لا فلاح إلا بالتوحيد الخالص القائم على تخلية كل الزيف وتثبيت كل الحق وتجسيده في قول سديد وعمل صالح، ومفاتيح تحقيق ذلك عشرة:

أولها: الإخلاص لله بالتزام الإنسان الأمانة في كافة معاملاته مع ربّه ونفسه وبني جنسه وبقية المخلوقات.

وثانيها: الحكمة باستعمال كل شيء فيما خلقه الله له وعلى النحو الذي بينه الوحي المنزل.

وثالثها: التضحية؛ فالفلاح ارتقاء، والله تعالى يقول ({أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} (آل عمران142). 

ورابعها: التفاؤل واجتناب اليأس من روح الله. فالله تعالى يقول حاكيا على لسان الخليل إبراهيم: {قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ } (الحجر56). فلا فلاح إلا برؤية تجمع بين العقلانية والأمل.

وخامسها: الإقدام؛ فمن يخشى المخاطرة يفقد القدرة على الحركة، ومن سنة الله تعالى في الكون أن يكون الغنم بالغنم والغرم بالغرم.

وسادسها: اجتناب التطفيف في الكيل والطغيان في الميزان؛ بتحري الدقة في وزن دقائق الأمور، والبراءة من بخس الناس أشياءهم.

وسابعها: عدم الأسى على ما فات؛ ففاعل ذلك مُتوعَّد بغمّ. يقول الله تعالى : {إِذْ تُصْعِدُونَ وَلاَ تَلْوُونَ عَلَى أحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غُمَّاً بِغَمٍّ لِّكَيْلاَ تَحْزَنُواْ عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ مَا أَصَابَكُمْ وَاللّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } (آل عمران153). ويقول: ({لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ } (الحديد23). 
 

 فالطاقة المبدعة لا تخرج أبدا من إنسان يأسى على ما فاته أو يفرح فرح بطر بما يصيبه من خير. فالصبر والشكر والرضا بقضاء الله زاد لابد منه للفلاح في اختبار السراء والضراء.  

وثامنها: التكيف على بصيرة؛ ويراد به القدرة على التأقلم مع المستجدات دون فقد البصمة الذاتية. 
فالثابت الوحيد في هذه الحياة هو التغيّر. ومن لا يتكيف لا يستطيع الانطلاق إلى أية آفاق جديدة. 

وتاسعها: الوعي بزيف مقولة الحظ، والاجتهاد في استشعار فرص الفلاح واقتناصها؛ فمقولة الحظ أكذوبة كبرى. فلا شيء في الحياة اسمه الحظ. ومقولة (إنسان محظوظ) هي مجرّد ظنّ المشاهد الذي لا يعرف كم بذل من حسبه محظوظا من جهد ومن عرق، وكم كانت لديه من عزيمة وإرادة صلبة. ولكل مجتهد نصيب. 
  والفرص تحيط بنا من كل جانب ولا تحتاج إلا لعين صقر، ولإحساس مرهف يرصدها، وصاحب عزيمة يقتنصها، وهي لا تأتي على طبق من ذهب بل تحتاج إلى السعي إليها، وقد تأتي متخفية، أو عبر ما يبدو ابتلاء ومحنة في ظاهره، وهي لا تخاطبك بصوت عال بل تهمس في أذنك، فإن لم تنصت إليها ولّت مدبرة، ولم تعد. 

وعاشرها: الثبات على العضّ بالنواجذ على تلك المفاتيح، بوصفه شرطا لتحويل الفلاح من غاية مبتغاة إلى واقع، وتصحيح المسار في حال حدوث انحراف ما عنه. وذاك هو صميم مفهوم الحنيفية الذي وصف الله تعالى به الخليل إبراهيم، ووجّه أمة النبي الخاتم إلى الاقتداء به بوصفهم هم والذين اتبعوه أولى الناس به، وذاك أيضا هو صميم وصية إبراهيم ويعقوب لذريتهم بأن لا يموتوا إلا وهم مسلمون. 

  فمبتغي الفلاح يثابر على اكتشاف طاقاته الكامنة بجد وذكاء ويفعلها قدر استطاعته ما بقي فيه عرق ينبض، ويلتقط الإشارات بحاسته السادسة، ولا يرافق إلا من يدفعه إلى تحقيق غاياته، ويقبل التغيير، ولا يملّ أبدا من ابتغاء فضل الله ورضوانه.