يأتي العيد على المسلمين بعد طاعة، فعيد الفطر يحل علينا بعد شهر رمضان، وهو شهر الطاعة والعبادة، يتزود المؤمن فيه لعام كامل، فهو بمثابة محطة تعبئة إيمانية، يرمم بها المؤمن نفسه ويعيد حساباته لعام ماضٍ، فيستغفر عن الذنوب، ويعدل عاداته السيئة، وكذلك الحال لعيد الأضحى يأتي بعد عشر ذي الحجة ويوم عرفة الذي يقف فيه الحجيج على صعيد عرفة، ويصوم غير الحجيج في بلدانهم فيتشاركون في الفرح والأجر.
يأتي العيد لإحياء ما انطمر من علاقات الناس، أو ما اضطرب منها، يحاول أن يجدد دماء العلاقات المتوترة، أو المنقطعة من الأساس، لعام أو أعوام، يحل العيد ليوسع الآباء على أبنائهم في العطاء، ويلتفت الأغنياء إلى الفقراء فيوسعون لهم بالعطاء.
الصورة الحقيقية للعيد تكمن في الفرح، أن يفرح الإنسان مهما كانت ظروف الحياة قاسية، فإن لم يسعد الحال، فليسعد على أضعف الإيمان المقال، وليكن لسان حالنا مليئا بالفرح، رغم أن ظروف أمتنا وواقع مجتمعنا متراكمة فيها النكبات وخيبات الأمل.
العيد جاء برسالة راقية عظيمة، جاء ليحيي في الإنسان رغبة الحياة وتجديدها، وكأنك ترى الحياة تبتسم بكل تفاصيل من فرحة الأطفال بالألعاب، إلى ثغور الفتيات الجميلات بالابتسامة الهادئة العفيفة، إلى بهجة الأب والأم وهما يريان السرور على محيّا أبنائهما.
من صور العيد الإيجابية أن نقبل على الأيتام فنخفف عنهم ونمسح على رؤوسهم ونعوضهم عما فقدوه من حنان الأبوة، ونشعرهم بتعويض الفقدان، ونجوب بيوت الأرامل ونوسع لهن بالعطاء كي يعشن فرحة العيد وإن كانت ناقصة، فهذه التي تفقد خيمة بيتها الذي رحل في حروب طاحنة لا ناقة لها فيها ولا جمل، وأن نحمل أنفسنا لنقصد بيوت الشهداء ونزور آباءهم، لنقول لهم إن ذهب لكم ولد واحد فها نحن كلنا أولادكم، نملأ هذا الفراغ الحاصل في حياتهم، فالأم في العيد تستفقد ولدها الذي كان أول من يعانقها ويهنئها بالعيد ويدعو لها ويتمنى لها الأمنيات، وهي تنظر له نظرة الحب والحنان، راجية أن تفرح به في الأعوام القادمة فتراه عريسا أو خريجا في العيد القادم، لا تدري بأن أصابع القدر كانت تطوف حوله لتختطفه منها فيكون فقيدها في العيد.
ننتقل لصورة أخرى انتشرت في مجتمعاتنا على مدار العقود الماضية، فقد تحول الإحياء في العيد من الاهتمام بالأحياء أمثالهم إلى العناية بالأموات وزيارتهم، بل يقيم البعض مجلس عزاء عند أول عيد للميت،إنه تجديد للحزن والأتراح في غير وقته ومناسبته، ويتوافد الناس على المقابر كتوافد الحجيج على الشعائر، ولَم أكن أعلم أن عدد الناس مخيف ومهول في العيد، في المقابر إلا قبل ثلاثة أعوام حينما قصدت المقابر مع والدي بعد صلاة العيد، الحشود المتجمهرة حول القبور، لو توجهت إلى بيوت أهلها وأقربائها، لرأيت انسجاماً وإصلاحاً مجتمعياً يتكفل به العيد، فيكون العيد بمعناه الحقيقي، فيعيد للعلاقات المضطربة نصيبها الحقيقي، فتعود المودة.
المؤلم في المشهد، لو التفت إلى أهل القبور، لقالوا لك: والله كنّا في الدنيا أحياء ننتظر زيارتهم ومجيئهم في مثل هذه الأيام، فلا نحفل بأحد، نقضي العيد بمفردنا، نتعايد مع جدران المنازل، ونسلم على أزقة الحي، كم مكث الرجل الطاعن في السن ينتظر زيارة أخيه ولَم يزره، وكم انتظرت الأخت في حياتها أن يقصدها أخوها فلم يقصدها، وكم بقي الإبن يتأمل من أبيه وأهله خيراً، فلم يحصل على شيء، لطالما حدثهم عن أحلامه فلم يجد اهتماماً ولا مراعاة، لماذا نكون محل اهتمام بعد رحيلنا؟! الاهتمام الحقيقي هو في الحياة، أن نكون محل عناية ورعاية من الأحياء، وعند الموت لا نريد أن يزورنا الذي لم يكن يهتم بِنَا في الدنيا.
إن الاهتمام بالأحياء وزيارتهم وإدخال السرور على وجوههم في هذه الأيام، هو واجب الوقت، تصالحوا مع العيد، واجعلوه للأحياء، ولا تنسوا فيه الأموات من الدعوات، وللأحياء تبادل المودة والزيارات.