تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الحضارة الإسلامية القادمة

سلسلة مستقبل الإسلام [الحضارة الإسلاميّة القادمة]

(الحضارة الإسلاميّة القادمة) أول كتاب في سلسلة (مستقبل الإسلام) من تأليف الدكتور طارق السويدان، وهو صادرٌ عن شركة الإبداع الفكري للنشر والتوزيع (الكويت) هذه السنّة 2018م، في مائتين وستّ وثمانين صفحة.

الكتاب وصف شامل للحضارة الإسلاميّة كأول خطوات النهوض الحضاري، يتضمّن المقومات الأساسيّة التي كانت سببًا في انتشار حضارتنا وبقائها زمنًا طويًلا، قام الدكتور بجمعها وترتيبها في خمس مجموعاتٍ من المقومات موزعةٍ على خمسةِ أبواب، في كلّ باب خمسة معايير للحضارة القادمة، بمجموع خمسة وعشرين معيارًا،  بينما خصص بابًا تقديميًا لاستعراض المفاهيم الأساسية، وبابًا خاتمًا حدد فيه سُبل إعادة الحضارة الراشدة.

يبدو جليًّا - من ثراءِ الصفحات- الاهتمام المُبكر للكاتب بسُبل نهضَة الأمّة، ويكفي اعتبارُه لذلك همًّا أوّلًا رافقَه من الثمانينات، ليُشرق هذا الاجتهاد بعد أربعين سنة، في محاولةٍ لردم الهُوّة بين أحلامنا الورديّة وواقعنا البائس، فتحدّث بدايةً عن مشروعه الوليد للتغيير الحضاري"عُمران" ليكون جوابًا عمليّا لعديد التساؤلات مدارها: كيف نعيد حضارتنا من جديد؟

استعرض "مفاهيم أساسيّة" في الباب الأول، انطلق من التأمّل في تعاريف المفكرين للحضارة باعتبارها مفهومًا مثيرًا للجدل والتساؤل، وقدّم تعليقاته وإضافاته ثمّ أجاب بكُل دّقة وصراحةٍ: هل يمكن أن تعود حضارة الإسلام من جديد؟

انتقل إلى الحديث عن صورةٍ أخرى من صُور إعجاز القرآن في كشفه "لقوانين الحضارة"، أفاد القارئ بنتائج بحثه الحثيث الذي مرّ فيه بالقرآن آيةً آية، باحثًا عن القوانين القرآنية المرتبطة ارتباطًا مباشرًا بمشروع التغيير الحضاري، فاستنبط أربعة قوانين رئيسة، وأفرد كل قانون بالشرح والاستدلال، ثمّ أضاف خمسة "قوانين تاريخية للحضارات" استجابةً للدعوة القرآنيّة باكتشاف سُنن التاريخ بعد واسعِ النظر والسير في الأرض.

في الباب الثاني تحدّث عن "المقومات الإيمانيّة"، وصف ميزات العقيدة الإسلاميّة، مُؤكدًا على اعتبار أصولها وفروعها ثابتًا من ثوابت مشروع التغيير الحضاري، وأردف ذلك بالشرح المستفيض لخمسة معايير إيمانيّة للحضارةِ القادمَة، ليصل نهايةً إلى الإجابة عن السؤال الشاغل: حقائق العلم وحقائق الإيمان.. اقترانٌ أم تصادم؟

الباب الثالث خُصّص للحديث عن خماسيّة "المقومات التشريعيّة"، في اجتهادٍ متكاملٍ خَلُص فيه إلى الإجابة عن تساؤلٍ هامٍ: هل القانون قادرٌ على ضبطِ حياة النّاس؟ مُستخلصًا رُكنا الدولةِ في الإسلام.

استحضر في الباب المُوالي خماسيّة "المقومات الأخلاقيّة" التي تُعتبر فارقًا حضاريًا بين أمّتنا وباقي الحضارات، ووضح الدكتور أنّ للإسلام منهجًا فريدًا في بناءِ الأخلاقِ التي ترتقي بالإنسان، أوردَها في أربعةِ أُسسٍ سُويدانيّة خالصة، دُون أن يتجاوز العديد من الإشكالات المعاصرة التي تهبط بآدميّة الإنسان نحو دركِ البهائم، مُوجهًا القارئ نحو المواقف الساميّة التّي تُحقق الرساليّة والالتزام الحَق.

