إن فهم معادلة التحضر جزء أساسي في البناء الحضاري، كما أن هذا الفهم لن يؤتي أُكُله المُؤَمَّل إلا عند تحرره من عوائق فاعليته الدخيلة على الخصائص الفكرية والنفسية والعقدية للبيئة التي يُعمَل فيها هذا التحضر، وفي معادلة التحضر يلعب الإنسان دور المحور في نشأتها وسيرورتها. والإنسان ليس وحيدا في هذه المعادلة بل هو عنصر من ثلاث عناصر، وهي –الإنسان والفكرة والأشياء-، وتتألق الحضارة عند المواءمة بين هذه العناصر الثلاثة، ولا تتعطل الحضارة بغياب أحدها، لأنه ما من تركيب بشري إلا وفيه هذه العناصر الثلاثة بنسب متفاوتة، ولكن تتعطل الحضارة بتضخم أحد هذه العناصر أو طغيانه على حساب العناصر الأخرى، فلو أننا نعطي الإنسان دورا يتجاوز وضعه الطبيعي، أو نغرق في الأفكار لدرجة نتجاوز بها حدود إمكان الأشياء، أو نضع الأشياء في موضع يغفلنا عن محورية الإنسان أو ضرورية الأفكار، فإن هذا الذي يعطل حركة التحضر، يقول الدكتور عبد الحليم عويس في كلام مشابه لهذا :" وهذه المنظومة بعناصرها الثلاثة تحتاج لكي تبقى فاعلة ومؤثرة إلى أن تتوازن النسب بينها، ويعطى كل عنصر قَدره في المرحلة التاريخية التي تمر بها الحضارة .. ولا تسقط الحضارات لأنها خلو من هذه العناصر، بل إنما تسقط الحضارات عندما تطغى نسبة عنصر على عنصر .. فعندما يُعبد الإنسان الفرد، ويصبح هو الهدف، وتصاغ الحياة –بوسائلها وأهدافها - من أجل استمتاعه .. يقع الخلل .. وأيضا عندما يطغى الفكر ويذوب الإنسان فيه على حساب (الإنسان) أو (الأشياء) فيترك العمل، ويصبح الفكر لمجرد الفكر، ويريد بعضهم أن يصوم فلا يفطر، ويقوم آخر فلا ينام، ويترهبن ثالث فلا يتزوج .. هنا يطغى تألق (الفكرة) وتهدد الحياة بالخلل، ويجب تقويم الميزان وتحقيق العدل بين العناصر"، بناءً على هذه الرؤية بنيتُ توجهي في مكانة الوعي من عامة الأمة.
فالوعي كممارسة نظرية وفكرية تتسم بالإحاطة المعرفية والواقعية والخبرة العلمية والعملية، لا يتيسر للجميع أن يعطوه متطلباته.
ولذلك لا يمكننا أن نلزم به عامة الأمة، بل هو استلزام للنخب القيادية في الأمة، ذلك أن محاولة فرض الوعي على عامة المجتمع يؤدي في النهاية إلى تضخم عناصر الممارسة التنظيرية، وجعلها مستباحة يقول فيها من شاء بما شاء، وتتحول العملية الإصلاحية إلى لغو جدلي يصعب التوفيق بينه وبين متطلبات الواقع الميداني، ولأن الوعي العام يستحيل أن يكون مُشاعا فإن حصول المقاومة الاجتماعية للممارسات الإصلاحية "التوعوية" أمر حتمي، فتحصل الفجوة بين النخب الإصلاحية وعامة الناس، إما بالتأويلات الخاطئة للنظريات المتداولة وبالتالي سوء إنزالها، وإما بالنفور من الاستماع إلى الخطاب التغييري الإصلاحي أصلا، والفرار إلى الراحة والتخلي عن المسؤولية وإيثار السهولة، وهكذا تخسر العملية التّحَضُّرية شرائح واسعة من المجتمع، هذه الشرائح التي لا يستغني عنها أي مشروع نهضوي، وعلى هذا نتساءل : مادام الوعي العام بهذه الصورة ليس مطلوبا من العامة، فما هو المطلوب منهم ؟ وما هو دورهم الإيجابي في البناء الحضاري ؟ وما هو الهدف الذي ينبغي أن ترسمه النخب الإصلاحية وهي تسعى لترشيد عموم الأمة وقيادتها ؟
تبسيط الوعي
إن حديثنا عن "الوعي بشكل هلامي فضفاض يوقعنا في عدة مطبات، وأهم هذه المطبات، هو الذي أحوم حوله في هذا المقال؛ أي إلزام عموم الأمة ما لا يُلزمهم وما لا يطيق أكثرهم، ولذلك لابد من وضع الحدود الفاصلة بين أنواع الوعي التي تُقصد عند إطلاق هذه اللفظة لدى الباحثين أو المفكرين، ويمكن أن نرصد ثلاثة أقسام للوعي :
الوعي العام : وهو الذي أتحدث عنه في هذا المقال، والذي عرفته بـــ :" الإدراك الرشيد للواقع ، المتولد عن رؤية نظرية، وخبرة معرفية وعملية"، وهو بهذا المعنى خصيصة نخبوية، يتعذر تحصيله على من لم يتفرغ للإحاطة بآلته.
