قالت رتيبة لجارتها: ”ما عرفت عدوًّا أشدُّ على المرأة من نفسها“، وقد صدقت، فصديقتها وأخواتها يتبعنَّ أهواء المحدثين العجم، يعبُدنَ صنمَ التنوير، ويلعقنَ الحداثة بلسانٍ مبينٍ، ويتخذنَ من الرجال أندادًا وما كُنَّ لهم مُقرنين.
لقد أكرم الله ورسوله المرأة في الإسلام، فأمرا باللين والرفق بهنَّ، وكذا الإحسان والمعروف إليهنَّ، ومن جملة النصائح التي يمكن ذكرها في هذا المقال، فتلك عشرةٌ كاملةٌ أرجو أن تبحثن فيهنَّ عن ثمرةٍ، وأن تتسع صدوركنَّ حتى النهاية.

أولًا: متلازمة العلم والعمل.

ليس هناك علاقةٌ إلزاميةٌ بين طلب العلم وحتميَّة العمل، فطلب العلم فريضةٌ على كل مسلمٍ ومسلمة؛ به نتعبَّد إلى الله، وبه نسعى لمعرفته ومعرفة خلقه. وسواء التحقت المرأة بوظيفةٍ ما، أو اشتغلت عملًا حرًّا، أو تفرَّغت كليَّةً لمهمتها الأساسية وهي التربية والأسرة، فطلب العلم -الشرعي منه والإنساني وغيرهما- والتثقيف الفكري بشكلٍ عام، لهو ضرورةٌ ملحةٌ لا نقاش فيها على قدر ما أوتيت من القدرة والجهد. أمَّا العمل، فهي غير مجبرة على ذلك العمل المادي -والمرهق أحيانًا لفطرتها- من الأساس، بل في بعض الأحيان يصير هذا العمل تعطيلًا لحظِّ الرجل في العمل والكسب وبه تتدهور المنظومة الاجتماعية كلها. غير أن هذا توجُّهٌ عالميٌّ يفوق مجتمعنا المغلوب على أمره، تم زرعه في عقولكنَّ باسم التحرر والسيطرة والتخلِّي والمواكبة، حتى تخلطن بين طلب العلم وبين شهاداته الأكاديمية التي يلهث ورائها الناس امتثالًا للعمل الوظيفي لا غيره وربطه بالنجاح والاستقلال، ثم تحقير أي عملٍ منزليٍّ آخرٍ بحجة استغلال المرأة وامتهان كرامتها.

ثانيًا: وقرن في بيوتكنَّ.

العمل خارج المنزل مرتبطٌ بظروفٍ فرضها هذا الزمان؛ منها ما هو مقبولٌ وشائعٌ ومبرَّر: كسوء المعيشة أحيانًا فمساعدة الأهل، أو تحسبًّا لفقدان الزوج لسببٍ ما من موتٍ أو طلاقٍ أو غيره، أو حتى لانعدام الزواج أو تعطله كليةً إذا قدَّر الله وحاجتها لكسبٍ حلال يغنيها عن سؤال الناس؛ وإن كان ولابد دائمًا من أعمالٍ يُفضَّل إشراك المرأة داخلها سدًّا للثغرات ودرءًا للمفاسد: كالطبيبة النسائية أو المعلمة في المدرسة أو الجامعة؛ وكلٌّ على قدر طاقته يحمل ويحط. ومنها -وهذا الغالب على الأكثرية- ما هو تشريعٌ مستحدثٌ انساقت إليه: كحبِّ الظهور والترقي وحاجتها للاعتراف بها كأنثى كما تسيِّرها فطرتها، وهو الأمر الذي تعوِّل عليه بقوةٍ تلك الحركات النسويَّة ”Feminism“ والعالم الرأسمالي فيتم الدفع بها، لكن ليس لإثبات نفسها كأنثى طبيعية، وإنما كندٍّ أمام الرجل تارةً أو لجذب انتباهه لها تارةً أخرى، ومن ثمَّ يتم تسليعها وقولبة كيانها لكي يتماشى مع أفكارهم ومخططاتهم الخبيثة.

ثالثًا: جيل الأوائل.

