نحاور في هذا اللقاء الدكتور عماد الرمضاني وهو أستاذ جامعي محاضر في جامعة ادنبره في اسكتلندا من أصول تونسية ولديه الكثير من الإنجازات والكتب العلمية والأبحاث في اختصاصه ، ويعتبر من خيرة الكفاءات التونسية المقيمة في المهجر ينشط كثيرا على مواقع التواصل الاجتماعي خاصة منصة فيسبوك و لينكدين ويتابعه عشرات الآلاف.

سنحاول في هذه اللقاء التطرّق لبعض المواضيع التي تشغل الشباب العربي في المهجر خاصة في ما يتعلق الدراسة والمسار المهني في ظل الكثير من المصاعب والتحديات. 

«حسن اختيار الوجهة» هروبك من إطار زماني ومكاني فيه الكثير من العراقيل لا يقيك من عراقيل أخرى لا قبل لك بها! 
دكتور عماد لاحظنا في السنوات الأخيرة تنامي ظاهرة هجرة الشباب العربي والكفاءات نحو أوروبا بالتحديد، إمّا قادمين للدراسة أو بحثا عن عمل ومقومات حياة كريمة وأفضل. ما الذي تنصح به هذه الفئة من الشباب؟ هل تشجعهم على اتخاذ مثل هذه الخطوة وهل تراها موفقة؟ وما الذي تنصح به الشباب خاصة في أول مشوارهم المهني أو الدراسي ؟ 

لنتفق أولا أنه يجب وضع الهجرة في إطارها وسياقاتها.

لاحظنا في السنوات الأخيرة أن الناس صاروا يدفعون للهجرة دفعا ولم تعد أمرا أو قرارا اختياريا عكس الهجرة الطوعية التي عرفناها في النصف الثاني من القرن الماضي، للأسف أصبحت أمرا اجباريا مكرها أخاك لا بطل.

وهذا للأسف يمكن أن يؤدي لاتخاذ قرارات خاطئة لأنها لم تطبخ على نار هادئة واتخذت بدون حكمة ورصانة وقناعات وفي غياب نظرة استراتيجية طويلة المدي، الشاب العربي يريد الخروج فقط ولا يعرف تبعات هذا القرار

ما يحز في النفس والذي لم يفهمه الكثيرون أنه عند هروبك من إطار زماني ومكاني فيه الكثير من العراقيل والمشاكل لبيئة جديدة، الإطار الجديد أو لنقل المكان الجديد ستجد فيه هو الآخر مشاكل ومشاغل وصعوبات لا قبل لك بها وربما لم تخطر سابقا علي بالك. 

نصيحتي للشباب السفر في مرحلة متأخرة قليلا في العمر.

ليقم بالتحصيل الأوّلي في بلده الأم وذلك من باب تنمية القدرات التقنية والعلمية وإلى غير ذلك، هذا أمر غاية في الأهمية لأنه يزيده صلابة في التكوين وتنمية الخيال الثقافي،الاجتماعي وفيه مزيد من التأمل. 

حتى أنه في القرآن الكريم نلاحظ أنّ دعوة الناس للسير في الأرض وفتح باب التأمل ذكرت مرات كثيرة ومنها قوله عز وجل في سورة العنكبوت : "قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ" وغيرها من الآيات المتعددة في هذا الباب.

الهجرة والسير في الأرض والتأمّل كلها تنمّي العمق المعرفي والإنساني. 

نمر الآن لمسألة الخيارات والتي للأسف غالبا تكون مبنيّة بطريقة غير موفّقة، على الشخص أولا أن يدرس كل الخيارات بحكمة ورصانة وعقلانية وبدون استثناء ولا يجب أن تكون مبنية على أساس اتباع الموجة كما نلاحظ اليوم، بعضهم يقول: إذا الناس كلها تهاجر لألمانيا نذهب لألمانيا أو الناس ذاهبون لفرنسا نذهب لفرنسا. اليوم هنالك خيارات كثيرة ومتعددة منها الدول الاسكندنافية ،دول جنوب آسيا ماليزيا اندونيسيا نيوزلندا يمكن أن تكون أيضا خيارا جيدا. على الشخص أن يدرس كل الخيارات بدون استثناء.

أدعو الشباب أن يطرحوا هذه الأسئلة على أنفسهم قبل اتخاذ قرار الهجرة ، ماذا سأدرس في البلد الذي سأذهب له، ماهي العوامل الاقتصادية والاجتماعية التي يمكن أن توفر لي أسباب النجاح أكثر ؟ وماهو المستقبل؟ هذا كله سيساعدك في حسن اختيار الوجهة. 

