استضاف برنامج رواء الفكري الذي ينظمه عمران الحضارة بالشراكة مع منتدى كوالالمبور الصحفية والناشطة الفلسطينية إسراء المدلل في جلسة حوارية  يوم الخميس 10 يونيو 2021 عنوانها: "الصهيونية والحقائق الكاذبة"، وقد حاور الضيفة الأستاذ شمس الدين حميود حول جملة من التساؤلات المرتبطة بالموضوع من أبرزها:

  *ما هي متوالية الحقائق الكاذبة التي يروج لها الإعلام الصهيوني لاقتلاع الحق الفلسطيني؟ 
  *هل يساند العالم الغربي الصهيونية؟ أم أنّه ضحية البروباغندا والخداع الإعلامي؟ 
   *ما هو الواجب الإعلامي لكل إنسان صاحب قضية حتى يوصل الرواية الصحيحة؟

تقرؤون فيما يلي نص الحوار كاملا.

شمس الدين حميود: "الحقائق الكاذبة مصطلح في المعجم الغربي يشير إلى حقائق غير مزيفة ولكنها ليست كاملة أي أن الحقيقة الكاذبة هي حقيقة جزئية ومن ثم يمكن توظيفها لتوثيق أي أطروحة مهما كانت لتبرير أي سلوك مهما كان ظالما" هذه تعابير العبقري الراحل عبد الوهاب المسيري نستفتح بها حلقة اليوم لنتساءل عن متوالية للحقائق الكاذبة التي يروج لها الإعلام الصهيوني باقتلاع الحق الفلسطيني. نتساءل اليوم أيضا عن موقف العالم الغربي من الصهيونية، هل يقف معها أم أنه ضحية الدعاية الكاذبة والخداع الإعلامي؟ وما هو الواجب الإعلامي لكل إنسان صاحب قضية حتى يوصل الرواية الصحيحة بين كل هذا تفصيل وسرد للأفكار والأحداث؟

مع رواء من عمران الحضارة ومنتدى كوالالمبور نستضيف في هذه الحلقة الإعلامية الفلسطينية والناشطة إسراء المدلل، معدة ومقدمة برامج في trt عربية حاصلة على بكالوريوس في الصحافة والإعلام بالجامعة الإسلامية بغزة ومراسلة سابقة أيضا وناطقة سابقة باسم الحكومة الفلسطينية في غزة. 

إسراء المدلل: شكرا لك على هذه المقدمة اختصرت قصة حياتي كلها، شكرا جزيلا على الاستضافة. 

شمس الدين حميود: قبل الغوص في أغوار الموضوع، نعرج على ثنائيات رواء في أسئلة خفيفة للضيفة الفاضلة؛ قناة الكتاب الفلسطينية أو تي آر تي عربية؟

إسراء المدلل: حاليا أعمل في تي أر تي عربية في إسطنبول، كنت معدة ومقدمة برامج تلفزيونية في قناة الكتاب الفلسطينية وهي أول قناة رائدة فلسطينية محليا وكنت من أوائل الوجوه الشبابية التي خرجت وظهرت على هذه القناة حيث أنني قدمت أول برنامج حواري باللغة الانجليزية فكنت أيضا مختصة بتقديم البرامج التلفزيونية باللغتين العربية والإنجليزية ولكن اليوم نعمل من غرفة أخبار دولية نقصد قضايا وسياسات العالم، خاصة ما يخص العالم العربي. وتعرف أن تركيا منطقة استراتيجية ومحورية للقضايا الساخنة والملتهبة لذلك اليوم ليست فقط القضية الفلسطينية على الأولوية وحدها بعد الثورات العربية وبعد الأزمات إنما هي واحدة من بين القضايا، ولكن هي على رأس هذه القضايا، وبالنسبة لي هي قضيتي التي أقول دائما إنها الأولى والوحيدة وطبعا فأنا أنتمي لكل قضايا العالم الإنسانية وهي جزء منا وأي حركة تحريرية نضالية فهي تهدف لنفس أفكارنا ومتطلباتنا. إنما لفلسطين روح ورمزية خاصة مختلفة واستثناء، أقول دائما إن هناك استثناء، وأنا بنت غزة بنت المخيم وبنت الحروب الثلاثة، لا أقول الحرب إنما العدوان، وشاهدتها وقمت بتغطيتها في غزة وكلي أسف لأنني لم أشهد العدوان الأخير الرابع على غزة 2021، لكن عائلتي عاشوه وكانوا تحت القصف ونجاهم الله الحمد لله.

شمس الدين حميود: الآن تحدثتِ عن عدوان غزة الأخير وأنا سأسألك عن حرب 2008 على غزة، كنت مراسلة وعايشت الأحداث من داخلها وفي حرب 2021 أنت صحفية عاشت الأحداث خارج الأرض والموطن والديار، ما الفرق؟

إسراء المدلل: الفرق كبير جدا. الفرق الأول هو أنني كنت في حرب 2008 وعمري 18 سنة أقف أمام الكاميرا لأول مرة في حياتي وكان أول عدوان أعيشه أيضا وكان هو العدوان الأول الذي يعيشه أبناء القطاع. كان التعامل مع الحدث أولي بالنسبة لي، فالتجربة كاملة كانت مختلفة ولها خصوصية. أتذكر أول تقرير قمت بإعداده وتقديمه عبر قناة press tv كانت قصة إنسانية وهنا كانت توجهات واضحة ربما لم أكن أعلم أنه يطلق على هذا التقرير قصة إنسانية لكن كنت أعلم أن القصة الإنسانية ستكون أقوى من أي خطاب سياسي أو صور لأشلاء ودماء. قدمت من بريطانيا وكنت قد أتيت منها من سنوات بسيطة فبالتالي حينما دخلت في الإعلام كانت تمتلكني لغة الإنسان ولغة القانون أكثر، صحيح أني كنت في سن صغير وربما كنت أصغر مراسلة صحفية في كل فلسطين لكن كنت أستطيع أن أحدد الصورة التي يحتاج العالم أن يراها ويجب أن تكون هي الصورة التي تخرج من غزة. لا بد أن تتشكل هناك قدرة لتمييز هذه الجرائم والانتهاكات الإنسانية والإبادة الجماعية.

