عند مرور بعض الأفراد بضائقة مالية فإن الحل الغالب يكون في الاقتراض سواء من صديق أو جار أو رب عمل، ويلجأ الأفراد إلى البنوك للاقتراض في حال إنشاء المشاريع أو العقارات الكبيرة أو الشركات ويكون على المقترض أن يرضى بسياسات البنك المفروضة وإلا فلن يكون هناك قرض. عند الحديث عن الاقتصاد فإن الأمر لابد وأن يكون متعلقا بالبنوك، فما أثر البنوك والمال على الدول واقتصادها وسياساتها؟ 

لمعرفة الوقائع الاقتصادية وتوقع مواضع ازدهارها ونكساتها علينا تتبع عديد من الأحداث التاريخية لمعرفة الأسباب المؤدية إلى الأوضاع الراهنة والمستقبلية، وإذا أخذنا نظرة خاطفة إلى الوراء في التاريخ سنجد أنه في مدينة فرانكفورت في ألمانيا من عام 1750 قد كانت بداية الحكاية، حيث استقر اليهودي آمشل موسى بور مؤسس عائلة ومؤسسة روتشيلد شبه المتحكمة في اقتصاد العالم، إذ أن أحد أبنائه قد قام بالاجتماع مع كبار رجال المال في العالم داعيا إياهم لتوحيد قواهم وفكرهم لفرض سيطرتهم وزيادة ربحهم من العالم.

 فكانت جماعة الصرافيين أو المرابون يقومون باستغلال كل صغيرة وكبيرة لتدر عليهم أرباحا فاحشة برأس مال لا يذكر، كانت هذه الجماعات تفتعل الحروب بين عديد من الأطراف غير آبهة بنتيجة الحرب وخسائرها وأرباحها بالنسبة للطرفين، وإنما ما يعود عليها بالنفع من هذه الحرب من بيع الأسلحة للطرفين وإقراض القروض مع نسب فائدة ضخمة وبضمانات عالية لتُحقق أرباحاً طائلة بجانب قروض ضعيفة.

 يتم تقديم القرض إلى الدول الضعيفة بفرض سياسات الفائدة والضمانات المرغوبة لديهم ثم يتم تغيير السياسات في منتصف الطريق فتخسر الدولة جميع السندات المقدمة كضمانات وتدخل في ديون أكبر من سابقتها ثم يقومون مرة أخرى بتقديم قرض مع سياسات أكثر إغراء فلا يكون أمام الدولة سوى القبول.

وكان أول ما اتجهت إليه هذه الجماعات هو السيطرة على بنك بريطانيا المستعمرة التي لا تغيب الشمس عن ممتلكاتها، حيث قامت بخلق أزمات في وسط الأسواق البريطانية مستغلة الحروب النابليونية الفرنسية، إلى أن انخفضت قيمة عملتها وحدث انهيار في معظم السلع والمنتجات والأسهم والعقارات، وقامت هذه الجماعات بشراء الأسهم والسندات والعقارات مستغلة هذه الأزمة التي أحدثوها عن طريق الإشاعات المحضة وبعد انتشار الحقيقة مباشرة كانوا يملكون أرباحا لا تحصى من هذه النكسة، وقاموا بتقديم القروض للدول ودعمها في الحرب في مقابل أرباح عالية وضمانات قيمة وكانت القروض تتضخم بذلك عاما بعد عام إلى أن أصبحت هذه الجماعات هي الراعي الرسمي للمملكة المتحدة. وما لا يسعنا أن نغفل عنه هو أن أمريكا أقوى عضو في منظمة الأمم المتحدة كانت مستعمرة من قبل بريطانيا آنذاك، فهل تأثرت أمريكا بهذا الحديث؟

عند الحديث عن الاقتصاد العالمي واقتصاد الدول وتحديدا الدول النامية ودول العالم الثالث، لا يمكننا أن نتغافل عن ذكر البنك الدولي أو صندوق النقد الدولي اللذان ينتميان تماما لمنظمة الأمم المتحدة، فهل لنا أن ننظر قليلا في تاريخ هذه المنظمات ومؤسساتها وسياستها المتبعة؟ وعندها لن يفوتنا أن نرى مطابقة ما حدث قديما لما يحدث الآن.

أميركا عندما كانت بين براثن الاستعمار البريطاني، الذي كان يتولى إنتاج عملتها ويتحكم فيها لإجراء عملياتها التجارية وكل المداولات اللازمة لها، عندما انتبه رجال المصارف العالميين والمتمثلون في آل روتشيلد إلى هذا الأمر، اتضح لهم أنه يمكنهم استغلال هذا الوضع لربحهم الشخصي، وأيضا خطر استقلال أمريكا وازدهارها من حيث الاعتماد الكلي على عملتها، فأملت مباشرة قوانينها على بريطانيا بحكم سيطرتها عليها بأنه لا يسمح للمُستعمرات بإنتاج عملتها ذاتيا وإرغامها على الاعتماد على البنوك المستعمرة لها، فما كان من بريطانيا إلا أن نفذت القرار وخضعت أمريكا له، فبالتالي أصبحت العملة المتداولة في أمريكا لا قيمة لها، وفي المقابل كان عليها تقديم ضمانات للبنك البريطاني ليمدها بالسيولة لمتابعة عملياتها وأشغالها، أما بنك إنجلترا فقد رفض تماما أن يقدم أكثر من 50% من قيم الأوراق النقدية الأمريكية وبذلك خُفضت قيمة السيولة الأمريكية إلى النصف تماما.

