لقد كثرت المقالات والمؤتمرات التي تعالج دور المرأة السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وتضاربت الآراء حول الهدف من هذه القضية بين شقي الرحى
فمنهم من جعلها انتصارا للعَولمة والحرية ومنهم من حكّمها بالشريعة الإسلامية، تاركين حفنة من ضعاف الوازع الديني والجاهلين بمحافل تاريخهم والعالقين في منتصف الطريق، حائرين بين المسلكين أيهما الأصلح! في حين قد حُسمت هذه القضايا على مرّ العصور الإسلامية، سلامُ عليكم لا نبتغي الجاهلين، الحائرين، العالقين!
إن التطرق لمفهوم القيادة هو التطرق لآليات نهضة الأمة التي تستوجب فهم كل إنسان 'رجلا أو امرأة' دوره الذي خلق من أجله، وكون المرأة شقيقة الرجل وركن مساهم في تشييد الحضارة، يجب أن نعيد بلورة أفكارها ودورها الذي تخاذلت وتكاسلت عنه في ظل تحريك الشاشات الفارغة وعقد المعسكرات النسائية التافهة التي أماتت قلبها وثبطت أناملها وأخمدت هِمتها وجعلت منها المُسلمة المنسلخة ذات القالب الغربي، الغير مدركة لأهدافها، والمسايرة للقدوات الخاطئة في أزيائهن وفكرهن حتى انهزمت شكلا وفكرا، وأرضت دعاة الفساد الذين نفذوا إليها بضغطة زر وبدون استئذان .
وهذا ما يقتضي نشر الوعي لإعداد قائدات محكمات بالكتاب والسنة، متوازنات فكريا ومشاركات في صناعة التغيير ومجددات للنصر.
يقول ابن باديس: "علينا أن نكمّل النساء تكميلاً دينيًا، يهيئهُنَّ للنهوض بالقسم الداخلي من الحياة، وإعداد الكاملين ومساعدتهم للنهوض بالقسم الخارجي منها، وبذلك تنتظم الحياة انتظامًا طبيعيًا تبلغ به الإنسانية سعادتها وكمالها"
إن أول منعطف تنزلق فيه دعاوي التحرر الكاذب في المنصب الأنثوي الخاطئ هو تعكّر فطرة الله التي فطر الناس عليها فتغدو هذه القيادية المسكينة أسيرة الأضواء السوداء والإطلالة السّافرة، لاهثة وراء القوامة العاجزة والمساواة الرجالية المزعومة والاختلاط البذيء.
كل ذلك بعناد كبيرهم الذي علّمهم السحر "المنظومة الغربية وأذنابها" تحت غطاء العلمنة والتجديد وحقوق المرأة بيد أن في حقيقتها مؤامرات تُحاك ضدّها لتشويش فكرها ورفع حجاب الدين والمبادئ عنها على قارعة الظهور والتنافس المنبوذ والقيادة الفاسدة.
وعكس ما تروج له هذه المنظومات الغربية العفنة من افتراءات حول ظلم الإسلام للمرأة نجد أن الآيات القرآنية والأحاديث النبوية تظهر حقائق وبراهين واضحات لا تحتاج لشك أو طعن في إتاحة الإسلام للمرأة آفاق واسعة لمشاركتها في الدور القيادي داخل أو خارج محيطها بدون غلوّ أو تفريط أو مشقة ولكن بضوابط شرعية وعقيدة تامّة تكرم ذاتها وتُعلي مقامها وتحقق لها الطمأنينة القلبية والانشراح الصدري وتحفظ سلوكها الإنساني من الوقوع في الكبوات.
فأي الأدوار خير؟ وفقَ الأهواء والفلسفات الغربية!؟ أم وفق الأصول والمقاصد الشرعية!؟
إن النماذج في صدر الإسلام على تولي المرأة الدور القيادي زاخرة ومتنوعة، فقد وظّفت لنا أسمى معاني السعي الجاد والرؤية الثاقبة والهمة العالية والتعاون الحثيث والهدف المبين بتحكيم المبادئ والشريعة والإنسانية في تنفيذ الغاية المنشودة.