وبالتالي التحدي كان كبير جدا، فحينما تحصل مع الإنسان صدمة لن يفيق منها ولن يستطيع التعامل معها إلا بعد وقت. فالحرب أو العدوان الأخير على غزة كان بمثابة الفرق أو الفارق الذي أتحدث عنه، حينما غطى الزملاء العدوان الأخير وانتشرت هذه الصور التي رأيناها بأيدي فلسطينية فقط لم تكن صحافة أجنبية على الإطلاق، لم يكن تواجد أجنبي في قطاع غزة فهذا يدل على أن الصحفي اليوم يمتلك مميزات وأدوات شمولية أكثر توسعا وأكثر فهما للواقع الآخر للحياة الأخرى خاصة وأن غزة تعيش تحت الحصار لأكثر من 14 عاما الآن. 

والفرق الثاني هو أن ابنتي أصبح الآن عمرها أحد عشر عاما، في الحرب الأولى لم تكن موجودة بل ولدت بعد الحرب بعام. فحينما أغطي الأحداث والقصف من هنا في إسطنبول من بيتي وتكون ابنتي تحت القصف يكون الأمر أكثر صعوبة وعنفا وشدة علي. كانت تجربة قاسية وخاصة أني شعرت لو أنني أعيش تحت القصف أهون علي بكثير من أن أكون تحت هذه الحرب النفسية وأتحدث عن عائلتي كلها طبعا. وفي نفس وقت هناك حاجة للاستمرار، هناك دعوة أن أبقى صامدة، أن أغطي الحدث وأكتب وأقرأ وأتواصل وأن أفعل كل شيء وفي نفس الوقت ذهني مشغول مع العائلة، لأننا ألسنة القضية فنحن وجوهها ونحن أصواتها في الخارج، خاصة وأن هناك تحديات على أرض الواقع؛ هناك مشكلة كبيرة في الكهرباء، في الموزعات، في الإنترنت فكلها تم استهدافها فكان الوصول للشبكة ضعيف جدا، الإرسال ضعيف لا يوجد كهرباء، إمكانيات التواصل، الحركة كانت صعبة جدا ومخيفة، كان الذين يتنقلون يخاطرون بحياتهم من أجل التنقل والحركة. فوجودنا في الخارج كان مفيدا أكثر ودفع لتوصيل الصورة خاصة أنني دائما ما أقول أنه لا يجب أن نتحدث مع أنفسنا، ستسمع صوتي وأسمع صدى صوتي وأنت عربي وأنا عربية مثلك ما الفائدة؟ ما الفائدة أن نتحدث مع بعضنا البعض؟ يجب أن يصل صوتنا إلى من هم غير ناطقين باللغة العربية لكي يفهموا ويعرفوا، خاصة وأن للأسف اليوم قيمة الإنسان أصبحت بجواز سفره وبالبلد الذي ينتمي له وبالمواثيق الدولية والحقوقية التي تمنحها تلك الدول لشعوبها.

لذلك حينما يتحدث العربي ليس كما يتحدث الأجنبي فكان يجب أن نُصدّر القضية ونرفع الرواية الفلسطينية للإعلام الغربي عن طريق هؤلاء المجتمعات والحركات التضامنية لكي يضغطوا على القرارات الدولية السياسية التي من شأنها أيضا أن تضغط على إسرائيل لوقف الحرب.

شمس الدين حميود: سيكون لنا مزيد من التفصيل في هذا الجانب والدور المنوط بنخب الأمة ومفكريها وروادها وأيضا مجتمعاتها ومواطنيها، أواصل في هذه الأسئلة الخفيفة جدا. إسراء السياسية كناطقة باسم الحكومة سابقا أم إسراء الإعلامية كمراسلة ومقدمة برامج؟

إسراء المدلل: أنا لفترة من الفترات ربما أردت أن أزيل هذا المنصب من حياتي شعرت أنني ظُلمت حينما وضعت نفسي في هذا المنصب. كان عمري ثلاثة وعشرين سنة أي قبل ست سنوات تقريبا وكنت أصغر ناطقة في العالم وأول امرأة ناطقة باللغة الانجليزية في حكومة غزة في الحكومة الفلسطينية ولكن لأن عندنا حكومتان لا واحدة ولأن غزة تحت الظروف السياسية ومعايير الانقسام التي فرضت نفسها علينا فبالتالي كان المنصب كبيرا جداً، ولكن أنا كلما أتذكر وكلما أرى كيف تفاعلت وتعاملت بوجودي في هذا المنصب أتأكد فعلا أنها تجربة مثيرة للاهتمام وجديرة بالذكر ولكن دائما أحب وأفضل أن أكون الإعلامية، لا أحد يحب الحكومات، نحن أبناء الشعوب.

شمس الدين حميود: أعتقد أن هذا الأمر فيه وجهة نظر وفيه رأي، فالكثير يفعل المستحيل لأجل المنصب.

إسراء المدلل: صدقني يا أخي شمس الدين كنت أخاف أن أجلس على كرسي في الحكومة، كنت دائما أهاب منه وأبتعد عنه لأنه يصيب الشخص بمرض يعدي. هناك عدوى من الكرسي فكنت دائما أجلس على الناحية الأخرى حيث يجلس ضيوفي وأجلس معهم غالبا، حتى لم أكن أجلس في مكتبي كنت دائما أحوم هنا وهناك وأذهب إلى المكاتب الإعلامية وأزورهم وأكون في الميدان أنقل تصريحاتي من أرض الواقع لأنني بنت الشعب. أنا بنت هذه القضية والمعاناة فصعب أن تتحدث عن معاناة شعب مناضل وأنت تجلس في مكتب مكيف وأنا كنت في سن صغير جدا وما زلت صغيرة بالمناسبة فالآن عمري واحد وثلاثين سنة. كثفت أعمالي في ثلاث قنوات تلفزيونية والحكومة وأعمال أخرى لا أذكرها حتى لأنني أرى أنها بسيطة وصغيرة لكن طبعا كانت مهمة. فعملت من 2008 حتى الآن في الإعلام. لذلك بحكم العمل والعلاقات والبيئة التي تربيت وترعرعت فيها والغربة التي عشتها مع أهلي في بريطانيا أثقلت علي وحملتني مسؤولية كبيرة، وطبعا الفلسطيني لا يولد مخيرا نحن فرض علينا هذا النوع من المقاومة لذلك نرى أنفسنا أمام التلفاز نشاهد الأخبار ونحن في عمر صغير جدا جدا. كنت وعمري عشر سنوات أجلس وأتابع النشرة من أولها لآخرها وأستمع إلى المحللين ووالدي محلل سياسي. 

