هل سبق لك وأن شعرت أن مواقع التواصل الاجتماعي تتجسس عليك وتستمع لأحاديثك؟
عندما تتحدث مع شخص آخر حول منتج معين ثم تذهب لأحد منصات التواصل الاجتماعي فتجد إعلانات حول ذلك المنتج؟ أو على منصات الشراء عبر الانترنت؟
لفترة طويلة انتشرت مثل هذه الشائعات أن منصات مثل فيسبوك تستعمل الميكروفون الخاص بالجهاز للتجسس على المستخدمين من أجل استهدافهم بإعلانات خاصة بناءً على الأشياء التي يقولونها.
الحقيقة أن هذا الامر غير صحيح، يقول روبرت جي ريف الخبير والمختص في في تقنيات الخصوصية "تطبيقات التواصل الاجتماعية الخاصة بك لا تستمع إليك، هذه نظرية مؤامرة تم فضحها مرارًا وتكرارًا، لكن بصراحة لا يحتاجون إلى ذلك لأن كل شيء آخر تقدمه لهم دون تفكير هو أرخص بكثير وأكثر قوة." 1
كما أكدت دراسة وتجربة أجرتها شركة wandera المتخصصة في الأمن السيبراني للأجهزة المحمولة أن منصات التواصل لا تستمع للمحادثات الخاصة بك من خلال ميكروفون الهاتف.
وذكر في نتيجة التقرير: "عند فحص النتائج، لم نجد شيئًا يشير إلى أن هواتفنا تقوم بتنشيط الميكروفون أو نقل البيانات استجابة للصوت. كانت التغييرات في استهلاك البيانات واستهلاك البطارية ضئيلة، وفي معظم الحالات، لم يكن هناك تغيير على الإطلاق." 2
وفي مقال حول الموضوع العام الماضي لـ Wired قدم أنطونيو غارسيا مارتينيز، المهندس نفسه الذي طور خدمة الإعلانات المتبادلة الخاصة بشركة Facebook سنة 2011، الحجة التقنية حول سبب عدم استماع Facebook إلينا عبر هواتفنا.
قائلا: بشكل أساسي، سيكون جمع هذه البيانات وتخزينها مهمة ضخمة جدًا "ستنتج المراقبة الصوتية المستمرة حوالي 33 ضعفًا من البيانات التي يستهلكها Facebook حاليًا". و"سيكون مثل هذا التطفل قابلاً للاكتشاف بشكل بارز، حيث يتم إصدار كميات ملحوظة من البيانات على هاتفك الذكي." 3
إذا كيف تتجسس مواقع التواصل علينا وتستهدفنا بالإعلانات الموجهة؟
تجمع التطبيقات على غرار تطبيقات شركة Facebook الكثير من البيانات من أجهزتنا التي نستعملها بشكل يومي، رقم التعريف الفريد الخاص بجهازك (IDFA إذا كنت مستخدم أجهزة iphone وAAID إذا كنت مستخدم أجهزة Android)، بيانات الموقع، الجنس، البريد الإلكتروني ورقم الهاتف، سجلات التصفح، بيانات الأصدقاء وكل حركة تقوم بها تقريبا من خلال التطبيقات بموافقتك طبعا بعد أن قبلت شروط الخدمة وسياسة الخصوصية الخاصة بهم.
كما تقوم منصات التواصل الاجتماعي بفحص الرسائل والتعليقات والمنشورات التي تجذب انتباهك أيضا. ثم تبدأ هذه الشركات بتحليل ومقارنة هذه البيانات ومشاركتها مع مختلف المواقع والمنصات الأخرى، وإذا كان هاتفك موجودًا بانتظام في نفس الموقع مثل هاتف آخر، فإنهم يلاحظون ذلك، ليعملواعلى بناء شبكة الأشخاص الذين تتواصل معهم بشكل منتظم.
وتستطيع شركات المعلنين الرجوع إلى اهتماماتك وسجل التصفح وسجل الشراء لمن حولك ليشرعوا في عرض إعلانات مختلفة لك بناءً على الأشخاص من حولك.
ستقدم لك هذه المنصات في البداية إعلانات لا تريدها، لكنها تعرف أشخاصا مقربين منك وفي تواصل دائم معك ويهتمون بها.
