نضم ملف كورونا إلى عديد الملفات التي أثارت الجدل حول الإدارة الأمريكية الحالية، والتي قد تكون من الحالات الفريدة بالعالم، حيث وصل الفيروس إلى مرحلة الانتشار لا بسبب الإمكانيات الصحية، ولا نتيجة لتقصير بالبحث العلمي، ولا حتى ضعف الدولة أو نقص الوعي المجتمعي. لكن، وعلى نقيض غيرها من الدول فإن المسؤولية تقع على عاتق الإدارة السياسية للبلاد.

 وبهذا على ما يبدو، يكون شهر عسل الرئيس الأمريكي مع الناخبين قد وصل إلى نهايته. مع صعود أرقام البطالة إلى أعلى مستوياتها منذ سنوات، حيث سجل أكبر تصاعد بنسب البطالة بتاريخ الولايات المتحدة، حيث قفزت بأقل من 3 أشهر من 3% إلى ما يقارب 18%.

وانضم أكثر من 6 ملايين أميركي إلى قوافل العاطلين عن العمل خلال أسبوعين فقط من شهر آذار، بالإضافة إلى الهبوط الحاد الذي قسم ظهر البورصات حيث تبخر أكثر من 11 تريليون خلال الشهر الفائت وحده. وهو بالمناسبة نفس الرقم الذي أضافه ترامب خلال فترة رئاسته كاملاً. وحتى تدرك حجم الأزمة التي تواجه إدارة ترامب، لابد وأن نذكر بأن أعداد الوفيات بسبب كورونا قد فاق ضحايا الحادي عشر من سبتمبر، كما فاق حجم الأثر الاقتصادي بأضعاف حتى الآن.

وعند النظر إلى طريقة إدارة أزمة بهذا الحجم، نجد أن الإدارة الأمريكية قد أغفلت بالأساس المخزون العلمي المدعوم بقطاع صحي متفوق، لتدير الأزمة بعقلية اقتصادية أقل ما توصف به هو التهور وإيلاء الاقتصاد الأولوية على حساب العامل البشري. 

وعليه، تواصل التخبط بإدارة ملف كورونا، حيث كشفت الصحف الأمريكية بأن صهره (جاريد كوشنير) يدير فريق في الظل لإدارة الأزمة، فيما الفريق المكلف رسمياً (المتشكل من خبراء الصحة والأوبئة بقيادة نائب الرئيس) والذي يعمل على مدار الساعة لتقديم المشورة للرئيس لا يعرف حتى عن وجود فريق الظل ذلك. فما أن يقدم الفريق الرسمي توصياته الرسمية للرئيس ليتخذ بناء عليها القرارات اللازمة، حتى يعود الرئيس ليغير رأيه لاحقاً، بعد استماعه إلى كوشنير. وبالطبع فإن فريق الظل هذا، شكل حالة من الارتباك لدى فريق الخبراء وأدى إلى التخبط بإدارة الملف ككل.

وعلى هذا المنوال يواصل ترامب وإدارته فقدان المكاسب المتحققة خلال سنين فترته الأولى بشكل مثير، وتستمر هذه الإدارة بتقديم حصة دسمة للتاريخ لم يسبقها ربما أي إدارة سابقة. ففي ظل أزمات مشابهة في العادة، جرى العرف بأن يلتف الجميع حول الإدارة التي تقوم بالعادة بإلقاء بيضها -منطقياً- في سلة أصحاب الاختصاص من العلماء. 

إلا أن الواقع هنا مختلف، فقد وصلت الحالات حتى الساعة إلى أرقام مهولة، فقد وصلت الإصابات إلى ما يقارب 350 ألف والوفيات قفزت إلى حدود 10 آلاف في عموم البلاد، فيما قد تكون بعض الولايات قد تخطت بالفعل مرحلة الاحتواء مثل نيويورك.

ومع استمرار سلسلة القرارات غير الصائبة، فعلى ما يبدو بأنه لم يعد من المبكر الحكم بأن حلم ترامب بفترة رئاسية أخرى قد أصبحت من الماضي، بعد انكشاف كامل لطريقة هذه الإدارة بالتعامل مع الملفات الشائكة. 

حيث أن كيفية إدارة ملفات مشابهة يتوقف عليها حياة الآلاف من الأمريكيين عادةً ما يؤثر بشكل مباشر بشعبية الرئيس. وكنتيجة مباشرة، فإن استطلاعات الرأي بدأت بالميل نحو كفة نائب الرئيس السابق جو بايدن، وهذا كله قبل حتى نهاية الانتخابات التمهيدية للديمقراطيين، وقبل أن يعلن بايدن ترشيح نائباً له والمتوقع بأن تكون سيدة والذي ما من شأنه إضافة مزيد من تأييد الناخبين له مقابل ترامب.

عاملان ربما سيرجحان الانتخابات -في حال جرت في وقتها-، وهما ارتفاع وتيرة الأزمة في الأسابيع القادمة، بالإضافة طبعاً إلى عامل الوقت، فكلما طال أمد الأزمة كلما اقتربت أحلام ترامب لفترة رئاسية أخرى من التلاشي، إلا في حال حدوث معجزة.