إنّ الصحة الجسدية للإنسان عاملٌ مُهم يُمكِنه من الأداء الأمثَل لوظيفته الحضاريّة، ومما يساعد في ذلك الالتزامُ نظام غذائي متوازن وصحي، وكذلك انتقاء عادات غذائية سويّة، وفي شهر رمضان الفضيل فرصة المسلم لتحقيق ذلك. تُحدثنا أخصائية التغذية "رولا علوش" في هذا النص عن فضائل الصيام، العادات الصحيّة وغير الصحيّة، وكيف نكتسب عادات غذائية جديدة تستمر معنا بعد رمضان؟
1- متى يكون في صومك صحّة؟
إنّ الصيام جُنّة للمسلم وفيه صحة لبدنه، لكن متى أحقق ذلك فعلًا وأستفيد من رمضان؟ لا يحدّث هذا إلا عند ممارسة الصيام بشكل صحيح، بحيث يكون إفطاري وسحوري صحيّين، وعاداتي الغذائية صحيحة.
في السنة، يعمل الموظف إحدى عشر شهرًا، ويعمد إلى أخذ إجازة لمدة شهر حتى يخفف من أعباء العمل، كذلك رمضان، هو إجازةٌ للجسد ومنحة إلهية، إنّه هدية من رب العالمين، ففي فترات الصيام، ينقطع الطعامُ عن الجسم لساعات طويلة جدا ولمدة شهر كامل، حينها يستفيد الجسد بتنقية نفسه بنفسه، ويجدد خلاياه لعدم وجود عمليات الهضم والامتصاص، تتجدد خلايا الدم، وتتم تنقية الكبد والجهاز الهضمي.
لكن، تتحقق هذه الفوائد التي تُرجى من الصيام عندما لا تجرم في حق جسدك، وتتخذ نظامًا غذائيًا صحيًا ومتوازنًا..
2- في رمضان.. 8 سلوكات خاطئة تجنبها!
أولًا، من العادات الخاطئة والشائعة في مجتمعاتنا، تناولُ طعام الإفطار دفعةً واحدةً.
المَعدة عبارة عن عضلة، وعادةً ما تكون خلال يوم رمضان منكمشة، وإدخال الطعام دفعة واحدة على المعدة بكميات كبيرة يؤثر سلبًا على الهضم، وعلى العضلة الفاصلة بين المريء والمعدة، مما يسبب ارتجاعًا مريئيًا، إضافة إلى أنّ المعدة قبل الإفطار تكون مسترخية جدًا ومنقبضة، لما نعطيها كميات كبيرة من الأكل قد يسبب هذا في اضطراب الأمعاء، وهذا ما يحصل كثيرًا، خاصة إن كانت الأطعمة دسمة ومن المقليّات، لذا مما ننصح به تناول طعام الإفطار على دفعتين، فنبدأ بتمر وماء أو كوب لبن أو كوب حليب، أو نصف كوب من العصير الطبيعي، ثم بعد ربع ساعة أو عشر دقائق على الأقل نزوّد المعدة بباقي الأطعمة ولكن بكميات متوسطة، ونوعية تبتعد عن المقليات بشكلٍ عامٍ، حتى نضمن عدم حدوث أي مشكلة صحيّة في الهضم.
ثانيًا، الإكثار من تناول الحلويات في رمضان.
لقد ترسخت قناعات خاطئة بسبب الإعلام وبعض العادات والتقاليد، من تلك القناعات أن الصائم يحتاج إلى طاقة، ولا يجدها إلّا بتناول الحلويات الغنيّة بالسكريات، هذا اعتقاد خاطئٌ تمامًا وعارٍ عن الصحة، إذ أنه بإمكان الصائم أن يأخذ الطاقة من مصادر طبيعية كثيرة مثلًا: من النشويات الموجودة في الفاكهة، الفواكه المجففة والعسل، كل هذا بديل صحي أفضل، علينا أن نركز على إيجاد مصادر طبيعية تمنحنا النشويات، بدل الإفراط في تناول الحلويات، لكن بما أن هذه الأخيرة جزء من العادات، فأنا لا أدعو إلى إلغائها بشكل تام إلّا لمن يستطيع فعل ذلك، لكن من لا يستطيع بسبب اشتهائها أو التزاما بتقاليد معينة فعليه أن يأكلها بكميات قليلة مقننة، ويحاول قدر الإمكان أن يمارس بعد أكلها حركة رياضية.