فهذه هي أجواء أبنائنا حين تستمع إلى طفل عمره خمس سنوات وكأنه صحفي كبير يعرف أنواع الصواريخ وأسماء المناطق وإلى آخره وهذا مثير أيضا ولكن هذا هو الواقع وواجب علينا أن نعرف كل هذا، ونتعلم لأنه هذا هو سلاحنا الوحيد. 

شمس الدين حميود: نواصل في هذه الأسئلة الخفيفة كما ذكرت سابقا، ذكرت أنك في فترة معينة من حياتك قضيتها في بريطانيا ففي أي مدينة في بريطانيا؟

إسراء المدلل: في برادفورد سيتي

شمس الدين حميود: سأسألك إذن هل برادفورد، غزة أم إسطنبول؟

إسراء المدلل: غزة طبعاً، غزة دائماً وأبدا.

شمس الدين حميود: بما أنك ناطقة باسم الحكومة سابقا بالإنجليزية وأيضا مجيدة للغة الإنجليزية بنطق أهلها فأسألك هل العربية أم الإنجليزية؟

إسراء المدلل: لا أنا بنت العربية، أنا بنت لغتي الأم. العربية لغة جميلة فيها من البلاغة وفيها من الثراء والغناء ما يطرب. أنا أتذوق هذه اللغة، أحب أن أقرأ بالعربية وأحب أن أتحدث أيضا بالعربية وهي لغة ثرية جدا ولغة الحضارات والدين الإسلامي والعلوم. أنا بالعكس أقول عن نفسي ضعيفة بالعربية مقارنة بأصدقائي في غزة فكلهم يعرفون أن يشكلوا ويجودوا مباشرةً كما أنتم في الجزائر بلاد العلم والنور.

شمس الدين حميود: آخر سؤال سيكون مفاجئا خارج السياق والنسق، هل كرة القدم أم رياضة أخرى؟

إسراء المدلل: أنا لا أتابع كرة القدم ولا أفهمها ومن يجلس بجانبي ليشاهد كرة القدم يندم لأني أسأل أسئلة غريبة تفقده متعة المشاهدة نهائيا. لا أعرف أي شيء عن هذه الرياضة رغم أنني كنت في الطفولة ألعب دائما كرة القدم مع إخوتي في الشارع ولكن لا أعرفها ولا أجيدها ولا أستمتع وأنا أشاهدها، فقط أظهر أنني أشجع الفريق الذي يشجعه من يجلس معي هذا كل شيء.

عن حقيقة الصهيونية.. إبادة وتمييز عنصري وتهويد

شمس الدين حميود: ننتقل إلى محور آخر، كبداية أستاذة إسراء لتحرير المصطلح ورفع اللبس عن المشاهدين وقد اختلط المصطلح على كثير ممن يتابع الشأن العربي والصراع الإسلامي العربي الصهيوني الإسرائيلي. ما هي الصهيونية؟ ومن هو الصهيوني بالذات؟ هل هو اليهودي؟ أم هناك تفصيل آخر؟

إسراء المدلل: نشأة الحركة الصهيونية قائمة على الدولة اليهودية، بمعنى أنها ترفض أي دين آخر وترفض أي عرق وأي وجود فلسطيني، حين أقول فلسطيني أتحدث عن المسيحي والمسلم. بالتالي الدولة اليهودية هي قائمة أيضا على العرق اليهودي المتطرف وقائمة على العنصرية. وهناك ثلاث مدارس: هناك اليساري وهناك المتطرف وهناك الصهيوني طبعا، الصهيونية هي أخطرها. ما يتعلق ببن جوريون الذي توعد بالدولة اليهودية وكذلك مسح الفلسطيني وتهويد الأرض والاستيطان. ولكن جميعهم بالنسبة لنا هم صهيونيون، هم بالنسبة لنا مستوطنون هم رابحون مهما كانت درجة المفارقات الفكرية والدينية بينهم، هي ذاتها الحركة القائمة على الإبادة الجماعية وعلى التمييز العنصري وعلى تهويد الأرض والهوية والتراث واللغة.

هو اليوم لا يقبل باللغة العربية ولا بالتراث العربي الفلسطيني ولا بالأسماء العربية فبالتالي هي حركة خطيرة قاتلة تدعو إلى القتل وتقول "أقتل فلسطيني ليرضى عنك الرب" فهذا الخطاب القاتل والآلية القتالية التي ينادون بها هي الصهيونية بالتالي نحن حربنا ليست مع اليهود كدين، فهناك يهود في المغرب هناك يهود في مصر يهود في العراق مثلهم مثل أي إنسان آخر، هناك مسلم ويهودي ومسيحي.

المشكلة ليست في الأديان ولا في الأعراق ولا في الجنسيات ولكن المشكلة في المستوطن، في الإسرائيلي الذي أخذ بيتي وسرق مكاني واغتصب أرضي وأخرجني وطرد أهلي وعاش بدلا مني وأنكر حقوقي وما يفعلونه مشروع في نظرهم.

