لا شك أن من يقرأ هذا العنوان يتساءل ما هو هذا الاجتماع العظيم يا ترى؟ وبطبيعة الحال يقود هذا السؤال إلى أسئلة أخرى؟ من هم المجتمعون الذين أعطوا قيمة لهذا الاجتماع؟ وما موضوع الاجتماع وما مكانه؟
قبل الاجابة عن السؤال الأول من هم المجتمعون؟ أعلم أن أذهان الناس تنصرف إلى رؤساء الدول، أو العظماء الذين عرفهم التاريخ؟ ومكان الاجتماع قد يظنون أنه مقر هيئة الأمم المتحدة، أو البيت الأبيض، وربما أحد القصور الفارهة في احدى المدن الكبرى!! وموضوع الاجتماع ربما سيختلف تحديده باختلاف توجهات الناس واهتماماتهم، فمنهم من يقول موضوع الاجتماع "قضية التوزيع العادل للثروات"، وآخر "قضية حقوق الإنسان"، وآخر" قضية أزمة اللاجئين"، وآخر " البحث عن لقاح لأحد الفيروسات الفتاكة مثل " كورونا" وهكذا دواليك..
ولكن من هو أعظم إنسان في تاريخ البشرية؟ لا شك أنه لا يجادل أحد أنه هو محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما ورد في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أنا سَيِّدُ ولَدِ آدَمَ يَومَ القِيامَةِ، وأَوَّلُ مَن يَنْشَقُّ عنْه القَبْرُ، وأَوَّلُ شافِعٍ وأَوَّلُ مُشَفَّعٍ" صحيح مسلم. والحديث نص على سيادته على الناس جميعًا حتى الأنبياء والرسل، ومنهم أبو البشر آدم -عليه السلام- وفي رواية البيهقي: "أنا سيد العالمين ولا فخر"، وفي نَصٌّ آخر سيادته على الملائكة والخلائق أجمعين.
وحتى المنصفون من علماء الغرب يصنفون النبي صلى الله عليه وسلم على رأس قائمة العظماء الذين عرفهم التاريخ، مثل مايكل هارت في كتابه كتاب "أعظم مائة شخص في التاريخ"
أطراف أعظم اجتماع تاريخي ومكانه وموضوعه
إذن الطرف الأول في الاجتماع هو نبينا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، الطرف الثاني في الاجتماع هو أعظم رجل بعد محمد صلى الله عليه وسلم، وهو إبراهيم عليه السلام.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "أَفْضَلُ الْأَنْبِيَاءِ بَعْدَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو إبْرَاهِيمُ الْخَلِيلُ". كَمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ. وَكَذَلِكَ قَالَ الْعُلَمَاءُ: مِنْهُمْ الرَّبِيعُ بْنُ خُثَيْم قَالَ: "لَا أُفَضِّلُ عَلَى نَبِيِّنَا أَحَدًا، وَلَا أُفَضِّلُ عَلَى إبْرَاهِيمَ بَعْدَ نَبِيِّنَا أَحَدًا" انتهى مجموع الفتاوى (4/ 317.
إذن بعدما حددنا أطراف الاجتماع، يتساءل أحدهم كيف ذلك؟ وقد بُعث محمد صلى الله عليه وسلم بعد عشرات القرون من بعثة إبراهيم عليه السلام؟ وقد ذكر الإمام السيوطي في "الدر المنثور" عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "وبين آدم وبين نوح ألف سنة، وبين نوح وإبراهيم ألف سنة، وبين إبراهيم وموسى سبعمائة سنة، وبين موسى وعيسى ألف وخمسمائة سنة، وبين عيسى ونبينا ستمائة سنة".
يعني ما بين إبراهيم عليه السلام ومحمد صلى الله عليه وسلم: 700+1500+600= 2800 سنة
إذ هل التَقوا؟ نعم قد التقوا ولكن أين؟
استمعوا لهذا الحديث: "لما عُرج بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى السبع الطباق، وانتهى إلى موضع يسمع فيه صريف الأقلام، ذكر في حديث طويل أنه مر على مجموعة من الأنبياء قال: "ثم مررت بإبراهيم فقال مرحبا بالنبي الصالح، والابن الصالح، قلت من هذا قال هذا إبراهيم صلى الله عليه وسلم" صحيح البخاري، ومما هو معلوم عند علماء المسلمين أن الإسراء والمعراج بالجسد والروح جميعاً عليه الصلاة والسلام.