«الحياد عن الهدف».. الحاضنة الاجتماعية وإيجابيات البيئة الأوروبية وسلبياتها
تحدثنا على مرحلة ما قبل اتخاذ القرار.. والآن ماذا تنصح بعد الخروج؟ 

بعد الخروج على الإنسان أولا و آخرا أن لا يحيد عن هدفه، للأسف هنالك البعض ممن تعترضه المشاكل فيغرق فيها، كالسكن أو ربما قلة الموارد المالية، لسوء الحظ الكثيرون ينحرفون أو ربما يضطرون لتغيير الوجهة كليا ويدخلون في دوامة يصعب الخروج منها، إلا إذا كانت شخصيته قوية ويكون الشخص صبورا ومجاهدا ومعافرا. 

هنالك الكثيرون بسبب ظروف قاهرة واستثنائية يحيدون عن أهدافهم ويجب أن لا ننسى أن الأوضاع المادية أصبحت صعبة خاصة بعد الحرب الأوكرانية في أوروبا والمعيشة صارت غالية جدا للأسف.

ومن هذا المنطلق أنصح الشباب والمهاجرين بقيمة الجماعة والصحبة الصالحة وشبكة العلاقات وأدعوهم للتشبيك مع الجالية المهاجرة كي يجدوا البيئة أو الحاضنة الإجتماعية التي ستوفر لهم ربما حلولا لمشاكلهم كالسكن وحتى الأمور النفسية والشحن المعنوي 

ثم أوصي في الأخير أنه من المهم جدا البيئة التي ستذهب إليها وعليك البحث والتعرف على تحدياتها، مصاعبها، مخاطرها. 

دكتور عماد تمنح البيئة الأوروبية عديد الإيجابيات وكثير من المقومات التي تدفع للنجاح والإبداع أحيانا، ماهي أهم النقاط الإيجابية المتوفّرة حسب وجهة نظرك؟ وكيف نُحسِن استغلالها؟ 

من أهم الخصائص الإيجابية للبيئة الأوروبية: عامل الاستقرار وعامل سهولة الوصول للمعلومة ومن ثمّ عامل المبادرة ونقصد بهذه الأشياء أن التنقل سهل الأمان متوفر وموجود ،حرية وسهولة تجعلك تتنقل في أي وقت، ليس هنالك اشكاليات وخوف على نفسك ، الأرضية مهيأة جدا للنجاح مقارنة بدولنا العربية وأعطي مثالا بسيطا، في دولنا العربية عندما تأخذ وسيلة تكون مزدحمة ومكتظة فتجد أنك تستنزف طاقتك البدنية والنفسية في أشياء جانبية، وهذا يؤثر على إنتاجية الإنسان سلبا. 

غياب كثير من الضغوط الخارجية فهي تختفي وتتبدد وهذا يزيد من تركيزك واستثمارك في نفسك. 

 وجودك في بيئة غير معادية بيئة تختفي فيها الكثير من الحواجز ودعنا نقل الحواجز الوهمية لأنها أشياء غير ملموسة ولكنها غير محسوسة ، حواجز في التنقل، الأمن والمعيشة أيضا، هذه الأشياء التي تعطّل مسيرة الشخص ولا تجعله ينجز. هذه العراقيل تذوب وتختفي في المجتمعات الأوروبية بدرجات متفاوتة طبعا

طبعا هنالك بعض السلبيات كيف نبيّنها للناس حتّى يتجنبوها ولا يقعوا فيها؟ 

لا يخفى على أحد كما أن لهذه البيئات ايجابيات متعددة هنالك سلبيات ولعلّ من أبرزها كثرة المغريات، أحيانا سهولة الحصول على الشيء يجعلك تتجاوز الحد وتذهب إلى النقيض، أعطي مثلا على ذلك. تحدثنا عن حرية التنقل تجد بعضهم يغرق في التجول وفي حرية التنقل وينسى نفسه وأهدافه التي أتى من أجلها.

 في غياب لكثير من الضوابط الدينية والأخلاقية ومعها حريات في اللباس والتصرف فينعكس سلبا على هوية الشخص بل ويصبح ذلك خطرا عليه في بعض الأحيان ويفقده تماسكه وفي بعض الأحيان هويته. 

لا زلنا مع هؤلاء الشباب، انطلاقا من تجربتك وخبرتك العلمية والحياتية ماهي نصائحك ما الذي تريد أن توجههم به، ماذا تقول لهم لكي يستطيعوا تحقيق نجاحات في الدراسة أو المسار المهني وفي حياتهم الشخصية؟ ما هي أهم المهارات التي تدعو لتعلمها ؟ 

أهم المهارات هي مهارة التواصل ولن يستطيع الشخص تحقيقها إلا بإتقان لغة البلد الذي يعيش فيه بل إني أدعو الشباب للتمكن من اللغة بشكل رهيب.  

