تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

حول موقع الرؤية

عمران. في الماهية والتصور

يحدث وتصاب أمّةٌ من الأمم في لحظة تاريخية بالكبو، فتتراجع وتنتكس عجلة الحركة التراكمية والتقدمية فيها وربما تنقلب على هامش الأمم وقد رُفع عنها الإبداع والفعالية واختلط عليها المسير. بعد أن كانت في قلب صانعي الحضارة والمدنية والتاريخ، ولعل الأمة الإسلامية طال بها أمد الانحطاط والتراجع وتغلغلت منظومة التخلف فيها تغلغل المرض الخبيث في الجسم فلا الجسم ومناعته يُطاوع ويُدافع ولا الحلول الخارجية تنفع وتجدي. غير أن حثيث العاملين وسعي المجتهدين من أعلام الأمة ومصلحيها وبثهم سؤال النهضة وضرورته تبقى فكرة النهوض الحضاري حية في أذهانهم وأذهان العاملين عليها.

هذا التراجع الذي طال المستويات كافة، السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية منها، وتفاقم ذلك جنوحا للتدهور والسقوط، يدعو لحراك ممنهج لاستنهاض الهمم للعمل الدوؤب، وفي ظل غياب مشروعٍ نهضويٍّ معاصر يتطلع إلى إنجاز حلقات الوحدة والتنمية والتقدم على أسس فكرية صلبة ومنهجية. في ظل السؤال الملح كيف؟ كان مشروع عمران بذرة رشيدة تبعث الأمل وتشحذ الهمم وترسم طريقا للعمل.. بذرة اسهام ترى الأمة في مرآتِه مسْتَقْبَلَها بواقع تشاركي وفيّ لرصيدها التاريخي. ضمن تجديد حضاري ينطوي على نسق قيمي يستلهم كل ما هو نيِّرٌ وعظيمٌ ومفيد في خبرتنا التاريخية الحضارية، إلى جانب تأصيل كل متقدم وباعث على النهوض لضمان نموذج متوازن.

إن التغيير الأساس ينطوي على معالجة الأعطاب العميقة في عالم الأفكار التي أفرزت الصراعات المذهبية والانهزامية والشخصية السلبية المحشوة بالغث، التي حالت دون تأدية الفرد والجماعة للدور المناط بهم في رفعة وقيادة البشرية وتقديم نموذج للأمة المنتجة.

الإسهام.. بوعي وإنتاجية

يقال أسهم في أمر، أي تشارك فيه فزاد على آخر، نقحّه، أبدع فيه أو أضاف له وعدله. وهذا الفعل التراكمي في "الإسهام" يتبلور شيئا فشيئا نتاج تضافر الجهود، تكاتف الأفكار وجدّة العمل والبذل لخلق منظومة معطاءة لا يستغني فيها الفرد عن أفق الجماعة ولا الجماعة تضيق في رأي أو تتقوقع في صرح. إنما تتجاذب في إطارات لامحدودة تخدُم الهدف وتمهّد لرفع الراية مهما اختلفت السبل وتباينت الطرق وتنوّعت المشارب. ففي ذلك المزيج إبداع واجتهاد وتخصص وتجديد وهذا ما يشكل التيار! تيار لا ينطوي على سياسات حزبية تندرج تحت قوائم ومناصرين أو منظومات فكرية راكدة وحركاتٍ جهادية.

إن التيار الذي ننشده هو تيار النهضة المتمثل بمجموع الأفكار الحيّة التي ترتبط بالتطبيق العملي المثمر وفق أسس علمية تتخذ المشروع المخطط والمبرمج وسيلة ومخرجاته حقيقة، ممّا يهمّ ويؤثّر بالمجتمع ويعود عليه بفائدة ملموسة وجوهر مطلوب، في ميادين تصطف لها أجبنة المخلصين وترفعُ لها أشرعة الناهضين في حركة دائمة تمتد موجًا لا يسكن وسعيا لا ينضب من تعليم وأخلاق وبناء وفكر ووعي.

يقوم تصور عمران على فلسفة الإسهام والبناء التشاركي والتراكمي مع مختلف العاملين بمجال تنمية ورفعة الأمة على مستويات متفاوتة تتفاعل وتنتظم وفق تيار نهضوي شامل. وينبني تصور المشروع التطبيقي أساسا على إرساء خطط عمل ودراسات جدوى لمشاريع مختارة مع توفر خدمتي التدريب والإرشاد.

الدلالات اللغوية لـ "عمران":

عمران، تحفل دلالاته اللغوية بثقل وتنوع في المعاني ووزن في المفاهيم، فعلى تمايز المصادر يتنوع المعنى، وباختلاف الشكل تتجسد وتتراص المفردات وعلى رحابة المعنى تتشكل العبارة.

فللاسم دلالات عديدة في المعاجم، ففي: "المعاني الجامع" مصدر لعَمَرَ، والعُمْرَانُ: البنيان، ما يُعَمرُ به البلد ويُحسّن حالُه بوساطة الفلاحة والصناعة والتجارة وكثرة الأَهالي ونُجح الأَعمال والتمدُّن، ويضاف.. العدل أساسه. فالقول حضارة وعمران جوهره حركة وأعمال وتشييد وتمدن.

ومن المصدر تسترسل الإضافات فقول التخطيط العمراني دلّ على تنظيم الاستيطان البشريّ. وهو عند ابن خلدون:  فكر وعلم، علم العمران أي الاجتماع وهو علم الاستيطان البشريّ الذي يشمل تخطيط وتصميم مدينة أو مجتمع.

وفي المعجم: الرائد، عمر من العَمْر والعُمُر والعُمْر: أي الحياة. إذ يقال قد طال عَمْرُه وعُمْرُه فإِذا أَقسموا قالوا: لَعَمْرُك فتحوا لا غير، والجمع أَعْمار . وسُمِّي الرجل عَمْراً تفاؤلاً أَن يبقى .

أما الفعل فمقرون بفاعله أو مفعوله فيقال، عمَرَ، يَعمُر ويَعمِر، عَمْرًا وعَمارةً و عُمُورٌ ، عُمْرَانٌ ، فهو عامر ، والمفعول معمور – للمتعدّ

عمَر المكانُ / عمَر المكانُ بالنَّاس : أي مسكونًا بهم عَمَرتِ الأرضُ وإذا قيل عَمَرَ بِالْمَكَانِ : أَقَامَ بِهِ ، عمَر الإنسانُ / الحيوانُ أي عاش زمانًا طويلاً، أما المكان فمعناه أصلحه وبناه وأقام على زيارته، عمَره اللهُ : أبقاه وأطال حياتَه، والقول عمَر اللهُ بك المنزلَ : جعلك حيًّا وجعل المنزل عامرًا بك، أما عَمَرَ الْمَالُ فدل على صيرورته كَثِيراً وَافِراً، عَمَرَ بَيْتَهُ : ظَلَّ فِيهِ، لزمه

هذا في ملخص ما أجمعت عليه المعاجم العربية أمثال: المعاني الجامع، الوسيط، اللغة العربية المعاصر، الرائد، كلمات القرآن، لسان ال.