، إنه كالجندي المرتزق يُشترى بالثمن الغالي أو بالبخس " 
  أسرار وراء تخلفنا 

 شخّص الشيخ مشكلة التخلف التي يتخبط فيها العالم الإسلامي، و أرجع أسبابها إلى الاستبداد السياسي الذي تعيشه الدول الإسلامية و آثاره في كل مجالات الحياة، وكيف يزيّف هذا الاستبداد الحقائق خدمة لديمومته، و كيف ينشر الأكاذيب بغية ترسيخ أفكاره في عقول المستبَدِّ بهم، إذ قال الشيخ :

" والاستبداد السياسي في أقطار كثيرة يمهد لفرية استعمارية خبيثة تقوم على أنّ الأديان كلها وجوه مختلفة لحقيقة واحدة، و أنه لا فرق عند التعمق بين التوحيد والتعديد والمجوسية و اليهودية والإسلام والنصرانية " و هو ما لاحظناه في السنوات الأخيرة حينما استهجن الإعلام في مصر قول النصارى كفّار، أو كما يتمّ الآن إلى الدعوة إلى ديانة جديدة تدعى الديانة الإبراهيمية. 
حول مجزرة بيروت 

يتحدث الشيخ عن مجزرة السادس عشر والسابع عشر من سبتمبر 1982 بحق الفلسطينيين المسلمين بمخيمات صبرا وشاتيلا في لبنان، والتي راح ضحيتها أكثر من ثلاثة آلاف من أطفال ونساء ورجال قتّلوا بدم بارد لمدة يومين من قبل ميليشيات لبنانية نصرانية بالتعاون مع فيلق من الجيش الصهيوني بقيادة أرييل شارون، حيث أبدى الشيخ الكثير من التساؤلات والمقارنات والأسى فقال :

" ما أرخص دماءنا نحن المسلمين وما أشد ما نزل بنا من هوان " ثم قال: " إن اليهودي في أمريكا يغضب لمصاب أخيه في روسيا ... أما في بلادنا فإنّ رئيسا عربيا يواجه هذه الحقيقة بقوله لا دين في السياسة ولا سياسة في الدين، إنه يقول ذلك للمسلمين وهو يرى أن السياسة أقامت لليهود دولة على أنقاضنا وجعلت الانتماء لها يتجاوز الحدود الإقليمية والأوضاع الدولية "

ثم قال :

" وصدمت أذني إذاعة القاهرة وهي تقدم للمستمعين في فترة الظهيرة من الواحد والعشرين من سبتمبر 1982- أو كما يسمى ايلول الاسود - أغنية عبد الوهاب (... ليلنا خمر...) "
من طوى هذه الصفحة ونشر غيرها ؟ 

ينبه الشيخ إلى خطر التنصير والإبادة التي يتعرض لها المسلمون في جنوب شرق آسيا وخاصة في الفيليبين، ويذكر بعض الحقائق الغائبة عنّا نحن العرب، ثم يتساءل فيقول :

" أين نحن من هذه الحقائق المذهلة ؟ لقد درسنا و نحن طلاب تاريخ العالم القديم و تاريخ العصور الوسطى ونبذا كبيرة من التاريخ الحديث؛ فلم يذكر لنا شيء من هذه الحقائق ! أكان آباؤنا وأجدادنا يعرفونها "

ثم أردف قائلا :

" إن الإسلام يقيم بين أتباعه أخوةَ تناصرٍ وتساندٍ ويفرض على الجسد كله السهر إذا أصيب جزء منه، ويعتدّ موالاة المعتدين على حرماته نفاقا و ارتدادا ... "

ثم يبرز بعض الخلافات الفقهية الفرعية التي شغلت اهتمام المسلمين، ويحمّل معها المسؤولية للعرب على اعتبار أن الإسلام بمصدريه كتابا وسنة اكتمل بلغتهم، ويختم هذا الباب بكلمة للأستاذ عمر عبيد حسنة يتكلم فيها عن ضرورة إعادة ترتيب العقل الإسلامي من جديد لإنقاذه من التيه الذي هو فيه فيلخصها الشيخ في : 

  • تنسيق شعب الإيمان من الأدنى إلى الأعلى في سلم.
  • إحصاء شؤون الدنيا الواجبة لقيام الإيمان.
  • التعريف بالقطعيات و الظنيات في التشريع مع إبراز مواطن التقليد والاجتهاد.
  • المحاكمة المستمرة لأعمال السلطات الإسلامية و مراجعة مسيرتها خلال القرون الماضية.
  • دراسة مستمرة لأحوال العالم من حولنا و مدى تأثرنا به وتأثيرنا فيه.
وظيفتنا العالمية 