ثانيا على المرء أن يفهم و يعرف جيدا البيئة التي يعيش فيها ويتعرّف عليها جيّدا و أدعوه للاطلاع على كل قوانينها، الإقامة، وغير الإقامة،الحقوق والواجبات. 

ثم بالنسبة لبقية المهارات فهي ما يحتاجه الإنسان في شغله، محاولة فهم متطلباته سواء كنت تقني أو صاحب عمل ميداني ، هنالك طرق ومهارات وتكوين عليك أن تحرص عليه .

 دائما تذكر أنك قادم من أجل هدف وأنه عليك أن ترتقي فيه و تتقدم، استغلال العوامل الإيجابية لا يكون إلا من خلال هذه الطريقة. 

على قدر حفاظك على «هويتك» تحترمك المجتمعات الغربية 
دكتور عماد أي دور وما الذي تمثله الهوية والقيم الإسلامية للفرد المسلم في أوروبا وهل يمكن أن تكون مرتكزا هاما في مسيرته الدراسية أو المهنية؟ 

سؤال مهم ومهم جدا، على قدر ما يحافظ المرء على هويته، على قدر ما يتم تقديره في المجتمعات الغربية، أقولها صدقا وأنا الذي مررت بأكثر من دولة أوروبية، عشت جزء من حياتي في فرنسا واليوم مقيم في اسكتلندا .

حسب تجربتي على قدر ما تكون معتزا بهويتك تنال الاحترام، وعلى قدر محاولة تقليدك لهم يتم احتقارك وازدراءك، لن تكون فرنسي أكثر من الفرنسيين ولن تكون بريطاني أكثر من البريطانيين. عليك أن تحافظ على قيمتك كإنسان تتعامل معهم بهذا الجانب الإنساني، المهم قيمك الدينية يجب ثم يجب المحافظة عليها. 

دعني اضرب لك مثلا اعرف أشخاص تجربة المهجر جعلتهم يكتشفون هويتهم وأصبحوا في لحظة ما متشبثين بها و متميزين في هويتهم وشخصيتهم وقبل ذلك في بلدانهم الأصلية كانوا أشخاص مختلفين عما صاروا عليه اليوم. 

هنالك الكثيرون بسبب الاحتكاك بالثقافات الجديدة يتغيرون إيجابيا ويجعلهم هذا الأمر متشبثين بهويتهم وثقافتهم ومعتزين بها أيضا. طبعا هذا لا يمنع أن هنالك أشخاص آخرين كان تكوينهم في الهوية والدين ضعيف ومع المغريات يصبحون في مهب الريح للأسف الشديد. 

دكتور عماد درست الدكتوراه في فرنسا ثم قررت الانتقال والعيش في اسكتلندا، هل كل الدول الغربية على قدر من المساواة ؟ هل تنصح بدول أوربية على حساب دول أخرى ؟ و لماذا ذلك؟ 

بالنسبة لدراستي الدكتوراه في فرنسا كان ذلك خيارا وقد حصلت على منحة حكومية في الماجستير ثم الدكتوراه، و بناء على نصيحة وتوجيه من أستاذي ومؤطري البروفيسور فاروق كمون كمون في ذلك الوقت والذي لا أنسى فضله الكبير عليّا . 

وحتى عندما قررت الخروج كان بشروط أيضا، أولا أني أدرس في اختصاص أحبه وأعرف أني قادر أن أنجز فيه، ثم أني خرجت بمنحة مدفوعة من قبل الجامعة .

من خلال تجربتي في فرنسا دعني أقول أنها دولة لا تضيف لك اشياء كثيرة في الجانب الثقافي والاجتماعي بيئة لا ترحب بالعرب والمسلمين بصفة عامة، بلد قادر أن تحقق فيه بعض الأهداف، أما الاستقرار فلا ، فقط أرى انها تصلح أن تكون مرحلة انتقالية أو عبور.

حسب تجربتي ورأيي في الهجرة والتنقل داخل أوروبا، هناك دائما إطار أحسن من غيره وهنالك دول تعطيك محفزات أكثر من أخرى.

 مثلا بريطانيا والدول الاسكندنافية بصفة عامة خيار جيد جدا، فهي أكثر قبولا للأجانب وأكثر احتراما للتنوع العرقي والديني والثقافي فهذا الأمر لا جدال ولا خلاف فيه بريطانيا مثلا بلد حقوق الإنسان وبلد القانون والعدل، بقطع النظر عن قناعاتك الشخصية، فأنت أولا تحترم كإنسان وأضيف أيضا أن الجانب المعادي ثقافيا واجتماعيا يكاد يختفي في هذه البلدان، فيصبح التركيز أكبر وأكثر على هدفك وغايتك. 