فقد كانت النساء في الغزوات وساحات الوغى كرفيدة الأسلمية ونسيبة بنت الحارث وأم سليم بنت ملحان الخزرجية وغيرهن ‘حين استدعت الضرورة خروجهن' يصنعن الطعام ويداوين الجرحى ويسقين الماء ويضحين بأنفسهن.
وكذلك السيدة عائشة رضي الله عنها تلك المرأة العالمة الذكية والرائدة في مجال الفقه والطب والتفسير والخطابة وغير ذلك، فقد كان يفد إليها الجميع لتلقي العلم عنها فتُعلم الرجال والنساء وتفتيهم في أمور دينهم ودنياهم حتى أصبحت نموذجا في علم وتعلم المرأة المسلمة.
ولنا مثال آخر عن الدور الاستشاري للمرأة، فالإسلام لم يحرمها من إبداء رأيها واتخاذ قرارها واستشارتها في تخصصها مادامت عاقلة ذات رأي سديد ملتزمة بضوابط التعامل مع الرجال ومخالطتهم، فقد شاور الرسول صلى الله عليه وسلم وهو النبي المعلم القائد زوجته أم سلمة رضي الله عنها في الحديبية فأخذ برأيها الراجح لحل مشكلته، فلا فرق بين مشورة الرجل والمرأة طالما أنها رزينة، وبهذه الكيفية تحترم وتصان المرأة وتعامل بأرقى المعاملات.
إن المرأة المسلمة تمارس رسالتها حيث حلت، وتؤدي دورها القيادي في البيت أو في العمل، فالمرأة التي لا تخرج، تؤدي دورها داخل بيتها، فتكون مثالا للزوجة السكن لزوجها في ظلال بيت تسوده المودة والرحمة والمعاشرة الحسنة، ولنا في خديجة رضي الله عنها قدوة، الزوجة الحكيمة الوفية الحنون التي زملت رسولنا صلى الله عليه وسلم حتى ذهب عنه الروع وبشّرته حتى اطمئن وأعانته على تبليغ دعوته حتى انتشرت فخُلّد اسمها بأول امرأة آمنت به ونصرت رسالته.
هل ستخرُج لنا في قادم الأيام أم عظيمة تقول لابنها كما قالت أم سفيان لسفيان: يا بني، اطلب العلم وأنا أكفيك بمغزلي.
بيتك هو أعظم مصنع تنتجين فيه القادة وتخرجين منه الرجال، أن تكوني أما عظيمة يعني أن تجاهدي في صقل معارف أبنائك وتوجيههم الوجهة السليمة ليعيدوا مجد أمتهم فتحققي أعلى مراتب القيادة وتلقبي بصانعة الأجيال.
يقول ابن نبي: "الواجب أن توضع المرأة هنا وهناك حيث تؤدي دورها خادمة للحضارة، وملهمة لذوق الجمال وروح الأخلاق، ذلك الدور الذي بعثها الله فيه أمًّا وزوجة للرجل.
من خلال الأمثلة المختارة تفهم المرأة المسلمة دورها الرسالي القيادي وتتحمله أمانة أُلقيت عليها فترفض كل الدعاوي الزائفة وتخضع لشريعتها وبما أملت عليها فطرتها السليمة.
فأنيري بقدراتك ومواهبك العلمية أو الأدبية أو الحرفية أو الأمومية ولا تخرجي من أجل منافسة الرجل فللرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن،
بل مثّلي دورك بما حباك الله من ظروف بيولوجية أو اجتماعية خاصة بطبيعتك الأنثوية وتدثري بلحاف الوقار والعفة والحجاب فإنهن الباقيات المنجيات.