ثالثًا، تفضيل الاسترخاء بعد الإفطار، وعدم القيام بأي حركة أو نشاط.
من السلوكيات السلبية عند الصائمين التي تسبب في مشاكل تؤثر على الهضم، كالارتجاع المريئي مثلًا، لذا وجب التنبيه أنّ عملية الهضم تحتاج الجلوس أو القيام بحركة خفيفة، ولا تحتاج النوم أو الاستلقاء.
رابعًا، عدم تناول السحور
سلوك خاطئ، لماذا؟ لأنّ جسم الصائم في النهار يحتاج طاقة ويأخذها من وجبة السحور، لكن من الضروري التأكيد على نوعية الوجبة، بأن تحتوي على بروتينات جيدة كالبيض، الفول، العدس، الأجبان البيضاء غير المملحة، ونشويات معقدة كالخبز الأسمر، المعكرونة السمراء، البرغل، والأرز الأسمر، مع حصص من الخضر التي تعطينا نسبة من الألياف التي تشعرنا بالشبع، وحصة من الفواكه التي عادة لا نهتم بها.
خامسًا، عدم تناول الفاكهة.
توجد إمكانية أن يفطر أحدنا على تمرة إلى ثلاث تمرات، لكن قد ينسى تناول حصة من الفواكه، حيث يركز على الحلويات، هذه الأخيرة تعطينا سكر ودهون وسعرات حرارية، نسميها في عالم التغذية بالسعرات الحرارية «الفارغة»، لأنها فارغة من الفائدة، لكن الفواكه تعطينا نسبة سعرات حرارية أقل، وسكريّات طبيعية، فيتامينات، معادن، ألياف وماء، هي كنز حقًا بالنسبة لجسم الإنسان خاصةً في شهر رمضان.
سادسًا، عدم شرب كمية كافية من الماء طيلة فترة الإفطار.
للأسف كثيرا ما يركز الصائم على إكثار الشرب عند السحور، وهذا سلوك غير صحي، لأنّ الماء الفائض عن حاجة الإنسان يتخلص منه الجسم بسرعة، فبعد السحور يلاحظ هؤلاء أن نومهم صار قلقًا، ينبغي توزيع فترات شرب الماء من الإفطار حتى السحور، من كل نصف ساعة إلى ساعة يشرب كوب أو كوبين، ولمحاربة العطش ينبغي أن نأكل أغذية غنيّة بالماء والألياف معا، لأنّ الألياف تساعد الجسم على امتصاص الماء ببطء فلا نشعر حينها بالعطش، والأطعمة التي تحتوي عليهما هي الخضر والفواكه، ونحن عادةً ما نقصر في تناولهما!
سابعًا، عدم ممارسة الرياضة
من الأفكار الخاطئة الشائعة أن الصائم لا يتمكن من ممارستها، على العكس يمكنه اختيار وقتين مناسبين: إما قبل الإفطار بساعة حتى يعوّض ما يفقد من سوائل ومعادن وقت الإفطار مباشرةً عند شربه للماء وتناول الطعام، أو ممارستها بعد الإفطار بساعتين، حين تنتهي عملية الهضم، ويؤديها بكل أريحية، إنّ الرياضة مهمة لمن يريد الحفاظ على وزنه، وكذلك لمن يكثر أكل الحلويات، إنّ فكرة الدخول لرمضان بظّن التعب والإرهاق طيلة أيامه فكرة سيئة، فينتهي رمضان بأوزان زائدة!
ثامنًا وأخيرًا، كثرة المقليّات والمعجنات في مائدة الإفطار غير صحي، ينبغي أن تناولها بكميات قليلة أو استبدالها بالشواء على الفرن.