يبين الشيخ في هذا الباب دور الدعوة الإسلامية الذكية في نشر هذا الدين وتقويم سلوك الأمة الإسلامية من حكام ومحكومين، فقد اعتبر الشيخ الدعوة جهاز المناعة لأمة الإسلام في سبيل المحافظة على الهدي الإلهي، دون إغفال للحكم الشوريّ الذي تزكى في ظله كل مجالات الحياة، حيث قال الشيخ : " إنّ الحكم الفرديّ كالمرأة الغيور لا يطيق رؤية العظماء ولا يزن أقدار العلماء "

السلبية لا تخلق بطولة 

نختصر هذا الباب في قول الشيخ :

" و ماذا يكسب الإسلام عندما يطلق المسلمون الدنيا ويتزوجها غيرهم ؟ وكيف تسير الأمة إذا كان غنى عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف قيدا يؤودهم فلا يدخلون الجنة إلاّ زحفا ؟ على حين تطير الصعلكة بأصحابها فيسبقون إلى النعيم المقيم "

و في قوله :

" إنني أريد إفهام المؤمنين أن الحياة في سبيل الله كالموت في سبيل الله جهاد مبرور، وأن الفشل في كسب الدنيا يستتبع الفشل في نصرة الدين، وأن الواجد الذي ينزل عمّا عنده خير من المفلس الذي لا ينزل عن شيء لأنه لا يملك أي شيء، إن السلبية لا تخلق بطولة لأن البطولة عطاء واسع ومعاناة أشدّ " 
هل نواجه هذه الحقائق ؟ 

يدعو الشيخ إلى ضرورة وعي الداعي إلى الله بواقع حال المسلمين في هذا العصر؛ من علة في الأمة نفسها ومن عالم قوي و نشط، من أجل ذلك قال :

" لا بد أن يكون الداعي مستكمل الزاد من جميع العلوم الشرعية والإنسانية والأدبية حتى يقدر على تحمّل هذا العبء و اجتياز الدروب الشاقة به "

ويجمل الشيخ مجال عمل الدعاة في مصدرين للمتاعب يجب التغلب عليهما كما قال :

" الأول؛ أسباب الهبوط الموروثة من تقاليد فكرية و اجتماعية ... الثاني؛ أمواج الغزو الثقافي التي انتهزت فرصة انحلال الشخصية الإسلامية "
مراجعة لا رجوع 

 افتتح الشيخ هذا الباب بقوله :" لا أزال ألحّ على مراجعة تفكيرنا الديني  وأساليب حكمنا على الأشياء والأشخاص " ثم أردف قائلا : " لقد سقطت الخلافة العثمانية من 60 سنة ... " إلى أن قال : " هل تساءل العقلاء عن أسرار نكبتها ؟ " فيبرز الشيخ هنا ضرورة مراجعة التفكير في الماضي، و التعامل مع الأحداث والمواقف، ولا يقصد رجوعا عن أصل قائم أو فرع ثابت فهذا كما قال : " ... ارتداد مقبوح والعياذ بالله " وبهذه المراجعة يمكن تجنب أسباب الانهيار مرة أخرى فقال في هذا : " و كل محاولة للنهوضدون هذه المراجعة الواجبةقد تكون تكرارا للمأساة " و قد رأى الشيخ أنّ الدين لا يُنتج بعقولٍ ونفوسٍ فيها اعوجاج إذ قال :

" التدين مع العوج الفكري والنفسي نوع من الخبال؛ تتجاور فيه المتناقضات وقد تضيع فيه الحقيقة و يبقى الشكل الذي لا وزن له "
 تذكروا الإسلام يا عرب 

 يعجب الشيخ من العرب في العصر الحديث؛ إذ يهتمون فقط للعربيّ ولا مجال في اهتمامهم لما يصيب المسلمين غير العرب في إفريقيا و آسيا وشرق أوروبا، وعدّ الشيخ هذا الموقف خيانة للإسلام وسببا لتمزّق الأمة الإسلامية الكبرى، و ذكر أنّ الشيخ محمد رشيد رضا كان مهموما لأمر المسلمين كلهم لدرجة أنه كان إذا أصبح مكتئب النفس مُقطّب الجبين قالت له أمه : " مالي أراك حزينا ؟ هل حدث شيء لمسلم في الصين ؟ " ونمت هذه النزعة الدميمة في ظلّ القومية العربية التي اكتسحت الميدان السياسي العربي عقب الحرب العالمية الثانية، والتي أولت اهتماما لقضايا العرب دون غيرهم من المسلمين وبغضّ النظر عن ديانتهم نصارى كانوا أم ملحدين، وختم الشيخ هذا الباب بالقول :

