اهتمّ الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالتنمية العمرانية عند توليه الخلافة بعد وفاة الخليفة الراشد الأول ابوبكر الصديق رضي الله عنه. ومع اتساع الفتوحات في عهد الفاروق رضي الله عنه برزت الحاجة إلى إقامة عدة معسكرات، وقلاع، وحصون جديدة؛ لتكون مراكز انطلاق الجيوش الفاتحة، فكان لعمر رضي الله عنه إنجازاته في المجال العمراني؛ ذلك أنه شرع في بناء عدة مدن، ومساجد، وقلاع، وجسور في أغلب الأقطار الإسلامية المفتوحة.

وفي ذلك يذكر المؤرخون أن الفاروق رضي الله عنه قام بتوسعة المسجد النبوي الشريف، واشترى دورا حول الحرم المكي، وهدمها، ووسع المسجد الحرام، ونقل مقام إبراهيم إلى مكانه اليوم بعيدا عن الكعبة بعدما كان ملصقا بها.
 

  وهذا إن دلّ إنّما يدلّ على اهتمام عمر رضي الله عنه بالمساجد؛ لأهميتها في المجتمع الإسلامي، وقام من خلال ولاته بإعمار عدة مساجد منها المسجد الجامع بالكوفة، والمسجد الجامع بالبصرة، والمسجد الجامع بالفسطاط(القاهرة)، فكانت هذه المساجد مكان صلاة المسلمين وتعارفهم وتدارسهم.
 

  كذلك اهتم الخليفة عمر رضي الله عنه بالطرق والمواصلات التي تعد من الركائز الأساسية للتنمية الاقتصادية لا سيما وأنها تسهل من عملية وصول السلع والبضائع إلى المدن المختلفة في الدولة الإسلامية، وتزيد التواصل فيما بين هذه المدن، فقد رصد عمر رضي الله عنه حصّة من المال لدعم التواصل بين مدن الدولة وخصص عددا ضخما من الجمال بصفتها وسيلة المواصلات المتاحة آنذاك؛ لتسير لمن لا ظهر له بين الجزيرة والشام والعراق وقد أنشأ رضي الله عنه ما يسمى بدار الدقيق وهي مكان يجعل فيه الطعام، ومتطلبات المعيشة الأخرى، ويخفّف عناء السفر عن المسافر. وعندما علم عمر رضي الله عنه أنّ خليجا كان يجري بين النيل من قرب حصن بابليون إلى البحر الأحمر وكان يربط الحجاز بمصر ويسير تبادل التجارة ولكن الروم أهملوه فردم، أمر عمر رضي الله عنه عامله على مصر عمرو بن العاص بشقّ هذا الخليج مرة أخرى، فشقّه فيسر بذلك الطريق بين بلاد الحجاز وبين الفسطاط (القاهرة)؛ عاصمة مصر وأصبح شريانا تجاريا يتدفق منه الرخاء ما بين البحرين مرة أخرى وقامت على هذا الخليج داخل الفسطاط منتزهات ومساكن وسماه عمرو بن العاص رضي الله عنه باسم خليج أمير المؤمنين.
 

  وحفر سيدنا عمر رضي الله عنه بالعراق قناة مائية مسافة ثلاثة فراسخ من الخور إلى البصرة لإيصال مياه دجلة إلى البصرة وهذه المشاريع من حفر الأنهار، والخلجان، وإصلاح الطرق، وبناء الجسور والسدود، أخذت أموالا ضخمة من ميزانية الدولة في عهد عمر رضي الله عنه ونتيجة استرشاد الفاروق رضي الله عنه بالهدي النبوي الشريف والإحساس بالمسؤولية جعله يأمر الولاة باستيعاب لوازم الحضارة من خلال إصلاح الطرق والجسور وشق الأنهار؛ لإيصال الماء إلى الأمصار الإسلامية.
 

  إنّ اهتمام الخليفة عمر رضي الله عنه بالبناء العمراني يعدّ بمثابة إقامة البنية التحتية للدولة وله الكثير من الفوائد لكل من سار على هذا النهج وسعى إلى تطبيق تلك الأفكار عمليا

ومن هذه الفوائد ما يلي:
1- إنّ الاهتمام بالمساجد يظهر للعالم أن المسلمين أصحاب حضارة ودين سماوي يرتقون من خلال المقدسات التي يؤمنون بها بصفاتهم وأخلاقهم وسائر معاملاتهم فيما بينهم او مع غيرهم.
2- إنّ الاهتمام بفتح الطرق بين المدن وبناء الجسور والاهتمام بكل ما يخفف العبء عن المسافرين يعدّ مثالا لبناء الدولة على أسس مترابطة يحقق لها وحدتها الجغرافية، ويقلل قدر المستطاع طول المسافات بين مدنها التي تقطع بين أغلبها الصحاري.
3- إنّ بناء المدن وفق النموذج الإسلامي كان له غاية وهدف كبير في ذهن الخليفة عمر رضي الله عنه وهو أن تكون تلك المدن مراكز استقطاب فكري، وحضاري، وأخلاقي يستطيع من خلالها الإنسان أن يتعرّف على مبادئ وأخلاقيات وسلوكيات المسلم، دون أن يتعلّم ذلك بشكل مباشر وإنما من خلال التعامل والمشاهدة والملازمة.