2- ما هي العادات الصحيّة الواجب اتباعها؟
نُلخّص ما شرحته سابقًا، علينا أن نفطر على دفعتين، بينهما عشر دقائق على الأقل، الدفعة الأولى بها طاقة بسيطة: تمر أو كوب عصير طبيعي، والدفعة الثانية ينبغي أن تحتوي على المجموعات الغذائيّة الخمسة بكميات متوازنة: خضر، ألبان، بروتينات (لحوم، دجاج، سمك، بقوليات والنشويات المعقدة)، والفواكه التي قد تكون ثلاث تمرات عند الإفطار، ونُقسم الصحن إلى أرباع، فواكه، خضر، بروتينات، نشويات وكوب لبن أو حليب، لضمان التزود من كل المجموعات الغذائية وبكميات معقولة، وعلينا الإكتفاء بصحن واحد، وبعد ساعتين في حال الشعور بالجوع، يمكن تناول وجبة خفيفة مكونة من حبة فاكهة أو مكسرات كوب لبن، وتوجد الكثير من الخيارات، أيضًا، يجب عدم الإكثار من المشروبات الرمضانية المليئة بالسكر والعصائر المصنعة وحتى الطبيعية فهي أيضًا تحتوي على نسبة سكر عالية، ونضيف لنظامنا الغذائي عنصر البوتاسيوم لأنه يساعد على الحماية والوقاية من العطش، وهو موجود في الموز، الأفوكادو والأوراق الخضراء.
دون أن نهمل التحرّك وممارسة الرياضة قبل وبعد الإفطار، مع تناول السحور بشكل جيّد، مصداقا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (تسحروا فإنّ في السحور بركة).
3- كيف أجعل من رمضان فرصة لتغيير عاداتي السلبية واكتساب أخرى إيجابية تستمر معي لما بعد رمضان؟
في الحقيقة، فلسفة رمضان جميلة جدًا، هو شهر تدريبي كامل لضبط الشهية تجاه الطعام والشراب كما اللسان على الغيبة والنميمة، والصبر على العبادات، هو دورة تدريبية لضبط النّفس، وفرصة لضبط معتقداتنا وأفكارنا تجاه الطعام، بأن نعتبره مصدرًا للطاقة وليس مصدرًا للامتلاء.
هذا ما يعني كبح الرغبة في الأكل بكميات كبيرة، مع تجنب السلوكيات الخاطئة في النظام الغذائي، ومراعاة تناول النوعيات الصحيّة.
إنّ رمضان فرصة لتغيير العادات وتطوير النظام الغذائي بأن نأكل بكميات أقل ونتحرك بشكل كافٍ حتى يكون وزننا صّحّي وطاقتنا جيدة.
المسلم في رمضان يؤدي الكثير من النوافل وإن كان لا يصليها قبلًا، يتدرب عمليا ثمّ يقرر الحفاظ عليها بعد الظهر والعشاء عند انقضاء الشهر، كذلك قراءة القرآن بأورادٍ يوميّة، فالعادات العباديّة مُركزة في رمضان، ومن الجيد الاستمرار فيها، إنّ فكرة نقل عاداتي الصحية التي اكتسبتها إلى ما بعده فكرةٌ عظيمةٌ أيضًا.
أذكر أني جرّبت في إحدى السنوات أن أقضي شهر رمضان بلا سكر، ووفعلًا أمضيت سنتين بلا السكر الأبيض المصنع، ودون تناول الحلويات ولا المعجنات، كما اكتفيت بتناول السكر الطبيعي في الفواكه المجففة، الفواكه، العسل، والتمر، وجدت معارضة كبيرة من النّاس وسعدت بالتجربة لأنها ساعدتني كثيرا في جعل طاقتي أكبر وتعودت على عدم الإدمان على السكريات، هذه من أكثر العادات التي اكتسبتها طيلة الشهر.
لنرفع شعارًا نلتزم به في رمضان للحفاظ على صحتنا، رمضان هذه السنة أسميته «رمضان نشيط«=»، الفكرة تدعو لمخالفة عادة الكسل ونقص الفاعلية لدى الكثير من الصائمين، انتشار الرغبة في النوم وكثرة مشاهدة المسلسلات، وعكس الليل بالنهار، وإمضاء رمضان عموما دون حركة أو رياضة، هذا رمضان الكسول لا حاجة لنا به، نحن نحتاج النشيط الذي يخطط وينجز دائمًا.