الإعلام البديل وتصدُّع دعامات الدعاية الصهيونية 

شمس الدين حميود: أستاذة إسراء في افتتاحية العدد الأول من أسبوعية الحركة الصهيونية the world كتب هرتزل قائلا "يجب على هذه الصحيفة أن تكون درعا للشعب اليهودي وسلاحا ضد أعدائه" أما بنجوريون كما معلوم فقد كان يؤمن بأن وظيفة الإعلام الإسرائيلي الأساسية هي الدفاع عن المشروع الصهيوني، كرونولوجيا الأحداث تثبت منزلة ومحورية الدعاية الإعلامية الصهيونية التي تخدم أجندتهم الاستيطانية وسياساتهم الاستعمارية. أستاذة إسراء ما هي مظاهر هذه الحقائق الكاذبة؟ وعلى ماذا تقوم؟

إسراء المدلل: الدعاية الإسرائيلية تقوم أولا على تفنيد وتزييف الحقائق لكسب الرأي العام لتهويد المزيد من الأرض. إسرائيل لم تلتزم بأي اتفاقات دولية لم تحترم المواثيق الدولية ولا القرارات التي نصت عليها الأمم المتحدة في حقنا في الدفاع عن أنفسنا، حقنا في الأرض وبأراضي السبعة وستين، حقنا بالعودة، بكل شيء ما زال مجمدا، الشيء الوحيد الذي يستمر حتى هذه اللحظة هو الاستيطان. كيف تمارس إسرائيل كل هذه الانتهاكات الإنسانية والقانونية وبنفس الوقت تكسب موقفا من الرأي العام ويكون لديها شعبية تستطيع أن تخترق العقول وتزيد من الديموغرافيا والجغرافيا القاتلة للفلسطيني والداعمة للمستوطنين هو أكيد عن طريق الدعاية الصهيونية. وهذا أمر خطير للغاية، ربما نحن أقل قدرة اليوم، فحتى الإعلام الفلسطيني والعربي عموما في مواجهة هذه الماكينة الإسرائيلية ليس فقط لأنها تستولي على أكبر الشركات الإعلامية والإنتاجية والاستثمارية في العالم والبنوك والصحف إنما على قدرتها على تغيير الحقيقة وطرح ما يؤثر على الناس. هي في الحرب الأخيرة حولت اثنين وعشرين شهيدا فلسطينيا إلى قتيل إسرائيلي وحينما كان هناك ضجة وفضح هذا الأمر على صحيفة لا أتذكر اسمها قاموا بتعديل الخبر. 

حينما كانت المجازر تقع في فلسطين وتكتب عنها صحيفة هآرتس الإسرائيلية بعدها تصبح هناك ضجة ويعرف العالم عما يحدث. لماذا؟ ليس فقط لأن إسرائيل استوحت على ثقة الجمهور عموما وعلى قيمة صحفها وأقلامها إنما لأنها خططت لذلك من قبل قيام الدولة الصهيونية فبالتالي هم خططوا مستقبلا وخططوا بحذر وبدقة عالية واستولوا على الكثير من المصادر سواء العالمية والرأسمالية في العالم لتمكينهم من الوصول. 

طريقة الفهم وطريقة عرض الرواية الفلسطينية بأشح الإمكانيات كان هاويا أمام القدرة على النشر للرواية الإسرائيلية. نحن نمتلك القصة نحن أهل القصة والرواية والحقائق نحن شاهد عيان على أحداثها وعلى وقائعنا والجرائم التي ارتكبتها إسرائيل ضدنا. هل لك أن تتخيل أن كل ما نمتلك من وثائق ليس مكتوبا ليس موثقا ليس منشورا ليس مدعوما ولا مساندا من قبل المجتمع الدولي. أولا السلطة الفلسطينية تتحمل المسئولية لعدم رفع كل هذه الجرائم حتى اللحظة في المحاكم والمحافل الدولية ضد مجرمي الحرب الذين أبادوا شعبنا ولعدم تعزيز هذه الإمكانيات والمهارات الفلسطينية في كبح الرواية الإسرائيلية وفي رفع الرواية الفلسطينية أمام الإعلام الغربي عموما. طبعا هذا راجع لقلة الثقة حتى في الإعلام الفلسطيني عموما فتجد أنه حينما تنشر نيويورك تايمز أو واشنطن بوسط تذهب كل الأنظار لهذه الصحف وتتخذها منصات ثقة ومصادر مهمة لأنهم يعرفون أنهم يكتبون ولديهم القدرة على الطرح بموضوعية. أما بالنسبة لي فلا موضوعية في الإعلام، هم يتحدثون عن أخلاقيات المهنة ولو فعلا التزموا بهذه الأخلاقيات لكتبوا أن إسرائيل احتلال وليست دولة، لميزوا بين الجرائم الإنسانية التي اقترفتها إسرائيل في غزة وبين الأضرار البسيطة جدا التي كانت نتيجة صواريخ المقاومة على غلاف غزة المستوطنة. فبالتالي هم استطاعوا أن يُمولوا أقلاما وصحفا مهمة جدا ولها تأثير على الرأي العام واستطاعوا أن يُدخلوا الروايات الإسرائيلية واستغلال الهولوكوست والخروج بموقف الضحية كل مرة، واعتبار أي شخص يدافع عن فلسطين هو معادي للسامية. طبعا هناك دعم أكثر لهم وليس هناك دعم للإعلام الفلسطيني بشكل كبير مثل ما هو مفروض أن يكون فهم خططوا لذلك قبل أن تصبح إسرائيل كما هي الآن.

شمس الدين حميود: أستاذة إسراء في حديثك لفت نظري نقطتان أود أن يكون فيهما سؤال متفرع عنهما، الأولى متعلقة بقضية الرواية الصهيونية والإسرائيلية وكما ذكرت أو كما هو معلوم لطالما سعت إسرائيل في عدوانها إلى كسب معركة الرواية من خلال تحييد وسائل الإعلام عن نقل صور الوضع الحقيقي أيضا من خلال تغييب الرواية الأصلية الفلسطينية أو القصة كما ذكرت لأصحابها. لكن ألا ترين أنه في هذه المرحلة بدأت نوعا ما تحدث ثقوب في هذه الرواية الإسرائيلية وهذه السردية بدأت تتفكك؟ في حرب غزة الأخيرة شاهدنا أنه تصدع هذا البنيان الذي كان صلبا فيما يخص الرواية المصدرة تجاه العالم الغربي.

