ركبت الطائرة القطرية متّجها إلى جنوب إفريقيا، الرحلة تستغرق 8 ساعات. على متن الطائرة الطاقم لا يهدأ، ولا يمل من تقديم الخدمات، ولا يعكّر صفو الرحلة إلا بكاء طفل في المقدمة تناغم معه طفل آخر في مؤخرة الطائرة، فلحّنا سمفونية حزن طويلة، وزاد من هذا التعكير، صوت شخير بعض الركاب الذين يخلدون للنوم!
المهم كنت قد أعددت كتابا وقلما ودفترا وبعض الصوتيات والمرئيات، للاستفادة من وقت الرحلة. أمسكت الكتاب وإذا بقصة بعنوان: أنا من ينام حين تشتد العاصفة! وخلاصتها: صاحب مزرعة خيول ومواشي ومزروعات، يبحث عن شخص يهتم بشؤون المزرعة، حيث كان ما إن يوظف أحدهم حتى يفصله، لأنه لا يقوم بواجباته، لأن المزرعة في أرض تكثر فيها العواصف!
لقد شيبتنا العواصف ونحن نعيش في مربع الطوارئ، علينا المبادرة في التخطيط والتنفيذ قبل العاصفة.
وكان صاحب المزرعة يضع شروطا قاسية لهذه الوظيفة الصعبة. تقدم للوظيفة شاب نحيل وذو بنية ضعيفة؛ فقال له صاحب المزرعة وما هي مميزاتك؟ فرد عليه: أنا من ينام حين تشتد العاصفة. لم يدرك صاحب المزرعة هذه العبارة، ولكن نظرا لحاجته ولقرب فصل الشتاء لم يمانع أن يوظفه مضطرا.
مرت الأيام وفي إحدى الليالي أتت عاصفة شديدة المطر، عاتية الريح حتى كادت أن تقتلع المنازل الخشبية، فدبّ الرعب في قلب صاحب المزرعة، وأيقن أن ماشيته هالكة، وأن محاصيله ستفسدها الريح.
ذهب مباشرة إلى العامل، فوجده يغط في نوم عميق رغم ما يحدث في الخارج. هز صاحب المزرعة الرجل من كتفه يوقظه وهو في أقصى درجات الغضب، صائحا في وجهه: ألا تدرك ما الذي يجري في الخارج؟فرد عليه العامل بعين نصف مفتوحة: نعم، إنها العاصفة، ولكنني قلت لك إنني أنام حين تشتد العاصفة.
استشاط الرجل غضبا ولكنه حمل عتادا وهمّ لإنقاذ ما يمكن انقاذه، لكنه تفاجأ أمام مشهد مذهل. فالطيور مستقرة في أعشاشها والمواشي آمنة في مستقرها، الخيام مشدودة بالحبال المتينة، رغم أهوال الرياح في الخارج،
حينها هدأ واطمأن ثم عاد فرحا إلى العامل النحيل، وقال له: نم يا رجل ولا تقلق؛
الآن عرفت أنك من تنام حين تشتد العاصفة.
الخلاصة: لقد شيبتنا العواصف ونحن نعيش في مربع الطوارئ، علينا المبادرة في التخطيط والتنفيذ قبل العاصفة.