أنتِ وغيرك لستنَّ أفضل من الصحابيات اللاتي عاصرن أفضل خلق الله على الأرض؛ رسول الله، ولا نحن الرجال أفضل من صحابته كذلك؛ أولئك الأطهار الذين زُوِّجنَّ بهم وأقمن بيوتًا عامرة متكئين على سواعدهم، وربُّوا أبناءً صالحين على أيديهم، وعمل بعضهنَّ -أي الصحابيات- بالتجارة والزراعة وتربية الحيوانات، وحفظوا الأحاديث وأقاموا الشعائر وأٌخذ بعضهنَّ على عاتقهنَّ شرف تبليغ الدين والرسالة للأخريات، وعشن الحياة على ذلك بكامل إصرها ومشقتها دون أن ينتقص من قدرهنَّ أو طبيعة خلقهنَّ شيئًا. لذا فصلاتكِ ووقوركِ في بيتكِ عبادة، وانشغالكِ بأعمال المنزل وتهذيبه ونظافته عبادة، وتربية طفلكِ وتنشئته على فطرة الإسلام عبادة، وطهيكِ الطعام المحبب لزوجكِ وأبنائكِ وانتظار عودتهم عبادة؛ لا يذمُّ في ذلك إلا لئيمٌ حقيرٌ جهول.

رابعًا: هوس البحث عن المكانة.

لا يقاس النجاح الحقيقي -كليًّا- بمدى شهرة الإنسان وبلوغه مكانةً معينةً بين الناس، فهذا -وإن كان هو حال الدنيا- فهو نجاحٌ مرتبطٌ بأقدارٍ وظروفٍ متباينةٍ ليس من ضمن نواميسه تمام الحظوظ أو اتِّباع ما يسوقنا إليه المجتمع سوقًا، بل من الواقع ستجدي ببساطةٍ أن الأكثرية الساحقة هم الرعاع والحمقى والتافهين. في البداية، سينتج عن ذلك ما نراه كل يومٍ -في العالم الافتراضي والسوشيال ميديا خصوصًا- من تشوهاتٍ فكريةٍ ونفسيةٍ رهيبةٍ؛ يبدأ بعضها من الرضا الوهمي الناتج عن آراء الناس وإعجابهم وتعليقاتهم، مرورًا بهوس البحث عن المكانة وسط النجاحات الافتراضية الزائفة لدى الآخرين، وصولًا للأطروحات المتبنَّاة للفصائل الفكرية المختلفة: ذكوريَّة، نسويَّة، إلحاد، علمنة، وغيرها.

خامسًا: المركزية الفارغة.

لا يُعدُّ اختزالكِ في ذلك النجاح الدنيوي المادي الملموس -وهو ما يشغل عقول معظمنا للأسف- فيعلو شأنكِ وسط الناس، وتشعرين بنشوة الإنجاز والانبهار والقيل والقال والوجاهة الاجتماعية وما إلى ذلك، إلا خللًا أحدثته العولمة والليبرالية والحداثة والدول الغربية. ذلك السراب الذي لا يسمن ولا يغني من جوع، بل هو فكرٌ ساذجٌ جعل الإنسان هو مركز كل شيء ولا حديث سواه، فتبدلت أفكارنا وعقائدنا وتوجهاتنا، ونسينا غايتنا وسبب وجودنا الحقيقي على ظهر البسيطة (1)؛ «وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُون».

سادسًا: العلم عبادة.

الفلاح يا أختاه، كل الفلاح -وهكذا أفضِّل أن أسمِّيه كما علمنا الله ورسوله- أن تطلبي العلم فترتقي به وبنفسكِ وتزكيها، وتخرجين بها من غياهب الجهل لتصلي بها إلى العلم بالله وكتبه ورسله والدين الذين تدينين به والكون الذي أمرنا الله بتعميره والتدبر فيه والبحث وراءه، فنصل بكل هذا إلى تمام العبودية لله وحده؛ وقد أفلح من زَكَّاها. وهذا الفلاح -على قدر علمي البسيط- ليس من ضمن شروطه، أن يتطلب إشادات الناس أو بلوغ الدرجات المادية أو التتويج والمحافل والتفاخر بالصفات والألقاب.