إسراء المدلل: أنا أتفق معك على ما أشرت إليه والدليل على ذلك أنهم بعد انتهاء العدوان كانت هناك أصوات إسرائيلية تنادي بأن يدفع ويستثمر في الإعلام ملايين الدولارات لكي يتم تجنيد الأصوات ومنصات التواصل الاجتماعي من أجل دعم الرواية الإسرائيلية، ما فعلته الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي كانت أقوى بكثير من المجتمع الدولي والسياسات الدولية والخطابات السياسية وكانت سلاحا قويا جدا يهاجم إسرائيل ويحشد المزيد من الأصوات إلكترونيا وافتراضياً من أجل فلسطين وهذا العالم الأزرق خدم القضية بشكل كبير جداً لأنه دائماً ما تعاني الشعوب العربية من تضييق على الحريات وهناك دول مطبعة مع إسرائيل. وهناك أصلاً معاناة وأزمات عند كل شعب عربي وأصلا بوجودها وعدمها الحريات محدودة، المظاهرات مكفولة، لما تطلع مظاهرة لفلسطين تصبح غير مرخصة ودائما هناك تضييق على المساعدات المالية وهناك تضييق على الخطابات والهتافات وإلى آخره. هناك من يعتقل، من يهدد حتى في بعض الدول الأوروبية، فتم اعتقال أكثر من نصف المشاركين الموجودين في مظاهرات النمسا وحتى اللحظة موجود من هم باقون في السجون فقط بتهمة أنهم خرجوا ونادوا وطالبوا بحرية فلسطين ووقفوا ضد العدوان وقفوا ضد الانتهاكات في الشيخ جراح وحي سلوان بالقدس المحتلة. إذا العالم الأزرق مساحة مفتوحة نمارس من خلالها حرية الرأي والتعبير. وبالطبع الشعوب ذكية وواعية وتعرف وتريد أن تعلم أكثر فما بالك حينما خرجت هذه النوافذ المباشرة ونشرت الوعي. يعود الفضل لهذا الضغط وهذا التضامن حينما رأت الناس ما الذي يجري في فلسطين لأن الصورة لم تكن واضحة والإعلام مهما كانت قوته وطريقة عرضه إلا أنه لا يكفي. 

الصور المباشرة التي رأيناها من غزة عن طريق السوشيال ميديا والبث المباشر الذي كان يخرج من القدس نرى فيه كيف يعتدي الجندي الإسرائيلي على الطفل هز العالم أكثر وهز الكيان الصهيوني وهددت مكانته وفضحت جرائمه وبالتالي نعم، كان محاصرا وقد تعلم درسا قاسيا هذه المرة.

الدليل على أننا نجحنا هو وجود تضييق كبير على منصاتنا، أنا شخصيا أتعرض للتضييق وتعرضت لأكثر من مرة لمنع خروج البث المباشر ومنع النشر فقط لأنني كتبت كلمة أقصى، فقط لأنني أعبر عن رأيي وفق معايير فيسبوك والأخلاقيات التي حددتها فيسبوك. لكن نتعرض للتضييق نتعرض إلى الحد من انتشار البث المباشر الذي أخرج به من صفحتي الشخصية لا يصل إلى الآخرين فبالتالي نسبة المشاهدة والمشاركة معدومة وفعلا فيس بوك أعدمنا وهناك حملة وهناك صفحة على الفيس بوك باسم "الفيسبوك يعدمنا"، أناشد عبر منصتكم أن يكون هناك انضمام ومشاركة لهذه الصفحة لكي تصل أصواتنا إلى فيسبوك فلا يتحكم بنا بل نحن نتحكم به هو يجب أن يكفل حريتنا هي مساحة حرة مفتوحة. لماذا يكون متاحا للإرهابي شتم وقذف وتحريض وتعنيف الآخر وقتل المسلم الفلسطيني العربي وهو يسمح له أن يباشر هذا الإرهاب ويمنع مقابلة الفلسطيني الذي يطالب فقط بحريته وبالعدالة.

"إسرائيل" أكبر أزماتنا وكيان غير مرحب به في المنطقة العربية 

شمس الدين حميود: أستاذة إسراء ما رأيك فيمن يقول أنه انتهت النازية التي مثلت لحظة نموذجية نادرة بتعبير الراحل عبد الوهاب المسيري لتحقق الرؤية الحداثية الغربية لتنظيم العالم لكن المذابح التي تسبب فيها هذه الرؤية أو نفس الرؤية لم تنتهي، من قنبلة هيروشيما ناغازاكي إلى المذابح الصهيونية بحق العرب والفلسطينيين إلى حرب فيتنام إلى حرب أفغانستان والعراق، ألا يعد المستجير بالغرب كالمستجير بالرمضاء من النار أم أنه وجب التفريق بين الحكومات وبين الشعوب، كيف يكون الجواب حول هذا التساؤل؟

إسراء المدلل: منذ القدم، الإسرائيليون والصهاينة كانوا عبئا على العالم، وجودهم في فلسطين كان مخططا وكان يهدف إلى التغلغل واستعمار المنطقة العربية. الوجود الإسرائيلي لا يدعم فقط أمريكا والدول الأوروبية التي خرجت وانسحبت من أفغانستان وفيتنام وسقطت هنا وهناك و خرجت من العراق وأنهت الحرب في دول إفريقية كثيرة لكنها تريد الاستمرار في الاستعمار بأوجه أخرى كي تقول أننا نمارس الديموقراطية وهي ديمقراطية مزيفة وأننا انسحبنا وأننا ندعو إلى الاستقرار في المنطقة العربية ولكن في نفس الوقت تزرع الفتنة وتزرع القتال وتزرع داعش وتزرع بيننا الأزمات وهي تخلق هذه الأزمات وأكبر أزمة نعيشها هي الوجود الإسرائيلي في منطقة عربية. إسرائيل، جارة غير مرحب بها ووجود عنصري لا أستطيع أن أشبهه اليوم بأي نظام آخر. ما فعلته إسرائيل وما تفعله هو شيئ مختلف، تفوقت على كل النازي والفاشي في العالم أخذت خطا مختلفا وهو تاريخي متأصل بالمناسبة، هو لم يخرج من العدم ولكن الفكرة اليوم أنك أمام مجتمع دولي يطالب بالحريات ويجتهد في وقف العنف في مناطق كثيرة من العالم وأول ما تخرج المقاومة لتدافع عن نفسها وشعبها تخرج الخطابات لنسمع دول العالم بأسره يتحدثون عن حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها. أي عالم معاصر نحن فيه الآن ندعي أننا انتهينا من عصر العبودية بل هناك عبودية أكثر باستغلالنا وبتحويلنا إلى مجتمعات استهلاكية وبتقييدنا وبإرضاخنا للرأسمالية والأفكار التي دائما تقدس وتضع الأجنبي على أنه المتنور المتحضر المتقدم وتخلق المزيد من الفقر والبطالة في الدول العربية. 