 نتيجة لذلك تفشى الغضب بين أفراد العشب نتيجة الضرائب الباهظة والعقوبات المفروضة عليهم فاندلعت الحرب بين البريطانيين وأهالي المستعمرات إلى أن أعلن الكونغرس في عام 1776 إعلان الاستقلال، ودامت بعدها الحروب لبضع سنين جنى خلالها المرابون أموالا وأرباحا طائلة عن طريق دعم بريطانيا بالجنود المرتزقة والأسلحة إلى أن أعلنت بريطانيا الاستسلام بعد سبعة أعوام من الحرب الضروس وأُعلن استقلال أمريكا رسميا، وما كان من النتائج إلا أن ازدادت ديون بريطانيا لصالح المرابين.

 توجه نظر المرابون صوب أمريكا وانهال اهتمامهم على أن لا يقوم اتحاد بين الولايات الأمريكية لسهولة استغلالها متفرقة وصعوبة إدارتها مجتمعة، فبذل المرابون قصارى جهدهم في السيطرة على الاقتصاد الأمريكي إلا أن جميع محاولاتهم قد باءت بالفشل.

إذ أن الدستور الأمريكي قد صيغ بعد الاستقلال لينص على أن أمريكا تملك حق إصدار النقد، لم يتردد المرابون في إشعال نار الحرب مرة ثانية وكان هدفها إفقار الخزينة الأمريكية للحد الذي يجعلها تتوسل للسلم والمساندة المالية، وبالفعل نال المرابون مرادهم وخضعت أمريكا لشروطهم وأقنعوا بريطانيا بإعادة استعمار الولايات الشمالية ووقفوا في وجه كل من حاول مساندة هذه الولايات وأعادوها إلى ما قبل الاستقلال.

 وضع المرابون بنود إنشاء المصارف وسياستها وقاموا بتحديد رأس المال اللازم لإنشاء كل بنك وهو مليون دولار في مقابل شراء سندات من الحكومة قيمتها 50% من رأس المال كضمان للسيولة المقدمة للبنوك، وفقا لهذه الشروط تمكن أصحاب المصارف من إيقاف تقديم القروض وسحب السيولة وقاموا بخفض قيم القروض لدرجة أصبح معها المدينون غير قادرين على سداد ديونهم فوضعوا بذلك أيديهم على العقارات والسندات المقدمة كضمانات، والتي تفوق قيمتها قيمة القروض المقدمة كثيرا.

 عندما سيطر آل روتشيلد على مصرف إنجلترا أصروا على أن يكون غطاء العمل هو الذهب، وهكذا لم تستطع انجلترا التحكم تماما في النقد الأمريكي إذ كانوا يستخدمون الفضة في سبك وإنتاج العملة المعدنية، أرسل المرابون مباشرة مندوبا يمثلهم إلى أمريكا بحجة اقتراح مشروع إصلاح العملة المعدنية وكان الهدف الحقيقي هو إفقاد الفضة قيمتها، وبعد أعوام عديدة وبسط مزيد من النفوذ قاموا بإصدار قانون جديد ينص على أنه يجب سحب الشهادات الفضية والأوراق التابعة للخزينة من التداول فورا ومن إصدار عمل جديد يكون غطاؤه الذهب.

استمر أصحاب المصارف العالميين في عمليات سحب السيولة مما أدى إلى حدوث حالات إفلاس وانهيار مالي ضخمة جدا مع الاستمرار في الحجز على العقارات والمزارع والممتلكات المرهونة، كل هذا للتمكن من زيادة الوضع سوء وتوترا لبث الحركة الثورية في البلاد التي يهدفون لنشرها في العالم.

 تكررت هذه الحوادث وسلاسل الفشل والإخفاق ودوام الانهيار المالي في أمريكا، ليقوموا في كل مرة بإيصال أحد أيديهم التي يعملون من خلالها للسلطة ظاهريا لمعالجة الوضع وحقيقة ليزيده سوء، إلى أن توصلوا لإنشاء الاحتياطي الفيدرالي في عام 1913، وحقيقة كان هذا القانون يسمح لرجال المصارف في أوروبا وأمريكا بالسيطرة على أموال القارتين مما مكنهم من افتعال الحرب العالمية الأولى التي لم تكن إلا وسيلة لقيام الثورة الروسية عام 1917، في حين أن الشعب قد اقتنع تماما أن هذا الأمر يصب في مصلحته حيث أن الاحتياطي الفيدرالي لن يسمح أبدا بإفلاس المصارف التي تقوم بالإيداع عنده، وبهذا أصبحت السيطرة مفروضة على القارتين واللتان بدورهما قد سيطرتا على العالم.

وهكذا بتتبعنا لما يحدث لدول العالم الآن يمكن لنا أن نرى جليا نفس هذه السياسات المتبعة على الدول، حيث تقوم بإقراض القروض للدول النامية وفرض شروطها وعقوباتها وفي المقابل نجد أن القروض لا تقدم إلا بودائع من الذهب والسندات، ثم يتم تغيير الشروط وسحب السيولة وإعادة إقراض القروض وزيادة رصيد الديون على الدول حتى يضيق الخناق بها وتصبح تحت سيطرتها.

 وإنه بدراسة تاريخ هذه الدول ومعرفة تطورها والسياسات الاقتصادية المسيطرة عليها فإنه يمكننا التعرف على السياسات التي تلت تلك الأحداث إلى الآن، لأن هذه الدول هي نفسها التي تُعتبر الدول المسيطرة على اقتصاد العالم حاليا.