يكفي أن تبلغني عن كون هذه المؤسسة ناجحة أم خاسرة؛ حتى أرد عليك وأنا في مكتبي عن طريقة ونمط الإدارة والممارسات الإدارية التي تتم داخل تلك المؤسسة، وهذا ليس سحرًا ولا إدعاءً للغيب لكنه علم، حيث أن كل شيء له دلالاته ومؤشراته التي تُنبئ بنتيجته، فالنجاح له دلالاته من نمط الإدارة وكذلك الفشل. 

وبالتالي إذا كنت أمام مؤسسة ناجحة، بالبتأكيد أنت أمام نمط وممارسات إدارية مثل هذه الممارسات:

1) الاعتماد على الإدارة التنفيذية والمساعدين في تصريف كثير من الأمور الإجرائية اليومية، فيتيح هذا الأسلوب للمدير التفرغ وتخصيص الجزء الأكبر من وقته للتخطيط والتفكير وتحقيق رؤية المؤسسة.

2) تختفي المركزية في اتخاذ القرارات وتتضاءل الفروق والحواجز بين الرؤساء والمرؤوسين وتتوزع الصلاحيات والاختصاصات، ويشعر كل عضو في المؤسسة بأنه يُسهم في القيادة وفي اتخاذ القرارات، فيدفعه ذلك إلى مزيد من الإخلاص في عمله والولاء له والتفاني في خدمة أهداف المؤسسة التي يعمل فيها. 

3) يسود الوضوح في خطوات العمل وإجراءاته، ويعمم التنظيم في حركة العمل اليومي وتغدو الأمور كأنها تُسَيِّر نفسها، فتقل الأسئلة والاستفسارات حول جزئيات العمل لأن كل موظف في المؤسسة يعرف واجباته. 

4) وضوح الأنظمة والقوانين ولا تحتمل التأويل والتفسير، وليس هناك استثناءات من الأنظمة أو تحايل عليها أو تفسيرها لخدمة المصالح الخاصة.  

5) تصبح البيئة الإدارية صحية مهيأة وميسرة لمصلحة العمل، وتعمل على تركيز جهود العاملين في اتجاه تحقيق أهداف المؤسسة، فليست هناك تعقيدات إدارية تأخذ جزءًا من وقت العاملين، وتشغل أذهانهم عن الإنتاج. 

أما إذا كنت أمام مؤسسة خاسرة، بالتأكيد أنت أمام نمط وممارسات إدارية مثل هذه الممارسات:  

1) يحاول المدير أن يَظهر في صورة غير الصورة الحقيقية لشخصيته، فيتظاهر بالتعالي والكبرياء والغطرسة على المرؤوسين، وأنه يَفهم الأمور بطريقة أفضل منهم، ويتلذذ بإصدار الأوامر والتعليمات، ولا يتردد في توبيخ المرؤوسين ولومِهم. 

2) الاهتمام بالمظاهر والأثاث في المكتب، إذ غالباً ما يلجأ المدير أو المسؤول إلى تغيير شكل المكتب ونوعية الأثاث بين فترة وأخرى، ويتدخل في اختيار الألوان وقطع الأثاث، وحتى في نوعية الأقفال. 

3) إكثار المدير من الاجتماعات لإخفاء عجزه عن حل مشكلات العمل، ويحاول بهذه الاجتماعات الإيحاء بأنه مدير يؤمن بالمشاركة واتخاذ قرارات جماعية، وهو في واقع الأمر يريد استعراض ما يملكه من مهارات كلامية ويرضي غروره بأن يرى الجميع يستمعون ويصغون إليه ولا يستطيع أحد مقاطعته.

4) غموض في الأنظمة والإجراءات والأهداف، فتكثُر الاستفسارات والأسئلة وتتباين الإجابات، ويكثر التأويل، ويختلف التطبيق بين وقت وآخر، وعادة يطوع الغموض في الأنظمة والإجراءات ويُفسر ويُكيَف لمصلحة التوجه الذي يُراد للإجراء أن يسير فيه، أو الذي ينسجم مع ما يريده المدير. 

5) يُقرب المدير حوله ضعاف الشخصية، ومحدود القدرات والمواهب من مساعدين ومستشارين؛ لأنه يجد أن ذلك أسهل لتقبُل توجيهاته وتعليماته وتنفيذها دون إبداء رأي أو معارضة، تتصف القرارات بالتخبط والفردية والتعارض، إذ ليس هناك منهج واضح في دراسة المشكلات وإشراك الآخرين والاستفادة من تجاربهم وغالباً ما تتخذ القرارات بسرعة وبدون تروي، ويفاجأ العاملون بالقرارات تصدر مباشرة من مكتب المدير. 

6) يُجنِد المدير بعض العاملين ويسخرهم لخدمته الشخصية بعيداً عن واجبات العمل التي وُظفوا من أجلها، فهناك من يحمل حقيبته ويؤدي متطلباته الشخصية ويسافر معه للقيام بخدمته الذاتية، وكل هذا من أجل إرضاء غروره الشخصي، أو ما يشعر به من نقص، ولتكملة مظهره الناقص أمام الغير، وكثير ما يعمل المدير على تركيز معارفه وأقاربه والمحسوبين عليه في وظائف قريبة منه، لكي يستمد منهم قوته ونفوذه ويسخرهم لتنفيذ ما يصدره من أوامر وقرارات، وتبني السياسات التي يؤمن بها، وشيئاً فشيئًا يصبح لديه نوع من الإحساس بالعظمة، وأنه أصبح مطاعاً في كل شيء.

خلاصة الأمر، إن نجاح المؤسسة وفشلها هو اختيار وقرار جهة الإدارة والمدير، فإذا أراد المدير نجاح مؤسسته فعليه أن يقرر ويختار طريق النجاح من ممارسات صحيحة ونمط إداري سليم كما أوضحنا؛ فيوصله إلى نتيجة متوقعة ألا وهي النجاح وتحقيق الأهداف. 

أما إذا اختار المدير الممارسات الخاطئة والأنماط الإدارية الاستبدادية كما أسلفنا، فبالطبع قد اختار سلم الوصول للفشل والخسارة، ليتني أهمس لكل مدير وأقول له "عَرفت نمط الإدارة الناجح.. فالزم.