الوعي الذاتي : وهو الوعي في صورته "الغريزية"، أي الذي يوجد عند كل عاقل، مقرونا بإدراكه، ويكون هذا الوعي في صورة بسيطة وانفعالية، مقتصرا على إدراك الذات الشخصية وحاجاتها وطبيعتها إدراكا بسيطا، وإدراك البيئات الضيقة التي يعيش فيها الفرد، وإدراك متطلبات الحياة وبعض شؤونها.
الوعي الجزئي : وهو أرقى من الوعي الشخصي، ودون الوعي العام، والمقصود به، هو الحد الأدنى من معرفة ما يمكن أن نصطلح عليه بركائز التحضر، التي هي : إدراك الدين ومتطلباته، إدراك ما يؤثر بشكل مباشر في الواقع والبيئات المحيطة بالشخص ومجتمعه، معرفة واجبات الفرد وحقوقه التي تنبني عليه حياته وآخرته، والقدرة على الإحسان في مجال التخصص.
الوعي الجزئي هو ما يمكن للجميع تحصيله مع بعض الجدية والمثابرة، لكل عاقل يريد الخير لنفسه وللمجموع الذي يعيش معه ويتأثر بحاله ويمكنه أن يؤثر فيه، والوعي الجزئي لا يسمى وعيا إلا على سبيل التجوُّز، أما الوعي حقيقةً فهو الوعي العام، الذي يؤثر بشكل مباشر في السيرورة الحضارية، لأنه هو القائد والموجه والمرشد له. لكن الوعي الجزئي كذلك ليس هو المطلوب من عموم الأمة بشكل نهائي، بل هو المقدمة والمُكَمِّل لما ينبغي للنخب الإصلاحية العمل عليه عند إرشاد وقيادة عموم الامة، فما هو المطلوب من عموم الأمة ؟
بناء الثقافة بديلا عن فرض الوعي
في البداية أحب تقرير حقيقة مهمة، وهي أن تقسيم المجتمع إلى عوام وخواص بالمفهوم التقليدي الوارد في التراث الإسلامي، لا يستقيم اعتماده في البناء الحضاري في هذا العصر، لأن الناس اليوم في الغالب لهم اطلاع واسع حول مناحي حياتية شتى، وهذا بفضل الثورة الإعلامية التي جعلت من المعلومة شبه مشاعة للجميع، كما أن نظام التعليم في غالبية البلدان –حتى الإسلامية- في تحسن وتقدم مستمر، ما جعل من فئة الجامعيين والمختصين في تزايد، فخطيب المسجد مثلا كان في القديم يقدم كلامه لمجموعة من الناس الذين أهَمَّهُم تحصيل حياتهم فقط، أما اليوم فقد أصبح الإمام يجد أمامه من المصلين الطبيب والمهندس والدكتور الجامعي والطالب والباحث ..الخ، إضافة إلى الفئات الأخرى والتي لا يستهان بسعة اطلاعها في العموم، لكن التقسيم الطبيعي اليوم هو؛ النخب القائدة وعامة الناس، والنخب هم الذين يتصدون للشأن العام، في السياسة والإعلام والفكر .. الخ، وعامة الناس هم الذين لا يتصدون بشكل مباشر للشؤون العامة، لكن هذا لا يقدح في سعة اطلاعهم ووعيهم "الجزئي" .
