عقب كل حالة وفاة من البشرية ممن لهم اشتباك مع قضايا الشريعة الإسلامية سواء تمثلَ ذلك في مجافاة الوحيين ونكارتهما أو التشكيك في أحد واردات الأمة منهما أو المستهزؤن بفرضية أخذ الأوامر الشرعية الربانية والنبوية على حد سواء أو حتى موت أحد أعداء الملة من الديانات الأخرى أو الملاحدة ومن بان شقاقهم لها، تجد ارتفاع أصوات المطالبين باتساع رُقعة الرحمة الإلهية عن حدها الوارد في ذات المصادر الشرعية التي يتعاملون معها تعاملاً براغماتياً ذي قبل؛ إما قبولاً لها فقط في حالات النفع الشخصي الخالي من لوازم التكليف المخالف لأهواءهم الشخصية ورفضها مظنة الظلم التشريعي أو الحيف النصي أو تقديم منفعة مرجوحة عندهم كما سطر ذلك القرآن الكريم "وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين *أفي قلوبهم مرض أم ارتابوا أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله بل أولئك هم الظالمون"

يظهر الخلل في هذه التوسعة للرحمة الربانية من عدة وجوه ككونهم قبلوا بالخبر القائل برحمته جل وعلا للخلائق وردهم لكونها رحمة خاصة بأهل التسليم والإيمان خارج عنها كل كافر بديانته ونبوة نبيه عليه الصلاة والسلام مع أن كلا الخبرين في ذات الكتاب من ثَم تناقضهم في شمول هذه الرحمة للناس فلن ترَ المرحمة ذائعة الصيت إبّان وفاة أعيان المسلمين من علماءهم وكبرائهم!  

هذه الصكوك التراحمية التي يتم توزيعها بالكاد تتكأ على تنظيرات فكرية وفَدت للعقل المسلم ضمن عملية الاختراق المعرفي الذي طفحت نتاجاته في السطح وثارت إثره الفوارغ من رؤوس أبناء الأمة إذ طبائع العقول لا تقبل فراغا فوجدت هذه اللوثات مُكنتها منهم وهي ما يعرف بالإنسانوية وما تلتها من حوادث الدعاوى التي ما ملخصها ذوبان الفوارق العقدية والأيدولوجية والاحتكام لمبدأ الأنسنة واعتباره شرط شارط في الواجبات عملا والحقوق أخذا. 

 من مقتضيات تيك الأنسانوية الإشتراك في خواص المعتقدات أو رفضها إجمالآ فمن مظاهر الرفض لذي الخصوصيات العقدية هدر قيم الولاء والبراء واعتماد الوطنية والتصنيم الحديث كفارقآ جيوسياسيآ حينآ وترميزآ إنسانويآ بعض الشيء = فالانصهار الذي تمظهر في المناداة بضرورة اتساع رقعة المُثل الدينية كدخول الجنة والنار والإثابة على خيّر العمل والتجاوز عن شرِّه لعموم الناس غضآ للنظر عن لوازم عقيدتهم ومتبوعاتهم الدينية ومعبوداتهم المقدسة لهو الابن الشرعي للأنسنة المدعاه

غياب مركزية الدار الآخرة والثواب الرباني المدٍَخر للمسلم قِبالة عبوديته الخالصة لله عز وجل مع خفوت خطاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وضآلة الحسبة المجتمعية في ظل استحكام قبضة النموذج الحقوقي الحديث الذي أعاد ترتيب أولويات وهموم الإنسان ووضع غَلبة وصدارة الحضارة المادية كمطلب راشد = أثمرت هذه الاعتلالات والتدابير الخاطئة شخصية مسلمة تقع قيمة الاعتزاز بموروثها والتمسك به واستبشار متعلَقاته وظلاله الحياتية في ذيلية المطالب العالية فضلآ عن تصدير خطابات النكير من داخل البيت الإسلامي ضد أي أصوات ترفع تجديدية هذه الأصول الغائبة. 

إن معالجة هذا الخطب الجلل تحتاج لدراسة متأنية للفكرة الإنسانوية والوقوف على أدبياتها ومنظريها وقفة جادة ثبرآ لأغوار مبناها وفضحآ لدلالات ألفاظها التي يتبجح بها المنتسبون للإسلام اسمآ المخالفون له رسمآ مع ضرورة تبصير الأجيال بالمفاصلة الإسلامية لكل من بانت مفارقته للشرع الحنيف وإن كان الوالد والولد 

فهدم الإنسانوية الزائفة وحججها الرائجة وبناء ترسانة معرفية متينة من رحم الفكر الإسلامي المستند على التدليل الصحيح على ضرورة مجانبة هذه الواردات والتعليل الصريح لبدائل شرعية لتيك الأوهام البشرية لهو البوابة التي نلج من خلالها ورود العزة العلمية التي جاءت بها نصوص الكتاب والسنة وتمثَّلها الرعيل المسلم في أجيالٍ مضت بعيدا عن اتكاءنا على بكائيات ولطميات وأحاجي تاريخية لا تعدو كونها روايات تسكُن بها هزائمنا .