الباب الخامس "المقومات العمليّة"، جاء باعتبار أنّ الدين الإسلامي دينٌ حركيٌ لا سُكونيّ، فلا وُجود فيه لنظريّات حالمةٍ، بل تطبيقات واقعيّة جدًا، تأتي مقام التعاليم الفرديّة كما تنسجمُ كمنظومةٍ مجتمعيّة، استدّل بخمسِ صُورٍ لعمليّة الإسلام، ثمّ أفاض الدكتور في شرح خماسيّة المقومات العمليّة، مستعينًا بفلسفة الإسلام في علاجِ العديد من التناقضات الظاهريّة، وتجاوز الكثير من الإبهام.  

في خامس وآخر المقوّمات الحضاريّة "المقوّمات الجماعيّة"، أكدّ على أنّ المبدأ الجماعي أحد مؤشرات قوّة المجتمع، بل ودلالةٌ على وعيه ومدى نُضجه. ثمّ كالمعتاد، يُبهر القارئ بقاعدةٍ ذهبيّة متفردة في العمل الجماعي، مُرفقةً بخمسة مبادئ أساسيّة تعدّ معاييرًا للحضارةِ القادمة، عقد من خلالها مقارناتٍ منهجيّة مع الحضارة الغربيّة.

أما الباب السابع والأخير سُبل "إعادة الحضارة الراشدة"، بابٌ خاتمٌ ثريٌ ربَط فيه الكاتب تعاليم الإسلام الصافي مع بِدار التغيير الحضاري، فحدّد ثمانيّة قيمٍ إسلاميّة لا تقومُ لحضارتنا قائمة بدونها، ثمّ بلور عشر وسائلٍ عمليّة لتأسيس البيئة الحاضنةِ، وتسع خصائصٍ للحضارةِ الإسلامية والتي جعلتها حضارةً فريدةً سادت قرونًا.

في محاولة إيضاح المسار التاريخي للقارئ، رسم الكاتب مُنحنى تاريخي هو الأوّل من حيث شموليته، إذِ اختصر تاريخ الأمّة الإسلاميّة في مجموعة من المراحل الفاصلةِ بينَ صعُودٍ وهبوطٍ، بين استقرارٍ وانكسارٍ، ليُثبِت لدى القارئ تاريخ حضارتنا بسلاسة يسهُل معها التحليل والاستحضار.

في نهاية الباب، حلّل عشرةَ أسباب أدّت إلى تراجع الأمّة الإسلاميّة لأكثر من أربعمائة سنّةٍ فقدت فيها الريادة وخالفت فيها سنن الله وقوانين التاريخ.

دُون إغراقٍ في الحاضرِ الذي يُثير الشجون، انتقل مباشرةً لبشائر السؤدد وعرض أسس إعادة حضارتنا من جديدٍ: عشرة عوامل للحضارة الإسلاميّة الراشدة، أربع خُطواتٍ عامّة لإحياء الحضارة، خمس نقاطٍ للتركيز، ثمّ خماسيات: ماذا نُغيّر؟ ماذا نبني أولًا؟ على من نُركز؟

 

عندما تُنهي قراءتكَ للكتاب، ستخالجكَ مشاعرٌ شتّى!  في المتناول اليوم أنْ تحظى بصورةٍ شاملةٍ تُمكنك من النظر في كُل تفاصيل حضارتنا القادمة، فتُقلّبها كيفما تشاء، وتكاد ترى موقعكَ فيها، بأيّ هيئةٍ وعلى أيّ صفةٍ..

إن كنت راغبًا في عودة حضارتنا من جديدٍ، فلا شكَ أنّ هذا الكتاب سينقلكَ إليها، وسيجعلك جزءً منها حماسًا ووثابةً!