أبرز التعديلات التي أجراها أتباع داروين على عناصر نظريته، هي محاولة الجمع بين الانتخاب الطبيعي ومبادئ الوراثة الجينية، وذلك بمعنى أنهم أقروا بأن الاستعمال والإهمال في الطبيعة لا يكسبان الكائن الحي صفات غير تلك الموجودة أصلا في المادة الوراثية لأبويه، فالزرافة مثلا لم يستطل عنقها عبر الأجيال لأنها مدّته تدريجيا للأكل من أعالي الأشجار، كما أقروا بأن الصفات المكتسبة لا يورثها الكائن لأبنائه خلافا لطروحات (داروين ولامارك).

أما عن سبب التغيرات المزعوم أنها حدثت في الكائنات الحية، وكانت المادة الخام للانتخاب الطبيعي، فقد قالوا أنها عوامل عديدة، أهمها الطفرات العشوائية التي قد تقع في المادة الوراثية بفعل الحرارة، مواد كيميائية، أشعة كونية وغيرها، وهذه الطفرات أحدثت التغيرات التدريجية البطيئة المتراكمة التي افترضها داروين، كما وأن الطبيعة قضت على الكائنات الحية التي حدثت فيها طفرات ضارة، وأبقت على الكائنات ذات الطفرات المفيدة كمرحلة انتقالية إلى كائن جديد، وسموا هذا النموذج المعدل بـ (الداروينية الجديدة - Neo-Darwinism)، أو النظرية التركيبية الحديثة، والتي ساهم في صياغتها (دوبنجانسكي - Dobzhansky) و(فيشر – Fisher)، و(مير – Mayr)، و(هكسلي – Huxley) وغيرهم، هذا وحسب الداروينية الجديدة فإن الطفرات عشوائية، والانتخاب الطبيعي موجّه باتجاه التطور بتدرج، والتكاثر يضمن استمرار النوع الجديد الناتج. 

أهم أركان وتعديلات نظرية داروين للتطور

أولا: كائن بسيط تكون تلقائيا من الجمادات، لكن بعد داروين تم إدراك واكتشاف أنه ليس هناك شيء اسمه كائن بسيط؛ فقد أظهرت المجاهر الإلكترونية أن الخلية الحية، وهي أصغر وحدة بناء، والتي كان يراها داروين كلطخة، هي في الحقيقة أعقد من أعقد مصنع شيده الإنسان، إلا أن أنصار وأتباع داروين ونظريته، وبعد ما اكتشفوه من تعقيد وإبهار وروعة في تصميم هذه الخلية، لم يعترفوا بأنه لا بد لها من خالق أوجدها بعلم وإرادة، ولم يصححوا خطأ داروين، لا، بل خلاصة أقوالهم كان الرجوع إلى قول داروين بأن الحياة نشأت تلقائيا من الجمادات، وذلك في ردة علمية وجاهلية للوراء، وإنكارا وبعدا عن الحقيقة المقررة عقليا وعلميا، والتي أثبتها تجريبيا (لويس باستور - Louis Pasteur) و(فرانسيسكو ريدي - Francesco Redi)، وذلك قبل أربعة قرون من الآن، وهي أن الحياة لا تنشأ تلقائيا من الجمادات.

هنا نلاحظ أنه تم الرجوع لقول داروين في النشوء التلقائي، لكن بدل قول داروين أن الكائن الأول نشأ تلقائيا في بركة، قال أتباعه أنه نشأ في محيط، ورجعوا بذلك لخرافة داروين، لكن كانوا في ذلك أجهل منه؛ لأن ما رأوه من تعقيد الخلايا أعظم مما رأه داروين، وذلك بعد أكثر من 150عاما على ميلاد ما يسمى نظرية داروين للتطور.

هذا وآخر ما توصل إليه أتباعه لتفسير بدء الحياة، هي أسطورة أخرى في علم الخرافة الحديث تقول بأن كائنات فضائية بذرت بذرة الحياة الأولى على الأرض، وأنها تطورت داروينيا كما يقول (دوكينز (Dawkins – وهكذا إلى ما لا بداية.