هنالك أمر آخر وهو غاية في الأهمية وهو الاستقرار العائلي، تكوين العائلة وتربية الناشئة مهم جدا هذا الأمر لا تغفلوا عليه .

مثلا في بريطانيا لو ابنك يدرس مادة دينية في المدرسة، أنت قادر على سحبه من تلك المادة بسهولة، وهذا أمر غير متوفر في دول أخرى بل أنه في فرنسا مستحيل.

ماذا بعد الهجرة؟ 
نلاحظ في الفترة الأخيرة أن مسألة العودة لدولنا العربية أصبحت صعبة نوعا لعدم توفر الظروف الجيدة لذلك. كيف نساهم ونساعد في بناء الوعي ومشاركة العلم والمعرفة في بلداننا العربية ونحن نعيش ونستقر في أوروبا؟ 

هنالك مثل شعبي تونسي نكرره كتونسيين يقول :"وكري وكري " أي وطني وطني، في نهاية المطاف نحن هكذا نسير في هذه الأرض ونسافر ونقوم بتجارب كثيرة، مهم جدا ما تقوم به في فهم العالم، السفر والتأمل وإلى غير ذلك، لكن يبقى السؤال الأهم ماذا بعد؟ 

يجب أن لا ننسى أن دولنا العربية يجب أن تتغير طوعا أو كرها ليس لدينا خيارات أخرى، وبالنسبة للتغيير أهم شي هو زراعة الوعي أولا في تلك المجتمعات، اضرب لك مثلا البيئة والمناخ أو لنقل الطقس في الدول الاسكندنافية، بيئة يكاد يستحيل فيها العيش، فكيف نحن في دولنا العربية ببيئة أحسن بكثير، لا نستطيع أن نعيش فيها ولا نبني أحلامنا ومستقبلا زاهرا، هذا يدفعنا للبحث أين يكمن الخلل؟ ومنها نعرف أن لدينا مشاكل كبيرة في التسيير واتخاذ القرارات والحوكمة . 

ومن هنا علينا أن نجاهد في خلق التغيير وأن نناضل من أجل هذا بكل الأشكال. ربما هنالك صدام سيحصل مع الجيل الذي لا يقبل التغيير وهذا يحصل دائما، ولكن سيأتي جيل من بعدهم سيقطف ثمار الجيل الذي من قبلهم وهذه سنة التغيير ومن خلال ذلك يجب معرفة أن التغيير لن يأتي في عشية أو ضحاها، هو مسار يحتاج إلى وقت ومجهود وهو آت لا محالة . 

والتغيير أيضا ليس مسؤولية فرد بل هو خلق لوعي جمعي، وهذا يحيلنا لمفهوم هام أيضا قيمة العمل الجماعي وتجنب البناء على شخص والفردانية . 

من الأمور الإيجابية والتي تسرّ النفس، طبعا أتحدث عن تونس نلاحظ الفترة الأخيرة صحوة في عديد الميادين و هناك مجموعات تعمل وتسعى و تستعد وتبادر ونحن نبارك هذه الخطوات ونحاول أن نساعد بكل ما نقدر عليه هنالك وعي جديد في طور التكوين هنالك محاولات تشبيك بين الأفراد ولابد أنها ستؤتي أكلها و ثمارها ولو بعد حين 

هل من نصيحة تود أن توجهها للشباب أو شي لم نذكره في الأسئلة وترى أنه مهم و تريد أن تشاركنا إياها. 

أختم بهذه التوصيات وهي أنّ أي شخص يريد اتخاذ خطوة عليه أن يدرسها في أبعادها المتعددة والمتنوّعة 

ثانيا على الإنسان الإستثمار في نقاط قوته ولا يغامر في أشياء غير قادر عليها، على الشباب تحسين المهارات قبل الهجرة والتركيز في التخصص وعلى عملية البناء وأهمها بناء الوعي. 

أنصح بتشبيك العلاقات وطلب الاستشارة والنصح، لابأس بطرق الأبواب واستشارة الناس، وأنت تحاول أكيد أن هنالك من سيتجاهلك لذلك لا تيأس ولا تقنط وهنالك الكثيرون منهم من سيساعدك ومن سينير لك الطريق وذلك بطرق مختلفة، أكيد هنالك من سيقف معك وهنالك من سيساعدك ماديا المهم أنك تسعى دائما و إياكم والتقوقع، الذي يتقوقع على ذاته لا ينجح و لن يصل.

الخير في أمتي لقيام الساعة كما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعلنا الله وإياكم مفاتيح للخير ومغاليق للشر كما أخبرنا معلمنا وقدوتنا محمد عليه افضل الصلاة والسلام.