تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الدولة التي أحلم بها

كتاب الدولة التي أحلم بها

لأنّ الأحلام الطموحة تزيد المرء شغفًا وسعيًا نحو جعلها واقعًا معيشًا، قدّم الدكتور طارق السويدان في كتابه (الدولة التي أحلم بها) وصفًا مُفصلًا للدولة الإسلامية الأنموذجيّة التي يتمنى أن نحققها  قريبًا، حيث استعرضها في مائتين وعشرين (220) صفحة، مُبوبة في ستة أبواب، في كُلّ بابٍ خمسة فصول، لينقل عقل القارئ من المخيال الواسع الذي لا معالم واضحةً فيه إلى تصوّر دقيقٍ بمواصفات تجعل العقل معانقًا للحلم الذي هُو أشبه بالحقيقةِ التي تُرى! فالنُصوص هُنا ليست مجرد نثر أو إنشاء، إنّما هيّ فكرٌ يأتي كجزءٍ هام لحلّ مشكلة التخلّف الفكريّ والعملّي في الأمّة..

الباب الأول يحتوي على خمسة "مقومات فكريّة"، في الفصل الأول تحدّث عن مُقوم "الهُوية الإسلامية"، محددًا ميزاتها وضوابطها، كما أجاب بشكل منهجيّ على سؤالٍ جوهري هو مناط النّقاش والتجاذب الفكري في وقتنا الراهن: ما الفرق بين الدولة الإسلامية والدولة الدينية؟ وأيّهُما نُريد؟

الفصل الثاني عن "الحريّة الفكريّة"، ابتدأ بالاجتهاد في تحديد تعريف خاصٍ عن "الفكر"، ثمّ بيّن موقع الدولة الإسلامية في منح الحريّة، ما بين الإفراط المُفسد للأخلاق والتفريط الخانق للحُريّات، وأجاب عن جملة من الأسئلة الهامّة: ما الذي تشمله الحرية الفكريّة؟ ما هو الحدّ المُقيّد لها؟ وكيف تُمارس الحريّة المنضبطَة لتُؤتي ثمارها؟ ثمّ خُتم الفصل بسبعة أحلام فكريّة تُعزّز الطرح وتزيده وضوحًا.

في الفصل الثالث استعرض الدكتور المقوم الفكري "احترام العقل"، مُحددًا الثنائيات التي لا تناقض فيها ووظيفة علم المنطق كواقٍ من الوقوع في المحاذير التي حرص على تعدادها باعتبارها من الخرافات الخرقاء.

الفصل الرابع عن " المجتمع المنفتح"، بدأ بتقديم مواصفات الانفتاح، ثمّ أثرى الطرح بقصصٍ من جيل الصحابة، مُستنبطًا منهجيّة ضابطة للانفتاح. أمّا الفصل الخامس "الاجتهاد المفتوح" آخر مقوّم فكريّ، ذكر فيه مواصفات دولة الاجتهاد، مجيبًا على عدّة أسئلة: ماذا سيحدّث عند غلق باب الاجتهاد؟ ولمن يُفتَح؟ ما هو دور العلماء؟ ما دور الانفتاح في بناء الحضارة؟   

في الباب الثاني قدّم وصفًا متكاملًا عن " المقومات الروحيّة والجماليّة"، حيث تسود دولة "العبودية" لله، فيتحررّ فيها مفهوم العبادة وفقًا لمظاهر وشعائر أوسع، ثمّ قدّم محددات العبادة في طرح تجديدي يستحق فائق التأمّل.

أيضًا، شخّص الدكتور معاناة أمتنا وأزمتها في المفاهيم الروحيّة التي ألْبِسَت لُبوس الدين "التصوف والتزكيّة"، مُجيبًا على إشكالاتٍ عميقة: هل التصوف مطلوب؟ هل أصابنا الوَهن؟ ما سبيل خروج المسلمين من هذه الأزمة؟

مُضيفًا حُلم دولة العزّة التي تعمل على "تعظيم المقدسات" كأولويّة، مُعرجًا على قضية فلسطين، طبيعة الصراع فيها وضرورات التحرير.

بالإضافة إلى تقدير "الجمال والبيئة" كمقوم رابع يحاول من خلاله تجاوز مصيبة (الذوق والجمال) في أمّتنا مُستعرضًا توجيهاتٍ عمليّة تجديديّة تُطرَح لأوّل مرةٍ. انتقل بعد ذلك، إلى مقوّم "الترف والفخامة" مبينًا حدودهما ومجالاتهما.    

استعرض "المقومات السياسيّة" في الباب الثالث،  حيث أجاب "لمن الحكم؟" وما مواصفات الحاكم وواجباته؟ ثمّ استنبط أنموذجًا هامًا عن النظام السياسي الإسلامي وقواعده، وفي اجتهادٍ فريدٍ حدّد شروطًا واضحةً للحاكم المسلم، ليُنهي بذلك حُلم الحُكم الرشيد، دُون أن يفوته ذكر مُستلزمات "التعددية السياسية" مُوضحًا جملة من السلوكيات التي لا علاقة لها بالتعدديّة في شيء!