ثانيا: الطبيعة تكسب الكائن صفات جديدة بالاستعمال والإهمال كمثال الزرافة، ولقد ظهر بطلان هذه الخرافة، فاخترعوا بدلا منها خرافة أكثر هزلية، خرافة أن الطفرات العشوائية، أي تراكمات الأخطاء، هي التي أبدعت الكائنات بما فيها من جمال، وإبداع، وتناسق، وتنوع وتصميم متقن، بمعنى أن تخريب المادة الوراثية لكائن ما بفعل الأشعة أو السموم مثلا أنتجت منه بعد محاولات كثيرة كائنا آخر، أرقى، متناسق، متكامل الأعضاء، وهكذا إلى أن وصلنا إلى ما نرى من أكثر من (8) ملايين نوع من الكائنات المتناسقة المتكاملة في هذه الأرض. 

وهكذا فإن التخريب والعشوائية هي من أبدع الكائنات الحية، وبهذا عدلوا نظرية داروين، طبعا سيقولون: لا، نحن نتكلم عن الطفرات العشوائية النافعة التي تضيف تشفيرا جديدا، وعندما نسألهم ما هي الطفرات العشوائية النافعة؟ هاتوا مثالا واحدا على طفرة تضيف جينا جديدا بعد قرن ونصف من اكتشاف مندل للجينات عام 1860، طبعا هذا سؤال محرج جدا لأي واحد من أتباع نظرية داروين، وهو ألا يجدوا مثالا واحدا على ما يفترضون أنه المحرك الأكبر لإنتاج الكائنات كلها.

لكن أمام هذا السؤال المحرج، وحتى لا يقع أتباع نظرية داروين في مثل هذا الموقف المحرج مرة أخرى، اضطروا إلى صناعة أكبر كذبة في تاريخ العلوم الحياتية، وهي تسمية التكيفات بـ (التطور الصغروي – Microevolution)، يعني ادعاء أن التكيفات الغاية في الدقة والروعة والإحكام تحدث نتيجة طفرات عشوائية، وقد ألف دوكينز كتابه (أعظم استعراض على سطح الأرض - أدلة التطور)، وهو دكتور الأحياء التطورية، والذي يكذب ويدلس فيه على جمهوره، بحيث يحشد أمثلة للتكيفات البديعة، المشتملة على تفعيل جينات موجودة أصلا على أنها طفرات عشوائية جديدة!!

ثالثا: توريث الصفات المكتسبة بالاستعمال والإهمال، فمثلا الدب الذي اتسع فمه سنتيمترا واحدا ليلتقط به الذباب أثناء استجمامه في البحر، ورّث هذا السنتيمتر لأولاده إلى أن اتسع الفم أكثر فأكثر وتحول دبنا إلى حوت، وهذا كله عن طريق الـ (جيميولز – Gemmules)، والتي اقترح داروين أن كل خلايا الجسم تفرزها؛ لتؤثر على الخلايا التناسلية، وسماها بنظرية (بان جينيسيس – Pangenesis)، لكن هذه التفسيرات الخرافية سقطت كلها علميا، إلاّ أن أتباع داروين لا يقرون بالخطأ في أي شيء؛ لذا مازلنا نرى في القرن الحادي والعشرين منشورات في مجلات علمية عريقة ومحكّمة، تحاول أن تدافع عن هذه النظرية وتظهر أن داروين كان لديه بعد نظر، وليسقط العلم التجريبي، ولتسقط المشاهدات الحسية.

رابعا: تغيرات طفيفة تدريجية متراكمة تقود من كائن إلى آخر بالانتخاب الطبيعي الذي يعمل بطريقة العمى (العميان)، لكن بعد داروين تكشّف لنا أكثر فأكثر أن الكائنات الحية قائمة على التعقيد غير القابل للاختزال، وذلك حتى على مستوى تراكيب أبسط الكائنات الحية، فمثلا السوط الذي تتحرك به بعض البكتيريا، يحتاج في تكونه إلى عشرات البروتينات التي يشترك في تصنيعها حوالي 40 جينا بترتيب دقيق، وإذا اختل أيا منها لن ينتج سوط فعّال، وهذا فقط في جزء صغير من خلية بكتيرية صغيرة، الملايين منها أصغر من رأس دبوس، فما بالك بالأجهزة الأكثر تفصيلا وتعقيدا كالعين والأذن وغيرها الكثير، بل وبجسم حيّ كامل، متكامل ومتناسق تؤدي تغيرات طفيفة فيه إلى انهياره وعدم تكامله.

