لَخيرُ الأمم التي سادت وشادت وبَنت هيَ أمّةُ الإسلام، فقامت مقامًا لم يَقُمه غيرها لعقودٍ طويلات، وخرّجت لنا هذه العقيدةُ الربانية أعلامًا سطّروا المجد، وازدانت صفحةُ التاريخ بِأعاجِيبِ سيَرهم.. فأينَما وليّت وجهك تجِدُ لهم على الأرضِ أثراً ومَعْلمًا، مهما حاول شانؤهم طمسَهُ قامتْ لهُم رفات الأمجادِ تُحارِبُهم
"أنثروا القمحَ على رؤوسِ الجبال لكي لا يُقال: جاعَ طيرٌ في بلاد المسلمين" هذا الذي تعرِفُ ديار الإسلام حكمتُه، هذا الذي يعرفُ السيفُ ضربته، فأنى لكَ أن تجهله؟! هذا الذي يعرفُ الحِبرُ منزِله، وتحفظُ المحاريبَ دمعتُه.. ألا زِلتَ تَجهلُه؟!
أُمويُّ الأصالة، وخليفة شام الشهامة
إنه عمر بن عبد العزيز الخليفة العادِل والأمير الصّالح، من عَلِم أن الخليفَة أجير عند الأمة لا جابياً للمالِ نهّاباً! من قال في موقِف له على رؤوس الأشهاد: أيها الناس، إني قد ابتُليت بهذا الأمر عن غير رأي كان مني فيه، ولا طلبة له، ولا مشورة من المسلمين، وإني قد خلعت ما في أعناقكم من بيعتي، فاختاروا لأنفسكم.
أَنتَ المبَارَكُ والمهـديُّ سـيرتُه.. تعصي الهَوى وتَقُومُ الليلَ بالسّوَرِ
أصْبَحتَ لِلْمنبرِ المَعْمُورِمَجلِسُهُ… زيناً وزينَ قِبَابِ المُلـكِ والحُجَرٍ
ماتَ النبيل، ومرّت عقود تلوَ عقود، وها هي معاول الحِقد استطالت قبره، ليس لأنه عمر فحسب سليلُ بني أميةَ من يجري في عروقِه الدّمُ العمريّ، بل لأنه من أمة أسقطت وثنيّتهُم، وأهانت جبروت طُغاتِهم وأعادت عبيدَهم أحراراً، ونزعتْ عنهُم جُبّة المُلِك وأخرجتهُم من دائرة الملك أذلةً وهم صاغِرون. التاريخ يعيد نفسهُ، فوقفة الإنتقام الطائفية على قبرِ -عُمَر- وقِفت من قبل عند صلاح الدِّين!!
فالمكائدُ تحاكُ بالأمةِ من كلِّ جانب، وسهامُ الكُره من كلِّ حدب وصوب، فشغلهم الشّاغل أن يطمِسوا ماضينا المشرِّف، ويشوِّهوا صورة رموزنا وأعلامُنا، لأنهم يعرفون إن لاحَ قبس النهضة، واشرقت شمسُ التغيير، وأضاء شعاع الفِكر وضياء المعرفة عند جيلنا الصاعد، سيعرفون حينها أننا سنعيدها سيرتها الأولى، يوم أن ملكنا المعمورة بحول الله وقوّته.
وعلى الجيل الذي يصَّعَّد بنا نحو الرُّقي أن يعلم، إن أصابت الأمة كبوة أو ضعف في حُقبة، فلن تخمد جذوة الحضارة التي صنعها الكرام السابقون، وإن أمة ملكت مشارق الدُّنيا ومغاربها لهي نفسها من ولِدْنا من رحِمِها.
وفي عالمنا الإسلامي لدينا وقفات إسلامية قوامها تاريخ أمة عمرها أكثر من 1400 عام فإذا لم نعتزَّ بها، ونزرع بذوراً أتت من تلك السنابل، لن نجني ثمارًا بها نسودُ الأمم.