صلى عليك الله يا علم الهدى واستبشرت بقدومك الأيام، هتفت لك الأرواح من أشواقها وازينت بحديثك الأقلام، وُلِد النبي الحبيب عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم عظيمًا وعاش عظيمًا محبوبًا ومات عظيمًا تشتاق جُل أمته لِلُقياه. 

في العام السادس من الهجرة خرج عليه الصلاة والسلام وصحابته رضوان الله عليهم وجموع من المهاجرين والأنصار لأداء فريضة العمرة، ولكن شاء الله أن لا تتم هذه العمرة ولكن حدث فيها بيعة الحُديبية الشهيرة وبيعة الرضوان التي تتجلى فيها جميع مشاعر الحب والإخاء والغيرة بين المسلمين ورسولهم الكريم، حيث أرسلت قريش عُروة بن مسعود الثقفي إلى المسلمين إذ هُم قيام بالحديبية فعندما عاد إليهم قال: أي قوم، والله لقد وفدت على الملوك كسرى وقيصر والنجاشي والله ما رأيت ملكًا يعظمه أصحابه كما يعظم أصحاب محمد محمدًا. ونصح لهم بقبول شروطه والتفاوض معه.

وفي هذه الأيام تتكرر الحوادث المُسيئة لأحب خلق الله إلى خلقه، وهذه الإساءة لا تبدو إلا من هم عديمي الإيمان والدين، من قَبلُ الدنمارك والآن فرنسا التي لا يبدو أنها اتعظت بمن سبقوها، يرسمون من إذا ماشى أحد الناس طاله واذا اكتنفه الرجلان الطويلان طالهما فإذا فارقاه كان وسطًا. يرسمون استهزاءً من لا يعرفون عنه ولا قليل علم رغم ادعائهم المعرفة المطلقة، ووالله لو عرفوه لما فعلوا ما فعلوا ولبكوا شوقًا للقاءه.

عندما تُقابل الإساءة على أنها جزء من المُسيء ستقل ردة فعلك تجاهها، إن هذا الأمر حتمًا جزء منهم فلا يليق بنبي الله وحبيبه ولا بُخلقه فإنه لعلى خلق عظيم، تعاملوا معه على ما هم أهلٌ له وليس ما هو أهلٌ له، لو كانوا على أسوأ الفروض يدينون بأي ديانة لعلموا كيف يكون الشعور ولما فعلوا ذلك، يظنون أنهم يسخرون من شخص وينتقصون فردًا وإنما نبينا وحبيبنا هو في قلب كل مسلم.

 هم لا يعلمون قصة كفاحه ويتداولون قصة كفاح هتلر، لا يعلمون مدى عدله وقسطه ويدعون المساواة والحرية، لا يعلمون حُسن خُلُقه ويدعون الأخلاق، لا يعلمون حلمه وكرمه وقسما لو كان بيننا لسامحمهم مثلما فعل مع أهل الطائف، لا يعلمون تضحياته وآلامه ويجهلون عن الراحة التي يلقاها في قرآنه العظيم الكريم ويُنادون بأهمية الصحة النفسية ويحتفلون بها وينشرون قصص الانتحار بسبب ضعف الايمان.

وسبب كل هذا أنهم لا يملكون قدوة ولا يملكون أسوة حسنة، لا يشعرون بولاء ولا انتماء ولائهم وانتمائهم فقط لكل ما يُنمي مالهم وهذا سبب تعاستهم ولا يدرون أن النبي الأُمي سيد المعجزات وخاتم الأنبياء والمرسلين يقول: تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، لا يُدركون أهمية ذلك ولا يفهمون معناه، كل هذا من فراغ نفوسهم وخواء أرواحهم التي لا يؤمنون بوجودها، حقًا إن حالهم يدعو للشفقة. لا غريب في الأمر إنها عادة من يشعر بنقصه يحاول أن يخفيه بالإنتقاص من الآخرين ولو يدري أن الأمر يزيده نقصانًا لحفظ ماء وجهه.

نتيجة هذه الرسوم حصدوها هجومًا ومقاطعة وخسائر في الأنفس والثمرات، ولم تنقص من شأن نبينا ولا من أمته بل رفعت قدره عندهم ووحدت صفوفهم. الأروع من كل هذه المقاطعات لنصرته هو اتباع سنته، فقد عاش عليه السلام يوصي ويرسم ويُخطط لنا الطريق لكي لا نضل من بعده وكم من مرة قد رددنا قوله عليه السلام: عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ.

وكم في موقف أخذنا الدليل من قوله: هذه سنتي من رغب عنها فليس مني. لديهم في عالمهم إذا أحبوا أحدًا قلدوه تمامًا وبكل عمى، فمالنا لا نُقلد حبيبنا ونتبعه على كل بصيرة وهدى، عندها يكون الأمر أكثر إيلامًا لهم، فليس محمد عليه السلام وحده من يؤرق مهجعهم وإنما جميع أمته، إننا نحبه ونتبع سنته وهديه ونقتدي بخُلقه شاؤوا أم أبوا فليموتوا غيظًا، وعليهم أن لا يتوقعوا أن مجرد رسوم ستهز من صورته لدينا، بل عند العودة للسنة والإقتداء به في كل صغيرة وكبيرة وحبه كما يجب والاطلاع على جميع أحواله سيكون الرد عندها أقوى من المقاطعة وأحسم للجدل ـ وإن كانت المقاطعة هي اللغة التي يفهمونهاـ.

