الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه، وبعد، كم من مرة عزمت أن تبدأ في اكتساب مهارة جديدة، أو عادة إيجابية، ووضعت برنامجا فيه خيري الدنيا والآخرة، أو ممارسة رياضة، أو قراءة كتاب، أو تَعَلُّمِ لغة ثانية، أو مباشرة مشروع معين… لكن سرعان ما انطفأت جذوة حماسك، وتراجعت قوة رغبتك. إما بدأت في تنفيذ ما بدأته ولم تُتمه، وإما لم تبدأه أصلا وبقي حبرا على ورق.

في كل مرة نستيقظ فيها، نواجه تحدي التغلب على الخمول ونعيش مستثمرين كل إمكانياتنا. إنه أكبر تَحَدٍّ في تاريخ البشرية. تجاوز المبررات التي نصادفها، والقيام بما هو ملائم، وتقديم أفضل ما لدينا وتحقيق حياة تستحق الدرجة التامة التي نتمناها فعلا".

وكثيرا ما يتعلل الناس بأعذار واهية.. سوف أبدأ حينما أنهي الدراسة.. حينما تأتي العطلة.. حين يأتي الربيع..حينما يأتي الصيف.. حينما يأتي الخريف.. حينما أتقاعد.. حتى يفاجئك الموت.

ما سر اعتقادك هذا؟ فالأمر بالنسبة لهم أن الغد من المفروض أن يكون أفضل، دون أن يكون لديهم أي استراتيجية لجعله أفضل. والواقع أنه كلما زاد شعور الناس بالإحباط تجاه اليوم، زادوا تَوهُمًّا بأن الغد سيكون أفضل. وهؤلاء لم يستفيقوا إلا بعد أن تحول حاضرهم إلى ماضى"

يهمُّ المرء أنْ يعمل عملاً صالحًا يعودُ عليه بالخير في الدُّنيا والآخِرة، فيوسوس له الشيطان قائلاً: لماذا لا تؤجِّل هذا العمل إلى أوَّل الأسبوع؟ ويستَجِيب له الإنسان، ويأتي أوَّل الأسبوع وينشغل صاحبنا ولا يعمل شيئًا؛ فيضيع عليه ثوابُ ذلك العمل الصالح.

وتخطُر ببال طالب العلم فكرةٌ مهمَّة في شأنٍ من شُؤون العلم، تخطُر بباله هذه الفكرة وهو مُستَلقٍ في الفراش، فيهمُّ بالقيام لكتابتها ثم يتردَّد ويقول لنفسه "سأكتُبها غدًا في الصباح عندما أستيقظ"، وتميلُ نفسه إلى الراحة، فيخلد إلى ذلك، ويأتي الصباح ويُحاوِل أنْ يتذكَّر تلك الفكرة فلا يجدُ لها في ذهنه أثرًا؛ ذلك لأنَّ الأفكار التي تخطر على المرء إنْ لم يقيِّدها فورًا، ذهبت وطارت، وربما لن تعود.

إن الأمل في مستقبل واعد دون الاستثمار في اليوم، يُشبه حال المزارع الذي ينتظر المحصول دون أن يزرع أية بذور.

قد يكون لديك مليون عذر تَحُول دون بدئك الآن، ولكن في أعماق قلبك لا يوجد واحد منها أقوى من رغبتك في التغيير، وتنمية ذاتك، ورغبتك في تحقيق النجاح. قد يكون لديك شيء واحد تندم عليه في غضون شهر أو عام أو خمسة أعوام، ألا وهو أنك لم تبدأ لحد الآن. 

ولسوء الحظ فإن الكثيرين ينتهجون نهجا في منتهى السلبية تجاه حياتهم، إذ لا يبادرون في يومهم وينتظرون الغد المأمول الذي قد يأتي أو لا يأتي. لذلك فالسواد الأعظم من الناس لا يسيطرون على حياتهم بل يرضون بها وكما يقول جون ماكسويل "لن تستطيع تغيير حياتك، إلا إذا غيرت شيئا تقوم به يوميا."