كل تلك الأزمات يتحمل مسئوليتها أولا الحكام العرب والأنظمة الديكتاتورية الاستبدادية التي أنهت أحلام شبابنا وأعمالنا وطبعا الاستعمار لازال متجذرا في بلادنا العربية لم ينته بعد.

شمس الدين حميود: أستاذة إسراء حديثك قبل قليل حول المظلومية والبكائية الإسرائيلية أحالني إلى كتاب الحداثة السائلة لـ زيجمونت باومان الذي تحدث عن نقطة مهمة جدا قال:

"إن الميراث التدميري الأخطر للهولوكوست يتمثل في الابتزاز الذي تمارسه الصهيونية للعالم"

فهي اعتبرت نفسها وريثة ضحايا المحرقة وأعطت لنفسها الحق في أن ترتكب ما تشاء، بحجة منع محرقة جديدة ضدها. الآن السؤال هل ما تزال هذه السردية الصهيونية لها ما يسندها وتستطيع أن تبيع هذه الفكرة في الدوائر الغربية أم أنه بدأ يحدث نوعا ما استفاقة؟ لأنه في الحقيقة في السنوات الماضية، وأنت ربما أخبر بذلك بحكم احتكاكك بالعالم الغربي، كان انتقاد الصهيونية يسمى معاداة للسامية فهل الآن بدأت بوادر التفريق بين هذا وذاك؟

إسراء المدلل: للأسف لا أحب التشاؤم ولكن ليس بعد، لماذا؟ لأنه الجاليات اليهودية في أوروبا كبيرة ومسيطرة بشكل كبير جدا وهي قريبة من الأنظمة الحاكمة وهي التي تتحكم بالوجود اليميني المتطرف. فرنسا من أكثر الدول التي تتمتع بوجود يميني متطرف كبير جدا كذلك نمسا هولندا الدنمارك الكثير من الدول.. الولايات المتحدة نفسها.. إذا كان أصلا جون بايدن يقول أنا صهيوني ويفتخر بذلك ويتباركون عند حائط البراق والحاخامات الإسرائيلية الأكثر تشددا وتطرفا هم أصلا عبء على دولتهم لأنهم يصرفون عليهم فقط للتكاثر وتجدهم مافيات وقادمين من هنا وهناك وملقطين من العالم. نعم هي استغلت الهولوكوست أسوأ استغلال وهي دائما ما تخرج بنفس الضحية وهي القائمة أصلا على فكرة الوجود والتمدد الإسرائيلي في البلاد حتى في أي مكان. ها هي الإمارات تكافؤهم وتفتح لهم متحفا وكذلك الدول الأخرى التي تريد أن تستفيد من إسرائيل بالعلاقات العسكرية والتبادل العسكري والبرمجة والأمن السيبراني وتريد أيضا دعم من إسرائيل كما هي الآن تدعم إثيوبيا مثلا في سد النهضة. فبالتالي ما تقوم به إسرائيل دائما وأبدا سيبقى استفزازا.

ولكن الآن نحن نعول على الشعوب. أنا لا أعول على الحكومات، الحكومات من يضعها ومن يلعب بها هي أنظمة تُمول الوجود لحركة الصهيونية وكذلك الأنظمة الأخرى في العالم التي تمتلك صوت حق الفيتو، ولكن نحن نعول على الشعوب ومن خرجوا في مسيرات في أكثر من عشرين عاصمة أوروبية هم من الأجانب والحركات التضامنية وBDS.

أنا لا أفتري عليهم، أنتم تشاهدون كمية العنف والاضطهاد والبطش والقمع الإسرائيلي لناس عزل مدنيين في بيوتهم يحرقون أطفالنا ويرقصون على الجثث ويحتفلون بذلك فبالتالي الإسرائيلي اليوم على أرضي هو لا يريد فقط طردي هو لا يريد فقط الانتقام، لا.. هو يمارس أبشع الممارسات والانتهاكات البشرية. فالإرهاب الإسرائيلي فعلا فاق كل التصورات. أنا اليوم لا أستطيع حتى أن أضعه في إطار. ولكن أرى الكل متواطئا، الأنظمة متواطئة حتى المجتمع الدولي متواطئ فبالتالي طريقة تعامل الصهاينة مع وجودهم يعتمد على قوتهم ونفوذهم في العالم خاصة الرأسمالي وطبعا الجاليات اليهودية الداعمة للحركة الصهيونية تخطط وتمارس وتعمل على الأمر في المناهج الأوروبية ويشربون الوجود الإسرائيلي مع حليب أمهاتهم، في الجغرافيا فعلى الخريطة لا يوجد أثر لكلمة فلسطين هي ممسوحة تماما ونحن بالنسبة للعالم جماعة نصنع مشاكل ونستفز في اليهود فبالتالي نتلقى ما نفعله وما تفعله إسرائيل من جرائم هي الدفاع عن نفسها حتى هذه الجرائم لا تخرج على العيان. العالم اليوم مسؤول عن قلة وعيه وجهله. أنا لن أسامح وأصغر طفل فلسطيني لن يسامح إنسانا يجهل عن القضية الفلسطينية، إنسانا لا يعرف عن القضية الفلسطينية مثل أي حق وأي قضية إنسانية أخرى. فاليوم العالم يطالب بالتصالح مع البيئة والحد من الكوارث البيئية لتعديل المناخ وهناك وعي بالأضرار وحقوق الحيوانات فليتعاملوا مع القضية الفلسطينية على أنها حقوق إنسانية لا قضية سياسية رغم أنها في الأول وفي الأخر هي قضية سياسية هذا الأمر الأول، الأمر الثاني هو أن الأنظمة والعنصرية التي وصلت إليها إسرائيل اليوم هي من الضوء الأخضر الأوروبي والعربي المتواطئ. يعني إسرائيل تستمر في هذه الانتهاكات ليس لأنها هي قوة عسكرية ولكن هم أخذوا شرعية هذه الانتهاكات والممارسات من الأنظمة الأوروبية المتواطئة والأمريكية طبعا بالدرجة الأولى. ولكن هناك تفاؤل فيما يخص الاعتراف بالاستيطان من دول مثل إيرلندا التي تعترف على أنها استيطان والمستوطنات على أنها احتلال وهي غير شرعية وغير قانونية هذا ما نعول عليه وهذه الجهود تأتي بأصوات عربية، أصوات عربية فلسطينية كانت مهمة جدا كرشيدة في الكونجرس الأمريكي. هذا الأمر قد يرجح الكفة أكثر أو يكون دعما نوعا ما ولكن نحن بحاجة إلى المزيد. 

