إنّ أخطر هدر تعاني منه بلداننا هو إهدار طاقات الشباب بلا استثمار حقيقي يعود عليهم وعلى بلدانهم بالنفع والتقدم، فالشباب الذين هم أساس البناء وأداة التغيير مهملون في الغالب دون رعاية أو تطوير ودون تنمية أو توظيف. 
أحلام مبعثرة لم تجد سبيلاً لتحقيقها، وطاقات مهدرة لم تلق من يسعى إلى استكشافها بدل استنزافها فيما لا يبني بلداً ولا يحدث أثراً، فترى لهم حركة بلا إنتاج وسعيا بلا نتيجة وجهدا بلا ثمر وزرعا بلا حصاد، لأنهم لم يعرفوا ما يريدون أو ما يراد لهم فالبوصلة خاطئة والرؤية مضطربة.
فأصبحوا بذلك وقودا لمراكب غيرهم ممن عرف كيف يستخدمهم ولا يخدمهم، وذلك بتفريغ طاقاتهم بصغائر الأمور وإشغالهم بهوامش المشاريع وزجهم بمعالجة مشاكل لم يكن لهم يوما دور فيها، واستغلالهم في إطفاء حرائق لم يتسببوا بإشعالها. 
    وهذا رأيناه متجسدا في العراق في المحافظات المنكوبة جراء المعارك العسكرية مع تنظيم داعش وبعده، فقد هب الشباب لنجدة مدنهم وإعانة أهاليهم وخدمة مجتمعهم وتشكلت عشرات الفرق التطوعية للإغاثة والترميم دون تخطيط أو ترتيب ودون تنسيق أو تكامل، فلم تحدث كل تلك الجهود فرقا يكافئ ما أنفق عليها من جهد ووقت ومال. 
وكانت النتيجة توقف أغلب تلك الفرق عن العمل وركون أغلب أعضائها إلى الانسحاب بعد أن رأوا أنّ جهودهم لم تثمر إلا سمعة سياسية أو أصوات انتخابية لجهات أو شخصيات نافذة.
من هنا لابد لهذا النزيف أن يُوقف ولابد للمسار أن يُصحح، وإنما يتحقق ذلك بمسارين متوازيين:


المسار الأول: يكون على عاتق الشباب أنفسهم، ويكون ذلك بأن:


1. يعرف الشاب مقدار نفسه وحقيقة إمكانياته؛ فإنه رقم صعب وكنز ثمين وعملة نادرة، الكل يحتاجه ويسعى لاستخدامه. 
2. يشعر الشاب بالمسؤولية ويتحملها تجاه نفسه احتراماً وتنمية وتمكينا، فما حك ظهرك مثل ظفرك. 
3. يكتشف الشاب ما يتميز به عن غيره من المهارات والطاقات وأن يحدد جيدا ما يشغل باله من هموم واهتمامات، فيؤمن بها ويقويها، فكل ميسر لما خلق له. 
4. يعمل الشاب ويجتهد ويثابر حتى يكون مؤثراً بواقعه لا متأثراً بما لا ينفعه، فمن لم يزد شيئاً للحياة كان عبئاً عليها. 
5. لا يبقى الشاب منفرداً بنفسه مغرداً لوحده، بل لابد من صحبة تعين وفريق يدعم، فهذا زمن التكتلات والمنفرد يضيع. 


المسار الثاني: يتحمل مسؤوليته المجتمع بمؤسساته وواجهاته، ويكون ذلك من خلال:


1. النظر إلى الشباب بعين الإكبار والإعجاب  بدل نظرة الاستصغار والارتياب. (استوصوا بالشباب خيرا...)
2. القناعة بأنّ الشباب هم عدة الحل وليسوا جذر المشكلة. (…حالفني الشباب وخالفني الشيوخ ...)
3. إشراكهم في فعاليات المجتمع الرئيسية المختلفة، وخاصة في التشاور وصناعة الرأي.
4. فتح الأبواب وفسح المجال وإعطائهم الفرصة لإدارة الفعاليات وقيادة المشاريع.
5. دعمهم -ماديا ومعنويا- بما يقوي إمكاناتهم ويضاعف فرصهم ويعزز حضورهم.