رثاء القرآن الذي هجره المسلمين- نقد أدبي 

خطر لي وأنا أفكر في الكتب وعالم القراءة والتفكير، أن المسلمين الذين يعيشون في المجتمعات التي فيها المسلمين أغلبية في الشرق الأوسط لا يقرأون الكتب سواء كتب علمية او فكرية أو فلسفية أو ثقافة عامة. فمعدل قراءة الفرد العربي المسلم في الشرق الأوسط من أضعف المعدلات مقارنة مع شعوب العالم المتطور مثل اليابان وأوروبا.

 ولقد صدق وزير الدفاع الصهيوني عندما وصف حال العرب: "أن العرب لا يقرأون، وإذا قرأوا لا يفهمون، وإذا فهموا لا يعملون". فلنقل أنهم هجروا الكتب الثقافية والعلمية والفلسفية لأنهم غير مأمورين بها بواسطة سلطة غيبية أو بشرية. ولكن ماذا عن الكتاب الذي أرسله لهم الله من سبع سماوات، هجره المسلمون بقراءته حفظاً وتجويداً للحصول على حسنات.  

فهجروا كتاب الله الواحد إلى كتب التفاسير، ومن التفاسير إلى الروايات، ومن الروايات إلى التراجم، ومن التراجم إلى الشروحات، ومن الشروحات إلى مأثورات الصحابة، ومن المأثورات إلى المذاهب، من المذاهب إلى الشيوخ، من الشيوخ إلى أنفسهم والأنا.

كتاب يأخذك في رحلة عبر العوالم والأزمنة والأمكنة وحيث لا زمان ولا مكان ولا شيء إلا هو، فيعطيك حقائق التاريخ والمستقبل التي أخذت آلاف السنين في آيات قصيرة متكاملة المعنى مترابطة السياق مفهومة للمجتهد الصادق النية.

كتاب يغطي كل ما فيك من حاجيات ومتطلبات نفسية وجسدية وروحية وعقلية، فيخلقك خلقا جديدا لم تعهده من قبل، فهذا هو حاله معك إذ يعطيك الروح ليحيي النفس الميتة في الشهوات والأهواء والمطامع لتصبح خلقا جديدا .

كتاب يغذيك بنور وبركة تمشي بها في الناس، فتتكلم فيستمع إليك الناس، فتقوم لقضاء حاجة شخص تنقضي حاجته دون قيامك فقط لأنك نويت قضاءها له، يصيبك هم واكتئاب يرشدك إلى خيارات الفرح والسعادة، تدخل طرق فيها ظلمات ومجرمين لا تعرف نهايتها يرشدك لطرق الخروج من الظلمات إلى النور. 

هَلْ قَرَاْتُْ مثْلَ هَذَا كتَابٌ؟ أَكتَابٌ علْميٌ فيه هذا! أكتابٌ فلسفيٌ فيه هذا!أكتابٌ فكريٌ فيه هذا؟ أكتاٌبٌ روائيٌ فيه هذا أكتابٌ تفسيرٌ فيه هذا! أكتابٌ شروحاتٌ فيه هذا!أكتابٌ مذهبيٌ فيه هذا! "ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين. ذلك الكتاب الذي ضيعه المسلمين. 

 

بينما المسلمين يقرأون كتب الفلاسفة الماديين وكتب التراث يحفظونها ظهرا ولا يقرأون كتاب الله حق القراءة!. 

فيقرأونهُ حفظاً وترتيلاً، ويقرأونه ختماً وتجويدًا، ويقرأونه إدغامٌ وإخفاءٌ 

فَيًا مَنْ أَنْزلت لهم كتابك---أيقرأ كتابك ألفاظ وألحان

فأين التدبر في قراءته----وأين التفكر في إشاراته

وأين التفقه في معارفه ----وأين التفلسف في بواطنه

أَهَجَرَ المُّسْلمينَ كتابهم وَهُمْ لَيْسُوا بهَاجريه!

فذلك تفسير علان بن فلان، وتلك شروحات فلتكان بن علان، فيا من خلقت من كتب التفاسير، أأنزلت في كتابك طلاسم وتشفير، أَهَجَرَ المُّسْلمينَ كتابهم وَهُمْ لَيْسُوا بهَاجريه!

أم أنت علمت المفسرين والشارحين ما لم تعلمنا، أم أنت آتيتهم عقلين يفهمون به، وآتيتنا قدمين في رؤوسنا نقرأ بها، أيقرأ كتابك بالتفاسير والشروحات، أَهَجَرَ المُّسْلمينَ كتابهم وَهُمْ لَيْسُوا بهَاجريه!

وهم موتى ونحن أحياء، وهم ذهبوا ونحن أبقياء، فيا من أنت باق حي لا تموت، أنأخذ علم كتابك من الموتى ونترك الحي، أَهَجَرَ المُّسْلمينَ كتابهم وَهُمْ لَيْسُوا بهَاجريه!

ولا يقراونه بحثاً وتعليماً، ولا يقرأونه تفكيراً وتأويلاً، أأتي زمن لا يعلم الكبير فيه، أأتي زمن لا يفقه الفقيه فيه وزمن لا يعقل الحكيم فيه، أيقرأون كتاب ربهم ولا يطلعون منه بعلما، أَهَجَرَ المُّسْلمينَ كتابهم وَهُمْ لَيْسُوا بهَاجريه! "وقال الرسول صلى الله عليه وسلم يا رب إن قومي اتخذوا هذا القراَن مهجورا".