" إن العرب بعيدا عن الإسلام لن يكونوا إلا حطب جهنم ! ذاك في الدار الآخرة، أما في هذه الدنيا؛ فإن العرب بعيدا عن الإسلام سيأكل بعضهم بعضا، ثم يأكل بقيتهم اليهود والنصارى "
دنيا وآخرة 

يخاطب الشيخ في هذا الباب الأذهان والعقول إلى ضرورة الابتعاد عن القصور الفكري في فهم الدنيا على أنها عدوة الدين، وعلى أن الإنسان المسلم وجب عليه العيش في غربة على سطح الأرض، وماذا يستفيد الإسلام من أناس مكن الله لهم في الأرض فهجروا التمكين، أو كما قال الشيخ :

" و ما العمل إذا استطاع ملاحدة و مخرفون امتلاك أسرار الحياة، ثم طوّعوا ما يملكون لدعم كفرهم وتغليب أهوائهم ؟ "

 يدعو الشيخ إلى ضرورة موافقة الشارع باحترام النقل، كما يجب موافقة العقل فيما ترك الشرع فيه مجالا للاجتهاد، وإلى تجنّب التجهيل في الدنيا والتزهيد فيها، و قد ختم بقوله :

" إن الصعلكة لا تقيم جهازا للجهاد، ولا تبني جامعة للمعرفة، إنما ينشئ ذلك كله كثرة لا تلهي، وسعة لا تطغى، ودنيا يسخرها مالكها لخدمة الدين "
عبادة يستغربها العصر الحديث 

 تحدث الشيخ هنا عن الصيام؛ و كيف يراه من يزهّدون في الآخرة و الذين يعيشون ليومهم، أو كما سمّاهم الشيخ (عبيد أيامهم و حسب)، الذين يسعون لإشباع نهمهم في هذه الدنيا، و ينتهزون فرصة وجودهم فيها لينالوا كل شيء، و هؤلاء لا يرون في الصوم عبادة ذات معنى، فأبصارهم لا تمتدّ إلى أبعد من هذه الحياة الدنيا، فهم يرون الأكل مصدر الطاقة اللّازمة في هذه الدنيا لأبدانهم ويعتبرونه غاية تقصد لذاتها، عكس المؤمنين الذين يرونه وسيلة تعينهم على عبادة الله، أو كما قال الشيخ :

" إننا نحن المسلمين نعتقد أن الوجود الإنساني طويل ذاهب في الطول، وأنّ الموت ليس نهاية له كما يتصور البعض، إننا بالأسلوب الذي نحيا به هنا نصنع المستوى الذي نحيا به هناك ... "

و ختم الشيخ بابه بقول تجلّى أكثر في زماننا :

" إنّ سُعارا ماديا محرقا يجتاح المدن والقرى ليباعد الناس عن ربهم، وعلى المؤمنين أن يطفئوا هذا السُعار، و أن يحموا حقيقة الشهر المبارك، وأن يجعلوا من الصيام المفروض مجلى للروحانية المقبلة على الله المؤملة في رضاه "
 في ترتيب السّور 

يتأمل الشيخ هنا في ترتيب سور القرآن الكريم، وكيف اختزلت المسافات الزمنية بحيث تُصوّر لنا البذر والحصاد في تتابع عجيب كما في سورتي الكافرون المكية و النصر المدنية المتتابعتين، أو في سورة الحجرات المدنية التي أبرزت الآداب المطلوبة في المجتمع المسلم، ثم تلتها سورة قاف المكية المتحدثة عن جزاء الطبائع المتمردة في المجتمع، فالأخلاق الزكية تأتي من قلب مؤمن يعرف الله ويتهيّأ للقائه، ويختم الشيخ هذا الباب بقوله :

" و علاقة المسلمين بقرآنهم هي أسمى العلاقات وأرسخها، ولذلك يجب أن ندع نفوسنا للقرآن الكريم يشكلها بتوجيهاته وهداياته، ويضبط اهتمامها بشعب الإيمان فلا يطغى فرع على أصل ولا يموت فرع بإزاء أصل " 
 طبيعة لم تغيرها القرون 

 يسلط الشيخ في هذا الباب الضوء على اليهود وتاريخهم المليء بالغدر والخيانة منذ أن كانوا مستضعفين في الأرض من قِبل فرعون إلى أن مكنهم الله في الأرض فبطشوا و جاروا، ولما سقط ملكهم حاول الأوروبيون إبادتهم في الوقت الذي أحسن العرب إليهم، وذكر الشيخ أن هذا المسلك الخسيس هو سلوك حيوانات شرسة، لذلك قال :

