بعد ثورات الربيع العربي وما تلاها من إرهاصات وثورات مضادة، ومع تباين المسارات والأحوال في دول الربيع بقي السؤال الذي يشغل بال الجزائريين يتمحور حول كيفية التخلص من النظام دون تكاليف تعيد للأذهان سنين الجمر والظلام.
حتى جاء حراك الثاني والعشرين فيفري ليخالف التوقعات ويكسر حاجز الخوف من التبعات، إذ يعتبر الحراك الجزائري حالة بعث نفسي تملكت الشعب بعد سنوات من القهر والظلم صاحبها عدم تقدير الذات نتيجة السياسات المتعاقبة لحكام البلاد.
ما شاهدناه خلال ستة أشهر من عمر الحراك يجعلنا متفائلين بنفاذ سنن الله فينا وفي الأنفس والآفاق، وانكشاف شلة المفسدين المستهترين بمقدرات الأمة والمساكين، متفائلين أن العاقبة للمتقين الساعين لإحقاق الحق ولو بعد حين.
هذا التفاؤل يشوبه الحذر الشديد مراعاة لتجارب السابقين ومكر أرباب الجور وأعداء الحرية والانعتاق، فمع مراهنة النظام على تفكك الحراك الشعبي قبل بلوغه مبتغاه عبر اختراقه ثم التضييق عليه أو اختطافه من النظام نفسه أو دولته العميقة بواجهاتها المتعددة، كان رهان المصلحين دوما  يتمثل في وجود صبر كاف لدى الحاضنة الشعبية لإحداث التأثير المطلوب وزعزعة المنظومة القائمة ثم الحصول على مكاسب صلبة يبنى عليها قبل هذا التفكك المحتوم.
فالواجب اليوم هو التذكير والتوجيه والصبر على لَأْوَاء الطريق ومرافقة الجموع بالتقويم والتعديل قبل وقوع الإجهاد الثوري، فما زادتنا الأيام إلا قناعة أن سمة "النفس الطويل" من أوجب  متطلبات الحراك والتغيير، لأن المسير والمصير يتطلب التضحية والصبر الكثير من أجل الدخول في عداد المُمَكَن لهم والوارثين، وكلتا الصفتين لا ينالهما ملول ولا عجول.
قد لا يختلف اثنان أن إعطاء الشارع أهلية سياسية غير منضبطة سلاح ذو حدين، فأحقية المطلب لا تكفي لحدوثه بل يجب أن يمتلك الموضوعية والاستمرارية والقدرة على الاستيعاب بأن عدم قبول المكاسب الجزئية مع عدم القدرة على قبول المكاسب الكلية يؤول إلى خسارتهما معا، لكن لا يصّح تجاوز أس المطالب ولبها فللحراك الجزائري مساران متوازيان، مسار عقابي وجزائي يمس أرباب الفساد وكهنة الاستبداد ومسار أخ له في المسير يعنى بالتأسيس لبناء دولة الحق والبيان، والثاني أشد وأولى والفشل فيه أقسى وأنكى، لهذا لا يجب أن تلهينا نشوة حبس الظالمين عن غاية الحراك ومطلبه، ولا أن يقمعنا تشاؤم العدميين عن ابداء الفرح بمصاب الآثمين والأمر عوان بين ذلك.
إن المتبصر بتجارب من سبق يدرك يقينا أن التوقف في منتصف الطريق حكم بالإعدام على النفس والمسار، فيا من خرجتم يوم استيأس الناس تَعاهَدوا حراككم لا تبرحوا جبل الرُّماة.
ولا يستزلنكم المتساقطون على الطريق، المرجفون في المدينة، المغالون في التخويف، المسارعون لتقديم فروض الطاعة والولاء دون اعتبار للحق والإنصاف.
فإن منعطفات الأمم التاريخية تستوجب المدافعة لا التسليم وتحتاج للمزاحمة لا التخذيل، والحليم من ساهم في تكثير سواد أهل الحق ولم يلقي بالا لمَسْلَمَة الحراك.
مطلبنا كريم وغايتنا جليلة ومبادئنا عزيزة لا يساوم عليها ومن زعم أننا فرّطنا فيها أو تجاوزناها فتلك شنشنة نعرفها من أخزم، وما أولئك الراغبون في التصدر المصادمون لهوية الشعب الساعون للإيهام بتوجيهه سوى شرذمة قليلون بان عوارهم وكُشف أمرهم ونحن أحق بالحراك منهم.

فيا دعاة الحياد الأجوف إياكم أن يؤتى الحراك من قبلكم  فدونكم ‏ القاضي عياض رحمه الله إذ قال:
وذهَب مُعظم الصحابة والتابعين إلى نَصر الحق في فتن المسلمين، والقيام معه، كما أمر الله ...!
قالوا: ولو أبيح الكفُّ في كل فتنة، ولزوم البيوت،
لم يَقم لله حقٌّ، ولا أُبطل باطل !
ولوَجد أهلُ البغي والاستطالة السبيل.