الحقيقة الغائبة، أنّ العالم العربي الإسلامي اليوم بات عاجزًا تمامًا عن إدارة أزماته بشكلٍ سليم وبطريقةٍ أمثل، ذلك لأنّ إدارة الأزمات تُمثل مجالاً مشتركاً لعدد من التخصصات مثل الإدارة والاقتصاد والسياسة والأمن والاجتماع والإعلام... فكانت غالبيّة التّجارب العربيّة متواضعة وأقرب إلى الفشل منها إلى النّجاح.
ولستُ أتحدّثُ هُنا عن هيئة الأمم المتحدة أو الجامعة العربية هذه الأخيرة التي صارت كالرّجل المريض، حيثُ فشلت في حفظ الأمن والسّلام للدّول العربيّة ولم تحقق حتّى مبدأ حل النزاعات بطرق سلميّة ولا التعاون والعمل العربي المُشترك، بل أقصدُ الدول العربيّة نفسها حكومةً وشعبًا وإدارات، ولعلّ ذلك يعودُ إلى أسباب عديدة ومتشعّبة، نذكر منها:
- سياسة التواكل والفهلوة التي تقوم على مبدأ بذل أقل مجهود ممكن للحصول على أكبر فائدة ممكنة، وهو منهج غير منطقي ولا يتماشى مع الإدارة العلمية للأزمات، التي تتطلب التنبؤ والاستعداد والتدريب والتعلم من الخبرات السابقة، كما تستوجب العمل الجاد والتقييم الصّارم للجهود كما النتائج، ففي النّهاية هذا الأمر يتعلّق بالشّأن العام لا الخاص ليتمّ التّهاون فيه.
- غياب التّنسيق واحتدام الصّراع بين الإدارات فيما يخصّ حل الأزمات، ما يبدد طاقة الدولة ويحول دون التوظيف الأمثل لمواردها.
- إنكار الأزمات أو الالتفاف حولها، وهذا ما يقوم به الأداء البيروقراطي الفاشل في إدارة الأزمات والذي يحاول تجميل نفسه بادّعاء حلّها.
- تغليب الاعتبارات الأمنية والسياسية على التطبيق الجاد للأسس العلمية في إدارة الأزمات، وبعضها يقود إلى إخفاء الحقائق والافتقار إلى الشفافية والاعتماد على الإدارة بالأزمة عوضاً عن إدارة الأزمة.
إنّ هذه الأسباب في مُجملها، تؤكد أن الإدارة العلمية للأزمات في مختلف مجالات الحياة العربية تكاد تكون فريضة غائبة، والمفارقة أن الخطاب العام يتحدث عن إدارات وهيئات لإدارة الأزمات والكوارث. ما يعني أننا في حاجة إلى وقفة صارمة مع النّفس ومراجعتها، لإعادة تقييم عمل المؤسسات وقدرتها على إدارة الأزمات خصوصًا أنّها تُحدد مدى تقدم المجتمع وفاعلية أجهزة الدولة والمجتمع المدني، وهذه العمليّة تستوجب تفكيرًا منطقيًّا وجُهدًا علميًّا مُنظّمًا، يستبعد آلية التفكير في المؤامرة الخارجية والتي تحولت إلى مشجب يعلَّق عليه جوانب القصور والفشل في الأداء العام.
الحقيقة أنّه لا يمكن للأجهزة الحكومية المكلفة بإدارة الأزمات أن تنجح مادامت لا تملك رؤية تنظم عملها، ومركز واحد أو خلية لإدارة الأزمة تضم كل العقول والجهود، ثمّ إنّ إنشاء وزارة لإدارة الأزمات تعتبر قفزة نوعيّة وفكرة ممتازة لتحقيق الأمن الدّاخلي والاستقرار، وهي فكرة معمول بها في روسيا وإندونيسيا وعدد من دول العالم، ما يمكّن من التعامل الفعال مع كل الأزمات، سواء وقعت في داخل البلاد أو خارجها، لأنه من المستحيل عمليًا الفصل بين نتائج وتداعيات أزمة داخلية وأخرى خارجية.
لابد من رفع كفاءة وفاعلية قدرات الدولة والمجتمع المدني في إدارة الأزمات، وتفعيل آليات الرقابة المجتمعية والمحاسبة، وإدراك أن الأزمات والكوارث تهدد الاستقرار السياسي، وتربك خطط التنمية، ولستُ أدعو إلى إدارة قطعيّة للأزمات، أو من خلال جزر منفصلة، لكن الأهم أن نتعلم دائمًا من أزماتنا، ولا نكرر الأخطاء التي قد نقع فيها، وأن نحاسب المقصر أو المسؤول عن الأزمة أو الكارثة، لأن ضعف أو غياب المحاسبة يولد مزيدًا من التسيب، ومزيدًا من الكوارث، كذلك من المهم أن يستمر اهتمامنا بإدارة الأزمات، ولا ينتهي بمجرد زوال المخاطر والتهديدات التي تفجرها. وختامًا، الموضوع برمته يرتكز على عمودٍ واحد ألا وهو ثقافة المجتمع، منظومته القيمية التي لا تجدي فيها مفاهيم مثل النظافة، تحمل المسئولية، تقبل التغيير بمرونة اتباع التعليمات، الإيجابية، الحذر، التعاون، الخوف على الآخر، وغيرها من قيم ومفاهيم يجب زرعها أولاً حتى يستوعب الجميع ما يتم وضعه من خطط، ويصبح المجتمع مؤهلاً للتطبيق.