ظهر بين أنصار نظرية داروين ما يسمى ببصمات الصدفة في أعضاء لا فائدة منها، حيث كان داروين في كتابه (تحدّر الإنسان)، والذي نشره بعد (أصل الأنواع)، قد ذكر أمثلة عديدة على أعضاء ضامرة وغير مفيدة في جسم الإنسان، وذلك كدليل على التطور وسماها (Vestigial organs)، وأن هذا الإنسان ما دام قد جاء بمجموع الصدف، فإن الصدف ستكون قد تركت بصمتها في منتجها هذا، وذلك من بقايا تطورية، وآثارا من الأسلاف والجدود الحيوانية التي لم يعد لها وظيفة في جسم الإنسان اليوم.

وهنا كأن داروين قد فتح بابا لأنصاره يتدافعون فيه لينقبوا في جسم الإنسان جزءا جزءا بحثا عن أخطاء، وذلك حتى أعلن عالم التشريح الألماني الدارويني (روبرت ويدرزهايم - Robert Wiedersheim) عام (1893) عن قائمته ذات الـ (86) عضوا ضامرا في جسم الإنسان لا فائدة لها، وحتى ندرك حجم الجهل هنا، فإنه من ضمن هذه القائمة، الغدد الصماء مثل (الغدة النخامية - Pituitary Gland)، و(الصنوبرية -Pineal Gland)، وذلك لأنهم في وقتها لم يكونوا يعرفون شيئا عن الغدد الصماء والهرمونات، كما كان منطقهم في ذلك الاحتجاج بالجهل، بمعنى نحن نجهل وظيفة هذا العضو من جسم الإنسان أو ذاك، إذن؛ فليست له وظيفة! إذن؛ لابد أنه جاء بطريقة تطورية من غير قصد، وذلك بنفس الطريقة التي استخدموها في الأحافير.

وهكذا أصبح كل ما في الجسم من إتقان وإبداع لا يعنيهم، ومع ذلك تقدمت العلوم وتكشفت وظائف هذه الأعضاء عضوا عضوا، فلا الفقرات العصعصية بلا فائدة، ولا الزائدة الدودية زائدة، والغدة النخامية مثلا تتحكم بأكثر هرمونات الجسم، ولو فقدها من وصفوها بأنها (أثرية) لماتوا، فراحوا بعدها يبحثون في الكائنات الأخرى عن أعضاء لا فائدة منها، وذلك في استدلال مبني على افتراضهم أن الطبيعة تستبقي ما يلزم للبقاء فقط، وهو استدلال مشين لأنه استدلال بنفس ما يريدون إثباته، بينما نحن نؤمن بخالق من صفاته أنه بثّ في خلقه الجمال، فحتى لو لم تساعد بعض الأعضاء على البقاء أو التزاوج، فيكفي أنها تساعد غير الحمقى على إدراك أن للجمال خالقا، ومع ذلك لازالوا ينقبون في كل شيء حتى في ثوابت الكون الفيزيائية المضبوطة لأبعد حدّ، وذلك بشكل يثير عجبهم كأنهم يقولون: أيتها الصدفة العمياء! أسعفينا ببصمة لك في أية زاوية من زوايا الكون، فيأتيهم الرد من كتاب الله تعالى، حيث قال الله تعالى: (الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا ۖ مَّا تَرَىٰ فِي خَلْقِ الرَّحْمَٰنِ مِن تَفَاوُتٍ ۖ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَىٰ مِن فُطُورٍ ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ) (المُلك:3 – 4). 

هذا ولما فشلوا مع ما تحت الأرض وما فوق الأرض، راحوا ينقّبون في المادة الوراثية لعلهم يجدون فيها ضالتهم، حيث قال عشاق النظرية أن (المادة الوراثية – DNA)، ليس إلا قسم قليل منها جينات عاملة بينما أكثرها (Junk)، يعني خردة، بلا وظيفة وبقايا تطور عشوائي، ثم لما تم اكتشاف الوظائف الكثيرة جدا، والتي لا غنى عنها أبدا لهذا الـ (DNA) الذي وصفوه سابقا بأنه خردة، وظهر أنه منبع كنوز كما عبر عنه البروفسور (إيوان بيرني - Ewan Birney)، رئيس مشروع الإنكود، الذي ضم (400) عالم جينات، ونلاحظ هنا كيف أساء هؤلاء الداروينيين إلى العلم والعقل معا، وذلك في سبيل إثبات خرافة نظريتهم.

وقد اعتمد داروين وأنصار نظريته كثيرا على وجود بعض التشابهات الموروفولوجية في الشكل الخارجي، والتشابهات التشريحية بين بعض الكائنات الحية، واعتبر هذا الشبه دليلا على وحدة الأصل، وهذا ليس علميا ولا منطقيا، ويكفي في إبطال دلالته، ظاهرة التشابهات الشديدة بين الحيوانات المشيمية وشبيهاتها الجرابية، فالحيوان المشيمي هو الذي يكمل جنينه النمو في مشيمة الرحم، بينما الجرابي يكمل نموه في جراب كالكنغر، وحسب الداروينيين، فإن الحيوانات الجرابية انفصلت عن المشيمية في قديم الزمان، بحيث تكوّن لدى كل منهما طريقة حمل وإرضاع وأجهزة جسم داخلية مختلفة بشكل كبير عن الآخر، لكن هذا الاستدلال ثبت بطلانه جملة وتفصيلا، بحيث أن السنجاب المشيمي مثلا أقرب في التفرع والتصنيف وشجرة القرابة التطورية للحوت والفيل والغزال وكل الثديات المشيمية المعروفة من قرابته لزميله السنجاب الجرابي، كما وأن السنجاب الجرابي أكثر قرابة للكنغر والكوالا من قرابته للسنجاب المشيمي المماثل له في الشكل، وقل مثل ذلك في الذئب والخلد، والحيوانية المشيمية والجرابية وغيرها.