هذا التقسيم للمجتمع المعاصر يعني أن كل عنصر فيه يمكن أن يكون فاعلا حضاريا بوجه من الأوجه، وهذه الفاعلية الحضارية تكون ببناء حصن من المفاهيم والقيم والسلوكيات الاجتماعية، وجعلها طَبْعًا مرجعيا في المجتمع، بحيث يُفَعِّلها المجتمع آليا، ويحميها بشكل مباشر، حتى وإن لم يدرك أبعادها على وجه الدقة، وهذا البناء هو المنظومة الثقافية للمجتمع.
وأنا لا أقصد الثقافة بمعناها المعرفي، ولكن أقصد به ما ذهب إليه الأستاذ مالك بن نبي عندما قال :" جرى العرف إذا ما أريد الحديث عن الثقافة أن تقتصر مشكلتها في ذهن القارئ على قضية الأفكار. والحق أن المشكلة هي كذلك في جانب من جوانبها؛ ولكن الثقافة لا تضم في مفهومها الأفكار فحسب، وإنما تضم أشياء أعم من ذلك كثيرا، تخص –كما سنرى خلال عرضنا – أسلوب الحياة في مجتمع معين من ناحية، كما تخص السلوك الاجتماعي الذي يطبع تصرفات الفرد في ذلك المجتمع من ناحية أخرى"، الثقافة بهذا المفهوم هي التي يلزم المصلحين ونخب الأمة أن يعملوا على تقويتها وصقل مبادئها وتصحيح جوانبها في حياة المجتمع، وإذا كان المجتمع محكوما بثقافة قائمة على أسس قويمة، فإن هذا يجعل المجتمع فاعلا في مسار التحضر، منيعا على أي انحراف داخلي أو تشويش خارجي، والثقافة بهذا المعنى هي خصيصة اجتماعية، يمكن للمجتمع تَبَنِّيها وتقبلها، ويمكن للفرد إدراك حقيقتها والتفاعل الإيجابي معها.
إني أجزم أن خلل المجتمعات الإسلامية اليوم ليس هو ضعف الوعي ، لا ، بل هو عدم وجود ثقافة اجتماعية ناظمة لسلوك الأمة.
فالأمة اليوم في الغالب تسير نظريا وفق أي فكرة وافدة، من غير أن تعمل منظومة قيمها، وتسير عمليا وفق مبدأ الفردية المتوحشة غير العلمية، والأنانية التي تحجب حقوق المجتمع –إلا فيما ندر-، حتى المجتمعات ذات الطبيعة القبلية في المجتمع الإسلامي وبسبب ضربات العولمة الشديدة، بدأت تنفلت من ربقة الثقافة التي كانت سائدة فيها، والفرد الواحد قد لا يطيق أن يحيط بجميع متطلبات الوعي لأنه متفرغ لتحصيل شؤون معاشه أو تخصصه الضَّيِّق، لكن الثقافة تتحول إلى وعي جمعي، والوعي الجمعي يفرض نفسه على الفرد حتى إذا لم يدرك الفرد ذلك، فتصبح الثقافة عاصِمَةً من أي زلل أو انحراف أو اعتداء على ما يجب التوقف عنده أو تضخيم (الإنسان) على (الفكرة) أو (الأشياء) أو العكس، ولنضرب لذلك بعض الأمثلة :
أولا : في النموذجين اللذين ذكرتهما في الجزء الأول –مجتمع الصحابة والمجتمع الأمريكي-، وعلى الرغم من أن الوعي العام كان محصورا في الفئات النخبوية، غير أن كِلا النموذجين كان يتمتع بثقافة حصينة ، فمجتمع الصحابة كان قائما على منظومة ثقافية قوية ترتكز على القيم الإيمانية والإسلامية التي كان يستقيها من هدي النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة، إضافة إلى الطبيعة العربية التي كانت تتسم ثقافتها بشيء من القيم الحميدة التي اقرّها الإسلام، وهذه البنية الثقافية هي التي جعلت امرأة تقف معترضة على عمر الخطاب رضي الله عنه لما أراد تسقيف المهور، فقالت :"كيف تحددها والله تعالى يقول : ﴿وَءَاتَيْتُمْ إِحْدَىٰهُنَّ قِنطَارًۭا فَلَا تَأْخُذُوا۟ مِنْهُ شَيْـًٔا ۚ أَتَأْخُذُونَهُۥ بُهْتَـٰنًۭا وَإِثْمًۭا مُّبِينًۭا ﴿٢٠﴾﴾[النساء 20]"، إن هذه المرأة ولا شك ليست في "وعي" عمر بن الخطاب، لكن الثقافة –السياسية والقيمية والدينية - التي كانت تَنْظِم المجتمع التي هي فرد فيه جعلها تقوم بهذا. والشعب الأمريكي رغما عن الحال الذي أشرنا إليه سابقا، فإنه قد تم تنظيمه في بوتقة ثقافة موحدة تكاد تكون هي الصبغة التي تميز المجتمع الأمريكي، فالأمريكي يمكن أن يجهل أغلب عواصم دول العالم بل قد لا يعلم مواقع بعض البلدان إن علم بوجودها أصلا، لكنه يتعامل بدقة متناهية مع نظام التأمينات الأمريكي الذي هو من أعقد الأنظمة، كما أنه في الغالب يتعامل مع اقتصاده الشخصي والأسري بشكل فعال جدا، أما الوقت عنده فهو مقدر بالمال، ولا يتساهل فيه وهكذا، نجد أن قوة المجتمع الأمريكي كامنة في الثقافة التي صُنعت له ولا يخرج غالبا عنها، والتي تؤدي دورها الحضاري بفاعلية كبيرة.
ثانيا : انظر مثلا إلى النموذج التركي، اطلعت قبل الانتخابات الرئاسية التركية الأخيرة على سبر لآراء بعض الناخبين، فوجدت أن توجه غالبيتهم إلى إعادة انتخاب الرئيس السابق " رجب طيب أردوغان"، وانحصرت الأسباب في انجازاته السابقة على المستوى الخدماتي وعلى تطوير البنية التحتية، وأنه رجل طيب، أو قريب من الشعب، ولم أسمع أي شخص أشار إلى المواقف الاستراتيجية لتركيا في عهد أردوغان، كدعم اللاجئين السوريين، والموقف من إسرائيل أو من القوى الأوروبية، وإعادة حكم القيم الإسلامية، أو الانفتاح على العالم الإسلامي، إنها الثقافة وليست الوعي، لأن المنظومة الثقافية التركية تملي عليه هذا الموقف، ولذلك خرج الشعب التركي ليدافع عن الديموقراطية في الانقلاب الفاشل، وكان من بينهم بعض المعارضين لأردوغان وسياسته، إنها الثقافة المتينة لهذا المجتمع تلعب دورها مرة أخرى، الثقافة التي تعرف قيمة الديموقراطية، وتقدمها على المصلحة الحزبية، أو الفردية، وتعلي من شأن الاستقرار في صناعة التقدم، كل هذا في تواؤم وتلاؤم بين الثلاثية التي ذكرتها سابقا–الإنسان والأشياء والأفكار-.
ثالثا : قام مجموع من الشباب، في بدايات شهر أوت /2018، بولاية "ورقلة" الجزائرية بحراك في منتهى التَّحضر، حيث أقاموا صلاة العشاء واعتصموا في المكان الذي كان مقررا أن تقام فيه سهرة غنائية، من الحفلات الباذخة التي تقيمها وزارة الثقافة الجزائرية بمبالغ خيالية، ما اضطر السلطات لإلغاء هذه الحفلة، فأوصل الشباب بذلك مجموعة من الرسائل القوية؛ أهمها أن الأولوية ليست للاحتفال وإنما للتنمية، ومنها أن المجتمع الجزائري ليس مجتمع تفسخ بل هو مجتمع قيم .. وغيرها، لكن الشاهد من هذا، هو أننا لو نجري استطلاعا بين هؤلاء الشباب حول مدى معرفتهم مثلا بتوجيهات هانتينغتون أو برنارد لويس للسياسة الغربية الخارجية وأثر هذه السياسية في بلادهم، أو لو سألناهم عن مدى التأثيرات السلبية للعولمة الاقتصادية والثقافية على منظومة القيم في بلادهم، لوجدنا جهلا كبيرا بهذه التفاصيل، لكن الشيء الذي جعلهم يتحركون هذا الحراك الحضاري –يقينا- هو عمق الثقافة الإسلامية والمنضبطة والقائمة على الغيرة على الأرض والعرض، هذه الثقافة التي ما تزال تسبغ بعضا من ظلالها على غالبية المجتمع الجزائري، هكذا؛ قليلٌ من الثقافة الناظمة لاتجاهات المجتمع، تُغْني عن كثيرٍ من حملات التوعية لقضايا لا يهتم بها عامة الناس في الغالب ولا يضرهم الجهل بها.