تعتبر بيانات الموقع أمرا مهما جدا لشركات مثل Facebook لأن المكان الذي تتواجد فيه يخبرهم كثيرًا عن نوع الأشياء التي ربما تكون مهتمًا به وعن الأفراد حولك.
وبالنسبة لمنصة Facebook فقط قام المهندس أنطونيو غارسيا بتطوير أحد أهم ركائز Facebook الحالية وهو Facebook Pixel: الذي تعرفه الشركة على أنه كود برمجي يتم إدراجه في مواقع الويب ويسمح بمراقبة سلوك المستخدمين وبناء جماهير مستهدفة وتحسين الإعلانات وهو مثبت على ملايين مواقع الويب.
لذلك عندما تذهب إلى أحد هذه المواقع التي بها Facebook Pixel، فإنه يراقب ما تفعله ويبلغ عن هذه المعلومات إلى Facebook. بحيث يمكنه معرفة المدة التي تقضيها على صفحة ويب معينة، ويمكنه معرفة ما إذا كنت تشتري شيئًا ما، ويمكنه معرفة ما إذا كنت قد وضعت شيئًا في عربة التسوق الخاصة بك على موقع ويب وقررت عدم شرائه. إنها تشبه نوعًا ما آلة مراقبة سلوك المستخدمين على الإنترنت.
كما توجد الكثير من متتبعات الإعلانات الأخرى الموجودة على أي موقع ويب تزوره تتبعك في جميع أنحاء الإنترنت.
أحد الأشياء التي يمكن أن يفعلها Facebook هو أنه إذا أحببت شيئًا ما، فيمكنه الإعلان عن هذا الشيء لأصدقائك.
هذه الشركات بمجرد أن اكتشفوا أن بإمكانهم فعل ذلك، زاد طمعهم وأرادوا معرفة تفاصيل أكثر حول ما كنت تفعله في وضع عدم الاتصال وهكذا توصلوا إلى طريقة لشراء تاريخك الشخصي.
وبالتالي فان هذه الشركات تعرف بشكل كبير مكان تواجدك ومن الأشخاص المحيطين بك وتعمل على مقارنة سلوكك على الأنترنت مع أصدقائك وأقاربك ومن هم من حولك وتعرض لك إعلانات حول أشياء هم يهتمون بها وقد تهمك أيضا حتى وإن لم تذكر ذلك في حديثك معهم.
الأمر لا يتعلق ببيناتك وحدك بل بيانات كل الأشخاص الذين قد تتواصل معهم بأي شكل من الأشكال.. الأمر ليس سحرا إنها مجرد مقارنة البيانات الوصفية المجمعة.
ولهذا أصبحت البيانات أحد أهم الموارد في عصرنا الحالي والذي يتحكم فيها ستكون له القدرة على التحكم في سلوك البشر مستقبلا.
مع ذلك لا أحد يهتم، لقد قررنا أن خصوصيتنا لا تستحق العناء. إنها معركة خاسرة لقد تخلينا بالفعل عن الكثير من أنفسنا لهذه الشركات التي تجني أموالا طائلة بالمتاجرة بياناتنا وخصوصيتنا.
هذا هو السبب الرئيسي في الحرب الأخيرة بين شركة Facebook وشركة Apple حيث قامت الأخيرة بفرض سياسات خصوصية جديدة على التطبيقات في أجهزتها بعد التحديث إلى نظام iOS 14.5 تعرف ب: ATT" App tracking transparency" الذي يمنح المستخدمين حرية قبول أو رفض تتبع التطبيقات لهم وفي حالة القبول يجب على التطبيق إبلاغ المستخدم بكل البيانات يتابعها بكل شفافية، وفي حالة الرفض فلن تتمكن هذه التطبيقات من تتبعك وبالتالي لن تستطيع عرض إعلانات موجهة لك مما يكلفها خسائر كبيرة.
في الأخير، إن مواقع التواصل الاجتماعي لا تتنصت عليك فهي ليست بحاجة لذلك، لكن من المؤكد أنها تتبع طرقا أكثر تعقيدا وخبثا لا يتم التصريح بها، فمن خلال بياناتك التي قدمتها لها وافقت مسبقا على حرية الشركات في استغلالها.