كل ما سبق ذكره يعني أن التشابه المورفولوجي الشكلي والتقارب التشريحي ليس له أية دلالة تطورية، فالحيوانات المتشابهة في الشكل، مختلفة جدا في أجهزتها الفسيولوجية وحملها، والمتشابهة فسيولوجيا، مختلفة جدا في أشكالها، لكن ماذا فعل الداروينيون للخروج من هذه الورطة؟ اقترحوا نموذج (التطور المتقارب - Convergent Evolution) أو (التطور المتوازي - Parallel Evolution)، أسماء معقدة وفخمة فقط لإضفاء شرعية علمية على النظرية، ولتشعر السامع أن أنصار النظرية هؤلاء على وعي ودراية بوجود هذه الظاهرة، وأنهم لا يرون فيها أي تهديد للنظرية، بل عدلت النظرية ووجدت حلا لذلك، وحقيقة الأمر أنهم لم يجدوا حلا، بل تم اختراع اسم زائف جديد في سبيل الخرافة (النظرية).

أمّا عن التطور المتقارب فهي فكرة مضحكة، مفادها أن الطفرات العشوائية التي خلقت الكائنات المشيمية، كررت بنفس العشوائية والتفاصيل، فخلقت الكائنات الجرابية، أي عشوائية بنفس المسار والترتيب وبنفس التنظيم! مع أن ذلك يجب أن يتم حسابيا ومنطقيا بأعداد لا حصر لها

كما ويقولون: أن المكتشفات الحديثة هي تحديات يمكن تعديل نظرية التطور لتستوعبها، وتتواءم معها دون نقد الهيكل العام للنظرية.

وأخيرا تم الحديث عن التشابه الجنيني بين الكائنات الحية والذي ظهر عام (1868)، وذلك عندما بدأ عالم الحيوان الألماني (إرنست هيكل - Ernst Haeckel)، بنشر رسومات ادعى أنه رصدها تحت الميكروسكوب لأجنة بشرية وأخرى حيوانية، يظهر فيها تشابها كبيرا بينها في مراحل مبكرة من الحمل، وقد فرح داروين بهذا الاكتشاف، وقد نسب الفضل إلى إرنست هيكل في انتشار فكرة التطور في ألمانيا، ومع أن التشابه لا يعني وحدة الأصل أبدا، وحبل الكذب قصير أيضا، وليس هيكل وحده من يمتلك مايكروسكوب، لذلك فقد شكك علماء آخرون في رسومات هيكل، وأثاروا ضجة عليه حتى اضطر للاعتراف عام (1909) بوقوع التزوير في هذه الرسومات، وذلك في رسالة إلى (Allegemeine Zeitung)، وحتى في اعترافه يكذب هيكل إذ قال: إن نسبة صغيرة من صوره (6-8) بالمئة فقط، هي بالفعل مفبركة، وأن الذي اضطره لذلك، هو ملء الفراغات لتعذر الحصول على صور دقيقة مكتملة للأجنة.

العجيب أنه قد مرّ على كذبة هيكل المفضوحة حوالي قرن ونصف، والكذبة لا يزال يعاد تدويرها بلا كلل ولا ملل في آلاف الكتب المدرسية والجامعية والعلمية، كما هي في (Biology by Raven and Johnson) و (Biology by Starr and Taggart)إضافة إلى (Evolutionary Biology by Futuyama) وغيرها الكثير، وهذه الكتب والمراجع هي نفسها التي تصدر منها طبعة كل عام أو عامين حرصا على تحديث المعلومات! هذا وحتى العالم الدارويني (ستيفن غولد - Stephen Gould)، قال في كتابه (Natural History)

أنه ينبغي أن نشعر بالاستغراب والخجل؛ بسبب قرن من إعادة التدوير الغبي، والذي أدى إلى استمرار هذه الرسوم في عدد كبير، إن لم يكن الأغلبية من الكتب الحديثة.

وهكذا فإن نظرية التطور لداروين لا يجد أنصارها إلا الكذب وإعادة اجترار الكذب لدعمها، وهم بذلك يطبقون معها مقولة جوزيف غوبلز، وزير الدعاية النازي: (اكذب ثم اكذب ثم اكذب حتى يصدقك الناس، ثم اكذب أكثر حتى تصدق نفسك)، وهذه هي آلاف الأدلة على نظرية التطور التي يتكلمون عنها، وحتى أنهم وصلوا لاستعمال الفوتوشوب والتصوير السينمائي في هوليوود، والتي لجأ إليها الداروينيون لتنسج على بضعة عظام كائنا كاملا بشحمه ولحمه وعينيه وشعره وتجاعيد وجهه، ثم تمارس نظرية الخرافة التطبيع مع الإعلام والمناهج الدراسية لتشعرك أنك أمام حقائق تاريخية دامغة، لكن العلم الصحيح في كل مرة يثبت بطلان أكاذيبهم وخرافاتهم.