رزيَّةٌ كبيرةٌ قد نزلت بنا، ثقافة الأمَّة أصيبت في مقتل! ولا يخفى أنَّ الهوية تشكِّل في أيَّة أمَّة الحافز العقدَيَّ، والدافع النفسيَّ الذي يدفع الأمَّة في طريق الرقيِّ المادي والسمو الروحيِّ؛ ويقاوم في ذات الوقت كلَّ ألوان الغزو الفكري.
وكان الغرب قد وضع خطَّةً لاستلاب الهوية كمقدمة للإذلال والاستعباد! فلذا سيطرت المنظومة الليبرالية الرأسمالية على المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة، وصندوق النقد الدولي، واليونسكو، ومنظمات الإغاثة العالمية، وأخيرًا منظمة التجارة العالمية؛ وتمكَّنت عن طريق هذه السيطرة من فرض القوانين الدولية التي تراعي نظامها، ومصالحها.
كما سيطرت أيضًا على السلطة الرابعة من خلال وسائل الاتصال الحديثة، وتمكَّنت بفضل التقدم التقني الهائل من الوصول بقيمها، ومعتقداتها إلى جميع بقاع العالم تقريبًا، وثمَّة أربع وكالاتٍ للأنباء رئيسةٌ هي للغرب: [أسوشيتيد برسس]، و[ينايتد برس]، و[رويترز]، و[فرانس برس]. وتشترك في هذه الوكالات كافَّة إذاعات العالم، وكافَّة شبكات تلفزيون العالم، وكافَّة صحف العالم.
وتجدر الإشارة إلى أنَّ وزارة الدفاع الأمريكية قامت بتشكيل مكتب التأثير الاستراتيجي، وهو مكتب أنشئ بعد أحداث سبتمبر في أمريكا، ويحيط به الغموض والسرية، وقد قُدِّرت ميزانيته بمئات الملايين من الدولارات، ويدخل فيها بالطبع شراء ذممٍ إعلاميةٍ، ومهمته كما ذكرها مسؤولون أمريكيون:" تزويد وسائل الإعلام الأجنبية بالأنباء؛ حتى لو كانت كاذبة، وذلك كجزء من حملةٍ جديدةٍ للتأثير على المشاعر العامَّة وصنَّاع القرار! في الدول الصديقة وغير الصديقة على حدٍّ سواء".
وكان هذا المكتب قد بدأ توزيع مقترحاتٍ سرِّية تدعو إلى حملاتٍ شرسةٍ لا تقتصر فقط على استخدام وسائل الإعلام الأجنبية والإنترنت وإنما تشمل كذلك العمليات السرِّية! وأحد هذه المقترحات كان ينصُّ على دسِّ المواد الإخبارية وإرسالها إلى وسائل الإعلام الخارجية عبر جهاتٍ أخرى لا صلة لها بـ[البنتاجون]! وقد أثارت التسريبات التي نُشِرت عن هذا المكتب حفيظة بعض الصحفيين والمسؤولين الذين أطلقوا عليه اسم مكتب التضليل الإعلامي أو مكتب استراتيجية تخطيط الكذب، كما اتهم المعهد الدولي للصحافة في تقرير أُعِدَّ في [فيينا] أمريكا بالتلاعب بالأنباء، وحذَّر من قيام النظم الديمقراطية باستغلال حرب مكافحة الإرهاب من أجل كَمِّ أفواه وسائل الإعلام؛ مما حمل وزير الدفاع الأمريكي وقتها في النهاية على الإعلان عن إغلاق هذا المكتب لاحقا، وهو الإعلان الذي عدَّه بعض المراقبين جزء من إجراءات سرِّية المكتب الغامض.
من رام التوسُّع في هذا المحور الهام فليراجع كتابي الموسوم بالوعي الغائب في تميُّز الأمَّة المسلمة.. محاولةٌ جديدةٌ في البحث عن الذات.