 فإنه عند قراءة السيرة النبوية بالتفصيل والعروج على جميع أحداثها بدقة ويجعلك تنتقل ما بين حب واحتواء وألم وسعادة وفرحة النصر وأمل الدعوة وقوة العزيمة وحزن الفقد ومرارة الحرمان إلى اللحظة المُفجعة حين يرتد على النبي الحبيب طعم السُم الذي تناوله بخيبر وتجد أنك لا تملك عينيك من الحزن فتفيض حزنًا لمعرفتك أن هذه السيرة العطرة قد اوشكت على الانتهاء وتزيد من النحيب شوقًا لرؤيته والإجتماع عنده في جنات الفردوس.

لكن هذه السيرة العطرة حقًا لم ولن تنتهي فإن صداها يجب أن يتردد على كل لسان ليسمعه كل أفاك أثيم، يجب أن تُعاد أحداثها وتُطبق وقائعها ليراها كل معتدٍ ظلومٍ جهول، فنصرة له ولدينه ولنا أجمعين علينا إحياء سنته، والسنة هي ما أُثِر وثبت نقله عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير.

السنن الفعلية

السنن الفعلية هي الطريقة التي كان عليها عليه الصلاة والسلام، طريقته في المشي، كيفية وضوءه، كيفية نومه كيفية وأوقات سواكه كيفية تعطره وكل ما كان يفعله عليه أتم الصلاة والتسليم وله كل الحب والود، ولا تتجلى لنا هذه السنن الفعلية بوضوح تام إلا بمدارسة سيرته الطاهرة ومعرفة كيفية تصرفه في جميع الأحوال. من السنن الفعلية على سبيل المثال وليس الحصر: صلاة الضحى والتراويح والسنن الرواتب وصلاة العيدين والنوم على الشق الأيمن والعقيقة وصلاة الكسوف وغسل الجمعة. وعلى كل مسلم ومسلمة أن يحاول الوصول إلى القتداء التام بخير الأنام وسيد الكونين والثقلين رضي الله عنه وأرضاه وجعل الجنة متقلبه ومثواه.

السُنن القولية

السنن القولية هي الكلام الصادر عن النبي صلى الله عليه وسلم من لفظه، وتتنوع الأقوال في السنة حسب المواقف ويسهل التعرف على السنن القولية من الأحاديث النبوية الشريفة، ومن أروع الكتب التي تشمل الأحاديث كتاب رياض الصالحين للإمام النووي حيث يحتوي على كمية كبيرة من الأحاديث التي تتراوح ما بين نصح وارشاد ووعظ وتحفيز وتخويف وشرح لأحوال النبي عليه الصلاة والسلام وصحابته رضوان الله عليهم، كما أيضًا علمنا النبي صلى الله عليه وسلم من خلال أحاديثه وسيرته ماذا علينا أن نقول في كل وقت وحين. ومن السنن القولية على سبيل المثال لا الحصر: أذكار الصباح والمساء وأذكار النوم واذكار الاستيقاظ من النوم والدعاء قبل وبعد الوضوء الدعاء بين الأذان والإقامة دعاء لبس الثوب الجديد دعاء السفر والسنن القولية في الصلاة، والكثير جدًا من السنن القولية التي من شأنها أن تُعطِر لسان الفرد وحياته وفكره وتسلي نفسه.

السُنن التقريرية

السنن التقريرية هي كل ما حدث بوجود النبي صلى الله عليه وسلم وأقره ولم ينهى عنه، وهذه السنن هي أيضًا بنفس أهمية السنن القولية والفعلية وليس كما يُقلل من شأنها البعض، فهناك العديد من الأفعال والأعمال التي كان يفعلها الصحابة رضوان الله عليهم ويُقرهم عليها الحبيب عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم وإن لم يفعلها هو، كأكل أنواع معينة من الطعام أو من أساليب التجارة وحتى المباهاة والمفاخرة في الحروب والكثير من أفعالنا اليومية التي لو لم يُقرها عليه الصلاة والسلام لكان من الواجب علينا إجتنابها.

و هكذا إن نتمسك بسنته لن نضيع ولن نُذل ولن نُهان، بل ستقوى عزيمتنا وتتوحد صفوفنا وهمومنا وأهدافنا ووسائلنا وتتقارب أفكارنا وأعمالنا وتتآلف أرواحنا وتقوى محبتنا وتمسكنا بديننا ونصرته والدعوة إليه، ونَعود جسدًا واحدًا كالبُنيان المرصوص.