شمس الدين حميود: حديثك عمن هم من بني جلدتنا ويتكلمون لغتنا لكن هواهم هوى عدونا ويقفون معه.

إسراء المدلل: ومن قال أنهم أولاد جلدتنا، لا أنا لا أعترف بأنهم عرب ولا أعترف بأنهم مسلمين أنا رفعت عنهم لقب حتى الإسلام.

شمس الدين حميود: لا الإسلام ربما ولكن صحيح إذا سبرنا أغوار التاريخ، فالعربي لا يرضى بالظلم حتى لمن هو أشد أعدائه فلا ندري من أي جنس هم.

إسراء المدلل: هم من الصهاينة وهم تتلمذوا على أيدي الصهاينة ومبروك عليهم مباركة الحاخامات وكل ما يفعلوه متوقع ولكن دائما وأبدا النصر للشعوب وكلمة الحق للشعوب لأن هذه الأنظمة زائلة.

كيف غيّر أبناء غزة والمقاومة والشعوب المعادلة في العدوان الأخير؟

شمس الدين حميود: صحيح أستاذة إسراء سؤالي كان ذا اتجاه إعلامي نوعا ما. أتحدث عن مظاهر وآثار الخطابات العربية المروجة للسردية الصهيونية في الإعلام العربي وحتى ممكن أحيانا في الإنتاج الثقافي، كيف ترين هذا الأمر رغم أن حرب غزة الأخيرة وكأنما بينت لنا أنهم أنفقوا أموالهم خسرانا ووبالا كانت عليهم؟

إسراء المدلل: نعم في العدوان الأخير الكلمة لم تكن لتلك الأنظمة، صدقني، الكلمة كانت لأولاد وشباب فلسطين ونساء فلسطين. المقاومة الفلسطينية، الالتفاف على المقاومة الفلسطينية، الصواريخ الفلسطينية هي التي قالت لم يقل أحد غيرها وهي التي فرضت اليوم المعادلة وغيّرت المعادلة وجعلت الجهود المصرية تمارس على الهيئة جولات مكوكية هنا وهناك فقط كي يتم الاتفاق على هدنة ووقف إطلاق النار. المقاومة فرضت نفسها على أرض الواقع وفرضت معاييرها وشروطها على أرض الواقع وربما نحن على أعتاب مرحلة جديدة من صفقة الأسرى ربما تنهي ملف الأسرى والشعوب طبعا منها مصر بادروا وسعوا لإدخال مساعدات والتحرك باتجاه ملف المصالحة الفلسطينية وكذلك إعادة الإعمار وكان واضحاً من الذي وقف معنا ومن الذي وقف ضدنا وهذا مهم جدا، ولكن من وقف ضدنا كان الأضعف وكما فضح الاحتلال فضح هؤلاء. أنا أرى هذه المرة كلمات عربية ومواقف عربية كانت جيدة عموما وكان الأثر الأكبر للشعوب. مثلا الكويت واحد من أكثر الشعوب التي بادرت ووقفت بشكل جدي قيادة وشعبا، فكان هناك أثر واضح للدعم والمساندة للشعب الفلسطيني ولكن طبعاً يبقى الحد والتضييق على الحريات تحيل دون وصول صوت هؤلاء الشعوب. لم نر الكثير من المظاهرات التي خرجت في الوطن العربي. نعم هناك الكثير من المناطق كاليمن، سوريا، البحرين خرجوا للمظاهرات هناك دول عربية خرجت ولكن تبقى الآن مسألة التطبيع من أكثر المسائل التي شرخت الشارع العربي عموما والناس تخشى وتخاف من هذه الأنظمة لأنها تقمع الأصوات وتقيد وتعتقل على خلفية أنك تدعم وتساند القضية الفلسطينية.

شمس الدين حميود: بما أن الأستاذة إسراء من غزة وغزة دائما في قلبها وفي وجدانها أقول أن للباحثين عن المعنى في فلسفة الغرب أو في روحانية الشرق. شاهدنا عيانا بثا مباشرا عن مدرسة المعنى الفلسطينية هناك في بيت المقدس حيث السماء تمطر موتا والأرض تنبت بالشهداء يتجلى المعنى الأكبر للإيمان، للطمأنينة للسكينة للرضا شاهدنا في مشاهد أحيانا لو لم نراها لما صدقناها، لو رويت لنا لقلنا أنه من المستحيل أن يصبر الإنسان على الفقد، على الألم، على كل ذلك وفوق كل هذا كان الانتصار وكان الفوز والنجاح فكيف ترى الأستاذة إسراء ذلك وهي غزاوية الهوى والهوية؟

إسراء المدلل: ربما الكثير لا يعرفون أن الانتصار بالمعنى الفلسطيني ليس الانتصار بالمعنى الظاهري. قالوا لنا كيف تدّعون أنكم انتصرتم وهناك خسائر مادية وبشرية أكبر بكثير بل أضعاف الجانب الإسرائيلي. 

مقاومتنا الوجودية وجودنا الفيزيائي على أرض فلسطين المباركة هو بحد ذاته انتصار. أن تتحمل كل هذه الظروف القاهرة أن تتحمل الرعب والخوف كل يوم أنت في بيتك لست آمنا على نفسك ولا على أولادك، أن تتحمل أن ترى الصهيوني يسرق ويعتدي ويعنف ويغتصب الأرض والإنسان وتقف صامدا كالشجر والحجر. 