بنية الثقافة الاجتماعية المطلوبة
في الأخير بقي أن نعرف طبيعة هذه الثقافة التي نريد من النخب أن تعمل على صياغتها في المجتمع، وتثمين ما بقي قائما منها وترميم ما هَدَّهُ تعاقب الأحداث والأزمنة والضربات، وأقدم لفهم هذه الطبيعة الأركان الأربعة التي تقوم عليها الثقافة الاجتماعية :
الركن الأول/ ثقافة حقوق وواجبات: لابد للمجتمع من أن يقيم اعتبارا كبيرا لمعرفة حقوقه وواجباته، من أجل إقامة المجتمع المتحضر الذي ينظمه القانون ويضبطه العمل الدائم، ومصدر هذا القانون قد يكون ربانيا –الشريعة-، وقد يكون بشريا –سائر اجتهادات فقهاء القانون والشريعة-، ولابد من أن تترسخ في ثقافة مجتمعاتنا فكرة أنه لا حقوق من غير واجبات، وأن الواجب يسبق الحق في أغلب الأحيان، وأن المطالبة بالحق قد يصبح واجبا، وأن تيسير أداء الواجبات هو من حق كل فرد في المجموع، ويأتي على رأس هذه الحقوق والواجبات؛ الحقوق والواجبات السياسية، أو العامة، لأن أثرها يتعدى الفرد للجماعة، ويتعدى الحاضر للأجيال القادمة.
الركن الثاني/ ثقافة القيم: تمثل منظومة القيم الإسلامية رابطا قويا للثقافة الإسلامية، فهي التي تربط بين أجزاء المجتمع ومكوناته، وتربط بين المجتمع والمثل العليا، وتحفظ الطابع الأخلاقي للتحضر، وهي الواقي من الفردية المتوحشة، والمادية المفرطة، وهي الضامن لكرامة الحياة في المجتمع متعدد الطبقات –فكريا واقتصاديا وسياسيا ..-، لذلك لابد أن تتسم الثقافة الاجتماعية التي تساهم في التحضر بالصبغة القيمية، وينبغي أن تكون القيم هي محك قبول ورفض السلوكيات وليس النفعية أو الغائية أو حقوق الأقليات ولا الأكثريات .
الركن الثالث/ ثقافة الإحسان: من سمات الثقافة الاجتماعية الحضارية أنها ثقافة إحسان، والإحسان نوعان :
إحسان ذوقي، وهو الذي يكون في العبادات والأخلاق.
وإحسان عُمراني، وهو الذي يتجلى في روح العمل وإتقانه والاهتمام بالوقت والجدية في الإنجاز وإتقان البنية التحتية. ويدخل فيها النظافة والتنظيم الشخصي والاجتماعي والإداري، والفنون الجميلة بمختلف أشكالها، والأدب والعمارة وغيرها. والإحسان بهذا المعنى من أهم ركائز التحضر التي ينبغي أن يصبح ثقافة سائدة في عموم المجتمع، وليس مجرد شعارات.
الركن الرابع/ الثقافة والعلاقات الثلاث : وأخيرا ينبغي للثقافة الاجتماعية أن تتسم بالتناسق بين العلاقات التي يعيش وفقها الإنسان والمجتمع، وهي :
- علاقة الإنسان مع نفسه: بأن يعي ذاته ، وما يجب أن يفعل لتنميتها ، والحد مما يضرها ، وجعلها عنصرا نافعا.
- علاقة الإنسان بخالقه: يقدم الإيمان بالله الإجابة عن الأسئلة الوجودية الكبرى، هذا الجواب الذي يضمن الاستقرار الفكري والتصوري للمجتمع، ويجعله يتفرغ للعمل وللفاعلية، وليس للجدل، أو الشهوانية.
-علاقة الإنسان ببيئته: البيئة الطبيعية والبشرية، فالإنسان جزء من وجود طبيعي، وجزء من وجود بشري، ولذلك ينبغي أن تكون هناك قواعد ناظمة لعلاقته مع هذه البيئة.
إسلام أقيس