هذا ومع المزيد من الاكتشافات العلمية أصبح الانتخاب الطبيعي نكتة كوميدية، وكان الموقف العلمي المتوقع من علماء الطبيعة أن يتنصلوا من كلام داروين هذا، لكن لا بد للخرافة الداروينية أن تستمر، فأعطوا هذه الخرافة الجديدة اسما علميا (نظرية الخيار المشترك - Co-option theory)، والتي تعني الانتخاب الطبيعي الأعمى.

أي بمرور الزمن تشكّل كل شيء في الوجود بلا قصد، فمثلا تركيب العين وما فيها من الخلايا العصوية والمخروطية، والمستقبلات، والناقل العصبي وتحليل الصورة في مراكز في الدماغ ثم تخزينها!! هذا كله عشوائي ودون قصد، والخلية الأولى ظهرت عندهم من غير قصد، والتغيرات الطفيفة دون قصد، والانتخاب الطبيعي راكم التغيرات الطفيفة التدريجية لتقود من كائن إلى آخر عفويا دون قصد أيضا ولا إرادة من أحد، بل بمجموع الصدف، كل هذه الكائنات بإتقانها وروعتها لم يقصد أحد أن يوجدها، بل جاءت هكذا بالخطأ والصدف، حيث يقول الله تعالى: (قُلِ انظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ) (يونس:101).

وهكذا شقّ داروين طريق الهذيان العلمي، وأفسد العقل بدعوى اللاقصدية والعبثية، وأن الإتقان في الكائنات الحية لا يحتاج إلى متقن، والتصميم لا يحتاج إلى مصمم، كما وجاء كثير من أنصاره من بعده ليطبقوا مبادئه هذه ويقولوا أيضا: والمادة التي انبثقت منها الحياة لا تحتاج إلى من أوجدها، والطبيعة التي انتخبت لا تحتاج إلى خالق، بل والكون لا يحتاج إلى خالق؛ فكل هذا جاء من عدم بلا قصد.

هذه هي عناصر خرافة نظرية التطور لداروين، وهذا ما فعله أنصاره وأتباعه من بعده، فهل هذا سد للثغرات؟! أم مزيد من المكابرة والتخريف؟! هل هذا تصحيح للأخطاء؟! أم سير في طريق الضلالة والجهالة إلى آخره؟! هل هذا علم؟! أم ردة إلى الجاهلية الأولى؟! معبد للخرافة نصب فيه عبادها وثنا للانتخاب الطبيعي، ووثنا أنثى لأخته عشوائية، ثم أضفوا عليهما كل صفات الخلق، والتكوين، والإتقان والإحكام، وهو ما لم يفعله ولا حتى الجاهليون الأولون مع اللات والعزى.

وصف تصحيح الأخطاء إنما يكون لنظرية صحيحة في فكرتها الجوهرية مع أخطاء في التفاصيل، وسد الثغرات يكون لبنيان قائم أصلا، فيه ثغرات، أما نظرية داروين لم يقم لها بنيان حتى يكون فيه ثغرات، والخلل بل واللاعقلانية هي في فكرتها الجوهرية، فالموقف العلمي كان يحتم طرحها بالكلية ودفنها مع صاحبها، لكن أنصاره أرادوا لخرافة اللاقصدية أن تبقى، العالم الذي يحترم نفسه يتبع الدليل حيثما قاده، بينما أتباع الخرافة وضعوا العربة أمام الحصان وأرادوا المحافظة على نتيجة داروين، وهي أن الكائنات جاءت هكذا بالأخطاء دون قصد مهما كلّف ذلك من مكابرة، وسخافة، واستخفاف بالعقول، وخيانة للعقل، والعلم والمكتشفات الحديثة.