نحن بكينا هذه المرة كثيرا وتألمنا أكثر على فقد شهدائنا، دماؤهم لم تجف بعد وتبقى زكية وحية بيننا فالشهيد حي لا يموت. وإنما القدس أغلى من كل ذلك أغلى من شجرنا وحجرنا وأبنائنا، حينما فقدت نساء فلسطين بيوتهم التي يضعون فيها أموال عمرهن كانت الكلمة الفصل "أن مالنا وبيوتنا للأقصى وهناك أقصى واحد". لكن ما يحزن حقيقة أن المدافع عن الأقصى الآن هم فقط أبناء الأقصى، أبناء القدس، طبعا بسبب منع دخول العرب لغزة والفتوى الدينية التي أتمنى أن تزول، هي أن العرب لا يتم دفعهم وتشجيعهم على أن يذهبوا إلى القدس حتى لا يوضع لهم الاعتراف والختم الإسرائيلي على جوازاتهم. لكن أقول هذه الأرض لنا يجب أن نكون هناك يجب أن ينتصر العرب ويتكثفوا ويكثفوا الجهود ليتواصلوا مع الفلسطينيين مع أبناء فلسطين من هم في الداخل ومن استطاع منهم أن يأتي ويزور ويكون في فلسطين يفعل ذلك. التقسيم الجغرافي والديموغرافي والسيطرة والحواجز العسكرية وجدار الفصل العنصري يصعب من هذه الحركات والتحركات لكن هناك أوجه دعم كثيرة جدا وأهمها المعرفة والوعي. وعي ما يحدث ونشر القضية الفلسطينية أكثر حتى تكون متجذرة بأصولها المعرفية والتاريخية والدينية كذلك المهمة جدا. من لا يكون على هذه الأرض يصعب عليه تخيل كيف يصمد وكيف يصبر. أنا شخصيا لا أعرف، حينما تكون على هذه الأرض أنت غير مخير والإيمان يكون أقوى "فالله فوقنا ونحن تحت" يعني لا يوجد خيار آخر، يجب أن نكون أقوياء خاصة وأننا نؤمن بقضيتنا نحن نؤمن بها وأنا لم أر أرضي التي هجروا منها أجدادي قصرا وعشقناها ونحن لم نراها لأنها أرضنا، قضيتنا وهي قضية كل العرب. هذا الصمود يُدرس وهذا الصمود يعلم العالم كيف يكون المرء كريما وصاحب كرامة وصاحب قضية.

هكذا ندعم إعلاميا الرواية الفلسطينية

شمس الدين حميود: أستاذة إسراء سؤال أخير، ما هو المطلوب إعلاميا خاصة وأن الساحة الثقافية والفكرية تعاني اليوم رخاوة من ناحية المصطلحات وأنت في بداية اللقاء تحدثت عن المصطلحات التي يستعملها العدو الصهيوني وهو مثلا يقول المخربين الارهابيين بدل المقاومين والمجاهدين يقول العمليات الوقائية بدل التوغل والاقتحام. أنا أتحدث هنا عن الرواية الصهيونية والمصطلحات الصهيونية، هل نحن في المقابل بحاجة إلى فرض مصطلحاتنا دون حرج ودون مواربة، لنقل هذا مجاهد هذا مقاوم هذا صاحب الحق؟

إسراء المدلل: هي تختلف من طبيعة السياسة التحريرية من قناة عربية إلى أخرى هناك من يقول قتيل ليس شهيد، هناك من يقول مقاومة هناك من يقول صواريخ حماس. إذا لا أريد أن أضع هذه المصطلحات في قالب الأيديولوجيا ولا الدين حتى تكون مفهومة أكثر ولا تحسب على تيار أو حزب وإلى آخره. أنا مع أن تكون هذه المصطلحات أقرب للقانون لأن القانون دائما هي اللغة الأقوى للانتصار ورفع الرواية وتقديرها وإعطائها حقها في التعبير. حينما نقول إبادة جماعية حينما نصف الغارات الإسرائيلية وما تحمله من صواريخ غير شرعية وغير قانونية فتاكة محرمة دوليا يجب أن نصف الواقعة بما يتوازى معها من حجم الكارثة الإنسانية والقانونية. 

أولا الانتباه للمصطلحات ثانيا أخذ الرواية من أهلها، الحصول على المصادر من الشاهد العيان، التواصل مع من هم هناك على أرض الواقع، دعم الرواية الفلسطينية بالمصادر والوثائق.

اليوم إذا نتحدث عن الشيخ جراح نريد أن نتكلم عن قصة الشيخ جراح؟ حينما نتحدث عن غزة نقول لماذا غزة محاصرة؟ وهل هي تحت الاحتلال؟ توجد معلومات للأسف لا يعرف الناس عنها، فلا بد كل مرة أن نذكر ونعيد في هذه المواضيع ويجب أن تكون الأقلام الفلسطينية حاضرة والأقلام العربية طبعا. ولكن في النهاية على الإعلام مسؤولية كبيرة جدا من لا يستطيع أن يكون هناك يبث من أرض الواقع على الأقل أن يخرج ويدعم ظهور الفلسطينيين أو الناطقين أو من هم على أرض الواقع هناك. كانوا يطلبون مني التحدث في بث مباشر فكنت أقول لهم اطلبوا من الناس اللذين هناك أن تتحدث سيكون حديثهم ورواياتهم أقوى بكثير ممن هم خارج القصف. يجب أن ندعم الأقلام الفلسطينية العربية يجب أن ندعم الروايات ونزيد من النشر ونحاول أن نترجم هذه الروايات إلى لغات أخرى في العالم وأن نفهم معايير الإعلام الجديد لنتعامل معه بالشكل الصحيح ونستطيع أن نتصدر ونصدر رواياتنا إلى العالم.

 شمس الدين حميود: أستاذة إسراء في الحقيقة وددنا لو نستطرد أكثر لكن ربما يجمعنا لقاء آخر وفرصة أخرى بحديثنا عن هذه القضايا وتفصلين لنا فيها أكثر. سررنا جدا باستضافتك والحديث إليك والاستماع إلى الطرح الذي قدمت به شكرا جزيلا، آخر كلمة لك.

إسراء المدلل: شكرا جزيلا لكم، شكرا على هذه الفرصة الرائعة.