" وعلاج هذه القطعان الخؤون لا يكون بالهوادة والرفق، بل اُرقبهم واستعدّ لهم فإذا تحركوا للغدر فاضرب من ظفرت به ضربة يطير لها قلب البعيد وتنفض بها جموع الخونة "
 حديث مظلوم 

يفصّل الشيخ في حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه البخاري ونصه الآتي (اُمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإن قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها... ) ويبين بأن الحديث فُهم بشكل خاطئ في قوله (أقاتل الناس ) فالرسول لم يقصد بكلمة الناس البشر كلهم، بل كما قال الشيخ :

" الحق أن الحديث في مشركي العرب الذين ضنوا على الإسلام وأهله بحق الحياة، ولم يحترموا معاهدة مبرمة و لا موثقا مأخوذا، وقد منح هؤلاء أربعة شهور يراجعون أنفسهم ويصححون موقفهم، فإن أبوا إلا القضاء على الإسلام وجب القضاء عليهم " 

 وقد فصّل الشيخ أكثر في شرح كلمة ( الناس ) في الحديث، فهي لا تعني كل البشر، و استدل بآيات من القرآن الكريم ذُكرت فيها كلمة الناس، وكانت في كل مرة تعني فئة أو طائفة معينة من النّاس.  

هل الفاعل مجهول؟ 

طرح الشيخ هذا السؤال عندما استعرض العلوم الغربية المنقولة و المترجمة التي تتحدث عن الدراسات الكونية والحيوية، فوجدها مبتورة العلاقة بمبدع الكون والحياة، و شرح السبب في أن العلم لما انطلق و ازدهر بعد العصور الوسطى، كفر بالدين كله وتحدث عن المادة ناسيا خالقها ومبدعها، و كان هذا رد فعل منه لما فعلته كنيسة العصور الوسطى به لما حاربت المنطق العقلي والبحوث العلمية خشية منها أن تكون تأثرا بالإسلام، فواجهت اليقظة العلمية بالحديد والنار اعتقادا منها أنها تخدم العقيدة النصرانية في مواجهة الإسلام المتقدم علميا والمنتشر إقليميا وعسكريا وقتها، ولكنها بفعلها خدمت الإلحاد ومهدت الطريق أمام مقولة ( لا إله والحياة مادة )

الأمانة في نقل التراث 

 هذا الباب هو الأخير في كتاب الشيخ وهو الأطول، إذ نقل الشيخ محاضرة كان قد ألقاها بجامعة قطر ردا على سلسلة منشورة في صحيفة الأهرام المصرية بعنوان (علي إمام المتقين ) بقلم الكاتب المصري عبد الرحمن الشرقاوي، حيث استعرض الشيخ الكثير من الأكاذيب والمنقولات الشاذة من التراث الإسلامي التي تضمنتها السلسلة السابقة الذكر، وخاصه تجريحه لمعظم الصحابة ما عدا عليا رضي الله عنه، وقال الشيخ في هذا الصدد :

" و قد كنا إلى أمد قريب نحارب الاستعمار الثقافي الذي يريد اقتلاعنا من جذورنا، و يشدنا الى ملل ونحل لا نعرفها ولا نريد أن نعرفها، حتى فوجئنا بمن يغوص في تراثنا ليحرف الكلم عن مواضعه، ويبرز لنا سلفنا الأول أقزاما ملتاثين، أو سباعا تتهاوش على أعراض الدنيا ومآربها الخسيسة "

ولم يدّخر الشيخ رحمه الله جهدا في دحض الأكاذيب والأفهام الخاطئة للآيات والأحاديث النبوية والسِّيَر الصحّابية، بل صال وجال بقلمه في النقل من مصادر التشريع كتابا وسنة، و في الاستنباط منها لإظهار الحق المنير الذي حاول الكاتب الصحفي إخفاءه و التشويش عليه، و لإنصاع سير الصحابة كما كانت مر العصور، فقال الشيخ في هذا الصدد :

" وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ليسوا من دهماء الخلق، ولا سقط المتاع، إنهم أشرف أصحاب احتفَوا بنبي أرسله الله من بدء الخليقة إلى انتهاء الوحي ... إنهم كما قلت في كتاب لي : جزء من حياة محمد صلى الله عليه وسلم نفسه، فالنيل منهم نيل منه، والاستخفاف بهم استخفاف به - نستعيذ بالله – "

وختم الشيخ كلامه بقوله : " إن هذه المقالات المنشورة في الأهرام على حلقات متصلة أساءت إلى ديننا وتراثنا، و وددت لو شغل الكاتب نفسه بشيء آخر".