في كل مجتمع هناك مؤثرون في محيطهم، تنظر لهم الناس على أنهم مثال للتميز، أو الشخصية الناجحة، وربما البعض يجعل منهم قدوة، يقتدون بها خلال مسيرة عملهم أو مشاريعهم أو في بناء شخصياتهم، وهذا الأمر ينطبق على جميع أفراد المجتمع، باختلاف مهاراتهم واختصَاصاتهم واهتماماتهم.

ولو نظرنا لتلك الفئة من المجتمع "المؤثرون" لوجدنا بأن جلهم لديه شغف بالعمل، وإرادة في تطوير ذواتهم، وإصرار على زيادة الوعي الفكري، وزيادة ثقافتهم في مختلف مجالات الحياة.  

فعندما ركّزوا على الصُّعود بعقولهم نحو الأفضل، نجحوا في توسيع دائرة الأشخاص المتأثرين بشخصياتهم، والواثقين من قدراتهم، فتَكوَنَ عندهم جمهور ينظر لهم نظرة القدوة، والطاقة الإيجابية التي تعطيهم جرعات الأمل خلال خطوات حياتهم لرسم أهدافهم المستقبلية.

في الحقيقة هم بشر.. لا يختلفون عنا كثيرًا، لكنهم حدّدوا اتجاه بوصلتهم، وحملوا مسؤولية الحياة، وعرفوا قيمة عقولهم، وكيف يديرونها في المستقبل ويستخدمونها في أن تكون ذات أثر.

لكن المعضلة التي تحيط بنا اليوم، هي التملص من عبء المسؤليات، والتفلت من أتعابها، رغم أن الأمة اليوم أحوج ما تكون إلى جيل يصَّعد بها نحو مستقبل أفضل من الذي تعيش به في الحقبة الراهنة، فقليلا ما تجد من الشباب الصاعد من يحمل على أكتافه هَمّ التغيير، وبذل المجهود من أجل أن تعود أمتنا تصارع بقوتها ووعي شبابها الأمم الأخرى.

قد تدعوهم الكثير من الأسباب الواهية للتفلت من المسؤولية المحيطة بهم، منها الخوف من الفشل والمجهول، وعدم القدرة على المواجهة والتنظيم والإدارة، وضعف الشخصية وعدم الجرأة، وتربية الأهل للنشئ على الكسل والخمول، والمجتمع المحيط ونظراته الإقصائية، وغيرها من الأسباب.. لكن الحقيقة من يتأمل صفحات العظماء المؤثرين يرى أنهم دخلوا التاريخ من أوسع أبوابه، عندما شقّوا طريقهم بين الصخور، وواجهوا أعتى المصاعب، ومرُّوا بمراحل تنهك العقل قبل الجسد، وتكاد تقول عزائمهم كفى، لكنهم انتصروا على جراحهم وأتراحهم من أجل بلوغ أهدافهم.

فالمُؤثرون كانوا غالبيتهم شبابًا، لم يستكينوا لعثرات الأيام وحواجز الظروف، وصنعوا ما صنعوا بعلو الهمة، وتحديد الأهداف وتصويب سهامهم نحوها، والانطلاق خلفها لتلقف صيدها، وصنع الفرص للحصول عليها، والوقوف على أطلال الماضي الذي يمتع العاطفة لهنيهة من الوقت، دون التجهيز للمستقبل وحث الخطا لتحقيق الأهداف حيث يقف العقل مذكرًا بها.

فهؤلاء "المؤثرون" هم من يفرغون طاقاتهم بالبحث في قضايا تهم الأمة جمعاء وترتقي بأفكار شبابها، وإن كانت بخطى بطيئة لكنها ثابتة تنشر الوعي والشعور بالمسؤولية لتَجعل من الفرد جماعة، ومن الجماعة أمة من الشباب المؤثر إيجابًا بما يعود عليه وعلى أمته من النفع والخير العميم.

ومن هناك يجب علينا أن ندرك أن المسؤولية تعنينا جميعًا -فالأمة تحتاج الجميع- ولن نصل بمجتمعاتنا إلى مرحلة ننافس بها العالم، إلا إذا خرجت عقول جديدة، مميزة فكريًا وسياسيًا وثقافيًا، تكافح من أجل بناء الوعي بكلِّ شعب من شعاب بلداننا العربية، من المغرب العربي مرورًا بالشام ووصولاً إلى جزيرة محمد صلى الله عليه وسلم.