" دولة حكومتها صغيرة، لكن قطاعها الخاص كبير" بهذا افتتح الفصل الثالث المعنوّن بـ "الحكومة الصغيرة" حيث صاغ الكاتب تصورًا نوعيّا عن خماسيّة الواجبات التي تقع عليها، خماسيةٌ تتسم بالحصريّة والشمول، مستكملًا ذات النسق للحديث عن مواصفات "الأمّة المحترمة" بين الأمّم.

ليختمّ هذا  الباب بآخر فصلٍ يعتبر مفتاحًا ضائعًا لطالما قاسينَا في غيابه من كثرة المغاليق، وهو مخرجٌ سياسيٌّ عن "الأمّة الواحدة"، ندع القارئ النَهم يكتشف ماهيّة الحل عند إطلاعه على الكتاب!

أمّا "المقومات العلمية" فقد عرضها بشكلٍ منهجيّ مفصلٍ في الباب الرابع، بدأ مع ضرورة تعظيم وتطوير"العلم الشرعي"، حيث انتقد مفهومًا غربيًا انتشر بكثرة نتيجة الغزو الفكري، مُفندًا الطرح باستحضار تجربة الحكم الكنسيّ.

عدّد الكاتب المواصفات الأساسيّة " للاجتهاد" في النظّام الإسلامي، مُعبرًا عن رفضه للتعصب الممقوت، مُحددًا الأشكال والمحاذير التي إن تجاوزناها حققنا حلم دولة الاجتهاد، ليُثمر هذا الأخير "التطور العلمي" الذي يأتي بدوره نتيجةً لإجراءات جادّة وحازمة يُحددها مُذكرًا بأهميّة البحث العلمي في بناء دولةٍ رائدةٍ علميًا، في ذات السياق أكدّ على ضرورة " رُقيّ التعليم" بتوفير مجموعة من الشروط العالميّة التنافسيّة، وأهميّة "الثقافة والقراءة"، حيث بيّن الركائز الأساسيّة التي تجعل من أيّة دولة في مصاف قيادة الثقافة.

انتقل بعد ذلك إلى الباب الخامس مع "المقومات الاجتماعية"، بدءً بـ "تماسك الأسرة" كلبنةٍ أساسية في الدولة داعيًا إلى الالتزام بوسائل التربيّة الحديثة وفقًا لخماسية التربيّة الفعالّة.

كما عرض مواصفات "الشباب" التي يطمح تحققها فيه، مجيبًا على عدّة أسئلةٍ محوريّة: ماذا يعني الانفتاح لدى الشباب؟ كيف يكون الاهتمام بهم؟ ما تأثير العولمة على هذه الفئة؟

استمّر الدكتور السويدان في المقومات الاجتماعيّة بـالحديث عن "المرأة الراقيّة"، التي تتمتّع بحقوقها كاملةً، فاجتهد في تصنيفها واحدةً واحدة، لتكون الدولة منصفةً لها بحَق!

ختم هذا الباب بعُنصرين هامين: "التقدم الصحي والرياضي" فلزِم تشخيص أهم التحديات، وأردفها بالإجراءات اللّازمة، ثمّ تحدّث عن "الإعلام الراقي والفن المبدع" محلّلا المعطيات بأسلوب علميّ في مبحثٍ هامٍ ونادرٍ عن علاقة الفن بالإسلام والحضارة،  ومواصفات الإعلام المتحضّر.

أمّا في الباب السادس والأخير استعرض "المقومات الإدارية والاقتصادية"، في مجموعة من المحاور: ما مواصفات "القضاء" وما انعكاسات غياب العدالة؟ كيف تبني الدولة "اقتصادًا متينًا"؟ ما مواصفات "دولة التخطيط"؟ وما موقع مقاومة المقاومة في التغيير الحضاري؟ ما أهمية "العمل الجماعي"؟  ما مقيّاس المؤسسية في الدول والمنظّمات؟ وما سمّات دولة "الموهوبين"؟

ختامًا، أكدّ على أنّ الأمنيّات ليست بالمُستحيلة إن توفرت الإرادة اللازمة وتضافرت الجهود لأجلها، دُون أن ينس الدكتور طارق تأييده للشباب في رسالةٍ عميقةٍ " أشد علي أيدي الشباب تحديداً، فهم وحدهم القادرون على بناء هذه الدولة، وعليهم يعقد الأمل، وبهم يتجدد العطاء".

فهلّا انطلقنا لشحذ الهمم بالإطلاع الكامل على حُلم الدولة الإسلاميّة، لنسير نحو بناءها بكلٍ أملٍ وعمل!