بمجرد تسجيل أولى حالات الإصابة بفيروس كورونا في دول الشرق الأوسط، ذهبت الحكومات لإتخاذ سياسة وقائية في شكل مجموعة من الإجراءات للحد من انتشار العدوى بين الناس. فأطلقت السياسة الصحية الوقائية للحد من إنتشار فيروس كورونا، ثم قامت بتعميمها على الرأي العام (المواطنين) عبر جميع وسائل التواصل الإعلامي والإلكتروني والشبكات الإجتماعية. 

بينما تم التشديد على أهمية الالتزام بالسياسة الصحية الوقائية من قبل المواطنين فخاف المواطنون من إحتمالية الإصابة بالفيروس حتى أصبح الناس جميعاً في دول الشرق الأوسط خاصة والعالم عامة لا شأن لهم ولا مشغلة سوى الحديث والنقاش والجدل حول الالتزام بهذه السياسة الصحية للوقاية من الفيروس. فهذه السياسة على المستوى الفردي تشدد علي إكتساب المعلومات الخاصة بالوقاية ثم تطبيقها للوقاية من الفيروس من (غسل اليدين وعدم المصافحة واستعمال المعقمات، تجنب لمس الأنف والعين، إلزم المنزل ما إستطعت، احتفظ بمسافة متر بينك وبين الناس). [1] 

بينما هذه السياسة على المستوى الجماعي العام تحتوي على إجراء وقائي لعموم الناس من (حظر التجوال، الحجر المنزلي، العزل الصحي، وغيرها). هل هذا كل شيء؟ هل علينا كمواطنين مسلمين أن نلتزم بالجانب الإجرائي للسياسة الصحية دون معرفة الجانب الأخلاقي للسياسة الصحية في حدها من إنتشار الجائحة الكورونية والتبين منها؟ بالطبع لا. 

فنحن كمسلمون يجب أن نهتم بالجانب الأخلاقي في القضايا والمواضيع المثارة خاصة أثناء الأزمات (مثل جائحة كورونا) أكثر من الجوانب الأخرى الإجرائية لما لها من قيمة مضافة لحياة المجتمع؛ فالقراَن يذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم إستحق أن يكون عظيماً بسبب خلقه: "وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيم" [القلم (4)]؛ وذكرت السيدة عائشة رضي الله عنها أنه كان خلقه القرآن.

 لهذا، يجب أن يكون معيار العظمة الإنسانية في مجتمعاتنا هو مدى معرفتنا بالقيم الأخلاقية ومساهمتنا بها في المجتمع الذي نعيش فيه؛ فالمسلمون أحق من غيرهم في الإهتمام بالجوانب الأخلاقية في كل القضايا والمواضيع الفكرية والعقدية المثارة والأحداث التي تقع في الواقع حولهم في العالم حتى يقدموا قيمة مضافة أخلاقية لهذا العالم الذي امتلأ بالعقول (المادية الإلحادية، المادية اللاأدرية، المادية الدهرية) وألغي وجود الإله (الله) في الحياة؛ ثم أَلْغَي القيم الأخلاقية في حياة المجتمعات اليومية.

ولن نكون قيمة مضافة أخلاقية لهذا العالم ككل أو لمجتمعاتنا إلا من خلال وعبر الرجوع للقراَن إستنباطاً وبحثاً ودراسةً وتفكيراً. 

فالأخلاق يجب أن ترتبط إرتباط علقي بالسياسات العامة (خاصة الصحية منها أثناء الأزمات)، ولكن الشئ الذي لم ينتبه له الراي العام (المواطنون المسلمون) انَّ هذه السياسة الصحية في هذه الدول لا تغطي الجانب الأخلاقي الذي يتعلق بمدي شفافية السياسة في حصرها لجميع الحالات المصابة المسجلة والغير مسجلة ونقلها لتمليكها للرأي العام؛ ولا تتعلق بالجانب الأخلاقي الذي يرتبط بكيفية تطبيق الإجراءت الوقائية العامة علي الطبقات والشرائح الضعيفة إقتصادياً وجسمانياً من (حظر التجوال، الحجر المنزلي، العزل الصحي، وغيرها)؛ والذي علي ما يبدو تم نسيانها عمداً من قبل الحكومات والمهنيين. فالطبقات الضعيفة إقتصادياً من أمثال العمالة اليومية من حدادين وبرادين وزياتين وميكانيكية وغيرهم لا يحتملون إجراءات حظر التجوال الشبه دائمة. 

بينما من الناحية الثانية كبار السن الذين قُطّعَتْ بهما السبل في مدن قروية في أطراف البلاد بسبب إجراءات العزل التي عزلت كل مدينة وقرية عن الأخري، فهؤلاء لن يتحملون البقاء لوحدهم دون الإجتماع مع أهاليهم. من الناحية الثالثة الطبقات المريضة بأمراض مزمنة وتحتاج لفحص طبي وعناية طبية متواصلة ويسكنون في أطراف العواصم لن يتحملوا هذه الإجراءات من حظر تجوال وعزل للمدن عن بعضها. من الناحية الرابعة، هذه الإجراءات الوقائية لها أثر كبير على الحريات العامة (مثل حرية الحركة والتنقل، حرية التعبير، حرية تنظيم مظاهرات)؛ وقد تستعملها الأنظمة الديكتاتورية لقمع المعارضة السياسية والمفكرين والمثقفين وكل ذلك بإسم خرقهم لإجراءات الوقاية العامة. فالسؤال:

ما هي الأخلاقيات الإسلامية القرآنية الخاصة بهذه الحالات؟

فالحكومات لا تهتم بالجانب الأخلاقي إلا ما رحم ربي، وتخشي فقدان رصيدها السياسي من المناصرين لها في الميدان، ولاتريد إظهار عجزها البشري والمادي في مواجهة اي كوارث وأزمات لكي لا يلعنها الرأي العام، ولا تريد أن يكون العقل الجمعي للمجتمع مبني علي معلومات حقيقية لأن هذا يتنافى مع مصلحة الحكومة في البقاء في الكرسي. لهذه الأسباب مجتمعة يتم التستر على البيانات الحقيقة للوفيات والإصابات بفيروس كورونا في دولنا الرشيدة (أقصد الغير رشيدة). وهذا يجعل الفيروس ينتشر بصورة واسعة في المستقبل القريب لأن الناس اعتقدوا حينها متوهمين أن معدل الإصابات قليل جداً وبالتالي لا مشكلة في كسر الإجراءات الوقائية ولا مشكلة في التفاعل والتواصل مع الآخرين.

لهذا، يجب علينا ان نُسَاءل ونحلل مدى إلتزام هذه الدول بمنهج الشفافية أثناء الأزمات والكرب العامة أي (رصد جميع الحالات المصابة المسجلة والغير مسجلة بكورونا وتملكيها للرأي العام في مؤتمرات صحفية علنية وليس إخفاء بعضها والتَّسَتُّرْ عليها). ثم مساءلة مدى أخلاقية إجراءات الوقاية العامة من حظر التجوال والحجز المنزلي والعزل الصحي في تأثيرها إقتصادياً وجسمانياً على الشرائح الضعيفة (كبار السن، المرضي بمرض مزمن، ذوي الدخل المحدود وغيرهم)، ومساءلة تأثير هذه الإجراءات على الحريات العامة (أولها حرية الحركة والتنقل، حرية التعبير، حرية تنظيم مظاهرات...إلخ).