إذن بعدما عرفنا طرفي الاجتماع، فما موضوع الاجتماع؟
قال الرسول صلى الله عليه وسلم "لَقيتُ إبراهيمَ ليلةَ أُسْريَ بي فقالَ: يا محمَّدُ، أقرئ أمَّتَكَ منِّي السَّلامَ وأخبِرْهُم أنَّ الجنَّةَ طيِّبةُ التُّربةِ، عذبةُ الماءِ، وأنَّها قيعانٌ، وأنَّ غِراسَها سُبحانَ اللَّهِ والحمدُ للَّهِ ولا إلَهَ إلَّا اللَّهُ واللَّهُ أَكْبر" صحيح الترمذي.
تأملوا في الحديث جيدا إبراهيم الخليل عليه السلام رجل قد ارتحل إلى ربه قبل النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ووصيته قادمة من الآخرة، إلى المستقبل الذي سيؤول إليه كل بني آدم.
وكما يقول الشيخ إبراهيم السكران في كتَابه: "مسلكيات" فإبراهِيم عليه السلام الآن يتحدث عن الجنة حديث من غادر الدنيا، ويُخبر أن الجنة أرضها طيبة مباركة، ومياهها عذبة حلوة، وأن الله خلق فيها مساحات مستوية، لا نبات فيها"
غراس الجنة ذكر الله تعالى
ما غراس هذه الجنة؟ غِراسَها سُبحانَ اللَّهِ والحمدُ للَّهِ ولا إلَهَ إلَّا اللَّهُ واللَّهُ أَكْبر"، إذن موضوع الاجتماع: الذِّكر، نعم الذكر، ربما ما تَعوَّد عليه الناس في الحياة الدنيا من قضايا واهتمامات، فإن ترتيب الأولويات سيكون عندهم بناء على ذلك.
هل تتوقع لو اجتمع اليوم اثنان من القادة أو المفكرين العالميين أن يكون اجتماعهم معنيا بقضية ذكر الله كما اهتم به أعظم رجلين في تاريخ البشرية في اجتماعهما في السماء السابعة؟ كما يقول إبراهيم السكران في كتابه مسلكيات.
نعم إن ذكر الله، يجلو الصدأ، ويرد لليقين قوته وأثره، ويُصلح ما تعطل، ويجدد ما بلي حتى لا تتعطل الوظيفة الأصلية للإنسان، المتمثلة في ذكره وعبادته وعدم نسيانه، فإن من أعظم الطاعات والقربات لله تبارك وتعالى هي الإكثار من ذكره سبحانه، فذكر الله تعالى غذاء الأرواح، وشفاء القلوب، وقرة عيون المحبين، والذكر عبادة عظيمة سهلة ميسرة، ولكن على من يسر الله عز وجل له ذلك.
وقد ذكر ابن قيم الجوزية في كتابه "الوابل الصَّيِّب" تسعة وسبعين فائدة للذكر، وذكر في الفائدة الخامسة عشرة أنه:
- يورثه ذكر الله تعالى له، كما قال الله تعالى في كتابه: (فاذكروني أذكركم) [سورة البقرة الآية: 152] ولو لم يكن في الذكر إلا هذه وحدها لكفى بها فضلا وشرفا.
وقال صلى الله عليه وسلم فيما يروي عن ربه تبارك وتعالى (من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم).
نعود للكلمات التي أوصى بها إبراهيم الخليل نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، فإنهن كلمات يسيرات من حيث العدد، ولكن عظيمات من حيث الأجر والثواب، ويكفيهن شرفا، أنهن من شرف الدنيا، وفي حديث آخر عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لأن أقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر أحبُّ إلي ممّا طلعت عليه الشمس) صحيح مسلم، رقم الحديث: 4968 . قوله (أحب إلي مما طلعت عليه الشمس) أي من الدنيا وما فيها من الأموال وغيرها.
فتخيل مسلما يسمع بهذه الكلمات، ويفتر عن ذكرها!!!
إنها وصية نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ووصية خليل الله إبراهيم عليه السلام، فلنَستجب لهما، ولنُكثر من غِراس الجنة.