ويقول روبين شاورما "أكثر ما يُحزن في الحياة هو أن يلتفت المرء في نهايتها ويعرف أنه كان بُوُسعه أن يعيشها أفضل ويعمل أفضل ويحظى بالأفضل". لكن للأسف ومن سوء الحظ تقول بعض الإحصائيات أن حوالي 95% من الناس يعيشون بما هو دون طموحاتهم، ويتقدمون بأقل من قدراتهم بكثير، ويواجهون مصاعب في معظم المجالات. وأن حوالي 5% فقط هم الذين يعيشون وفق طموحاتهم وهم المؤثرون في العالم.

وقد قيل: لا تُؤجِّل عملَ اليوم إلى الغد؛ ذلك لأنَّ الإنسان يتعب إذا أدَّى الواجبات اليوميَّة من شُؤون الدين والدُّنيا التي يجب أنْ يقوم بها، فكيف يجمع على نفسه عملَ يومين إذا هو أجَّل؟!

سارعوا… في القرآن الكريم نجد آيات كثيرة تدعو إلى المسارعة إلى فعل الخيرات واغتنام الفرص النافعة.

قال الله تبارك وتعالى ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [آل عمران الآية: 133]. ففي الآية الكريمة دعوة إلى المبادرة إلى فعل الخيرات والمسارعة إلى نيل القربات. وقال سبحانه ﴿سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ﴾ [الحديد الآية: 21]. ففي الآية دعوة إلى "المسابقة إلى رضوان الله بالعمل الصالح، والحرص على ما يرضي الله على الدوام، من الإحسان في عبادة الخالق، والإحسان إلى الخلق بجميع وجوه النفع.

وفي السنة النبوية نفس الأمر نجد أحاديث كثيرة تدعو إلى المبادرة إلى فعل الخيرات، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي فقال: ((كن في الدنيا كأنك غريبٌ، أو عابر سبيلٍ)).

وكان ابن عمر رضي الله عنهما يقول: (إذا أمسيتَ فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحتَ فلا تنتظر الـمساء، وخُذْ مِن صحتك لِمرَضِك، ومن حياتك لِمَوتك) رواه البخاري.

قال ابن دقيق العيد رحمه الله: فما أجمَعَ هذا الحديث لمعاني الخير (شرح الأربعين لابن دقيق العيد (126).

قال المناوي رحمه الله: وهذا الحديث أصل عظيم في قِصر الأمل، وألا يتخذ الدنيا وطنًا وسكنًا، بل يكون فيها على جَناح سفر مهيأً للرحيل، وقد اتفقت على ذلك وصايا الأمم، وفيه حثٌّ على الزهد، والإعراض عن الدنيا (فيض القدير (5/ 67 )

نحن في سباقٍ مع الأجل والأشغال، والمرض والصوارف الكثيرة؛ فعلينا أنْ نغتَنِم الفرصةَ المتاحة لنا الآن، فما ندري هل تبقى مُتاحةً لنا؟! لذلك لا داعى للتسويف والمماطلة في البدء بالأعمال المهمة والمفيدة. وقد عقَد الخطيب البغدادي بابًا في كتابه "اقتضاء العلمِ العملَ" بعنوان: باب ذم التسويف [ص 113]، وقد جاء فيه: قِيلَ لرجلٍ من عبد القيس: أَوْصِ، فقال: احذروا (سوف).

إذن يجب أن تبذلوا 100% من جهدكم يوميا. وما تقصرون في بذله اليوم، لن تعوضوه غدا. فإذا بذلتم 75% اليوم، فلن تستطيعوا بذل 125 % من جهدكم في اليوم التالي.

وأحد مفاتيح الحياة الرائعة، والسيرة الناجحة والشعور بالمتعة حُيال ذلك، هو أن تطور عادة البدء وإنهاء الأعمال الهامة؛ إن هذا السلوك سَيَقْوَى ويصبح لك عادة، وستجد من الأسهل إنهاء الواجبات المهمة. لا تَنْسَ.. ابدأ الآن وليس غدا.. الآن وليس اليوم الذي تريده.

اللهم اجعل يومنا خيرا من أمسنا، واجعل غدنا خيرا من يومنا، واجعل خيرنا في دنيانا وآخرتنا واحشرنا في زمرة المتقين.