سابعًا: السعي المحمود.

الآخرة كما عرفناها وعلمنا عنها ففلاحها مختلف (2)؛ «وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ، وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَىٰ». فكل سعيٍّ يقوم به الإنسان في دنياه سيكون له أثر في صحيفته يوم القيامة، سواء بلغ بسعيه هذا مراده في الدنيا أو مات يجاهد. ومن يفهم ويعي جيدًا تلك المعادلة سيجد راحته اليوم وغدًا، ولن يشغله ذلك الأثر الذي يتغنَّى به الناس ويلهثون وراء سرابه (3)؛ «كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۗ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۖ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ۗ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُور».

ثامنًا: المرء بين القدرة والتكليف.

خلقَ الله كل إنسان بقدراتٍ مختلفةٍ، وتبعًا لهذه القدرات فالتكليفات المنوط بها مختلفة ومتباينة، وبالتالي فالجزاء هو الآخر متباين؛ كلٌّ على قدر ما أنعم اللّٰه عليه، وفيما استخدم هو تلك النعم التي وُهب إياها. فلا تنبهري إطلاقًا بمن امتلك شيئًا، أي شيءٍ، دون الآخرين، لأنه حتمًا سيكون حجةً له أو عليه يوم الدين. المال والذكاء والعلم والقوة الجسدية والقدرات العقلية والسمات الشخصية والجاه والسلطان، كلها شواهد على أصحابها يوم العرض؛ كيف شكروا اللّٰه عليها، وكيف صرَّفوها في شؤون دينهم ودنياهم.

تاسعًا: أنثى في ظلِّ نسوة.

وبناء على ما سبق، فأنتِ لستِ مطالبة بأن تكوني مميزة على الإطلاق، ذلك التميُّز الذي يلهث الناس وراءه ويتنافس عليه المتنافسون، لست مطالبة بأن تصبحي مثل صديقتك الطبيبة ولا ابنة خالكِ الإعلامية ولا حفيدة جاركِ التي تمارس السباحة، ولا كتلك الفتاة التي شاهدتِ تكريمها هنا أو هناك لبلوغها إنجازًا معينًا فتهافت عليها القوم وتغنَّوا بها. أنتِ فريدةٌ من نوعك، لكِ كيانٌ وشخصيةٌ ومشاعرٌ وقدراتٌ ومزايا وهباتٌ وآلاءٌ مختلفة، فلا تتخذي من غيركِ أربابًا يتحكمن في مأكلكِ ومشربكِ وملبسكِ وطريقة سيركِ وجُلَّ حياتكِ بشكل مباشرٍ أو غير، فيتخلل داخلكِ رويدًا إحساسًا بشعًا بالنقص فيما لا تملكين. هاهنا ورقة امتحانٍ خاصةٍ بكِ، فأحسني الإجابة عليها على قدر ما وهبكِ الله من القدرة، وانظري دائمًا لمن هنَّ دونكِ لتشعري بما منَّ الله عليكِ بالفعل.

عاشرًا: الغاية والوسيلة.

إذا فهمت الغاية من وجودكِ في هذه الدنيا، إذا فطنتِ الأمر وأدركت المعادلة وما تؤول إليه، وما لكِ فيها وما عليكِ، وقتها فقط ستكونين راضيةً تمامًا عن نفسكِ دون أي تشويشٍ أو تداخلٍ أو نظرٍ في حيوات الآخرين وأوراقهم الخاصة. وقتها فقط ستشعرين بالرضا، بالاكتفاء، بأنكِ أديتِ ما عليكِ وما كفله الله لكِ في نطاق قدرتكِ وسعيكِ المحمود إليه. وتبقى النتيجة النهائية عند ربٍّ مليكٍ مقتدرٍ، وهذا هو التميز الحقيقي الذي يجب أن تسعي له وتشدي عليه بالنواجذ. وأخيرًا تذكري أن هذه دنيا، وما دون الجنة دون (4)، «وكُلُّهم آتِيهِ يوم القِيامةِ فردًا».