عندما نودع رمضان ندرك كم ظلمنا أنفسنا بالظن أننا ضعفاء الإرادة لا نقوى على فعل ما نريد،  ثم نكتشف أخيرا أننا أقوياء قادرون، ومسؤولون عن قراراتنا وتصرفاتنا.
ليالي العشر المباركة التي كان فيها نبينا يشد مئزره، علمتنا معنى الفاعلية،  بفلسفة أخرى علمتنا الاستراتيجية القائلة :" ضاعف جهدك!" ليالي معدودات ضاعفنا فيها الجهود والغرس استعدادا لحصاد وفير تخبئه لنا الأيام، هكذا لابد من إضاءة هذه الشعلة في قلوب الجيل، بأن العمل والجهد المضاعف يجلبان لنا الخير والنصر، فكما الأجر من الله لا يُستمطر بالنظر إلى السماء هكذا دون عمل، كذلك النهضة والنصر لا يتحققا دون صراع وتغيير وعمل، نبدأ به من عند أنفسنا، " قل هو من عند أنفسكم".
وعندما كبر الإمام تكبيرة الإحرام تحرك الشعور بالوقت في دواخلنا بل وبالثانية الواحدة، أصبحنا نتراكض خلف الثانية الواحدة، قدّرنا قيمة الوقت من غير أن نشعر فكان هذا الإضفاء صورة من صور عزة الإسلام واستعادة مجدهم، وكل سجدة كان يكبّر للسجود فيخرّ آلاف المصلين على جباههم فتشعر وكأن الكون كله سجد وخشع فؤاده لله عز وجل.

في الليلة الأخيرة، قرر البعض أن يودع رمضان إلى رمضان القادم، أن يحزم حقائبه ويسافر في رحلة حياته من غير زاد روحي يتقوى به، وقرر آخرون أن يستمر معهم رمضان طول العام، هنا يكمن فن إتخاذ القرار بين أن نكون رمضانين أم ربانيين!
هل سمعت بالمثل القائل " الفرصة الحقيقية هي التي تغتنمها"؟! رمضان كذلك، العشر الأواخر، وليلة القدر أيضًا، عليك أن تغتنمها وتقتنصها بكل ما أوتيت من قوة، هي ما تحدد كيف سيكون عامك من السعادة والتوفيق والرضا، فإياك أن تكون محروما! وكما قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "الفرصة تمر مر السحاب، فانتهزوا فرص الخير"

رحِمنا الله فبعث لكل واحد منا من يقوي إيمانه ويذكره وينصحه، فلم يكن الفرد منا يصد هجوم شيطانه منفردا، بل بوجود الصحبة الصالحة التي ترافقه والقدوة الحسنة التي يتطلّع إليها، يمكن لنا أن نجعل هذا المدّ يشمل كل أيام عامنا وكل مواقف أيامنا وكل مجالات حياتنا لنكون حقا خير أمة أخرجت للناس.

لعل البعض نسب لرمضان التهالك والضعف، وفرغ شهره للصيام وتفرغ من كل عمل ينفع به أمته، ربما أنسانا طول العهد ومرور الوقت الفتوحات العظيمة التي حققها المسلمون في رمضان حتى سمي مباركا، ففيه فتح المعتصم عمورية في السادس من رمضان سنة 223 هـ استجابة للصرخة التي استنجدت قائلة " وامعتصماه"، ومعركة العبور في العاشر من شهر رمضان سنة 1393 هـ التي انتصر فيها جنود الحق على المحتلين الصهاينة، وارتفعت رايات الحق عالية خفاقة، وفي الرابع عشر من رمضان سنة 666 هـ فتحت أنطاكية على يد الظاهر بيبرس، والتي كانت تخضع لحاكم صليبي من أشد الحكام أذى للمسلمين وتعذيبا لهم .
ولا يمكن أن ننس غزوة بدر الحدث الأهم في السابع عشر من رمضان والتي كانت فرقانا بين الحق والباطل حتى أطلق عليها القرآن " يوم الفرقان".
كل ذلك كان يُحدثه رمضان، عندما علم السابقون أنه شهر للفتح والتغيير، لا للصيام فقط والاتكاء على الأسِرَّة منتظرين رحيله.

رمضان يمد لنا طوق النجاة كل مرة بعد أن نكاد نغرق في بحر المعاصي والظلمات لسنة كاملة، نشعر أننا نبصر ولكننا ندرك بعده أننا أصبحنا أفضل بكل شيء، حتى بصيرتنا أصبحت ترى بوضوح أكثر، لأننا تقربنا من الله، ربما شبرا أو ذراعا أو باعا أو أقل من ذلك أو أكثر! أتى رمضان انتشلنا طهرنا أخرجنا كيوم ولدتنا أمهاتنا "ورمضان إلى رمضان كفارات لما بينهن ما لم تغش الكبائر".
رحل رمضان بعد أن علمنا أنه كان بإمكاننا أن نصوم فُرادى وأن نصليَ فُرادى ولكن الله أراد لنا أن نؤديَ كل تلك الشعائر مجتمعين لا متفرقين، لندرك كيف تقوينا الوحدة وتشكل كياننا وتجعلنا جبلا شامخا أمام الأمم الأخرى، مصداقا لقوله تعالى:" وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا".
 رحِمنا الله فبعث لكل واحد منا من يقوي إيمانه ويذكره وينصحه، فلم يكن الفرد منا يصد هجوم شيطانه منفردا، بل بوجود الصحبة الصالحة التي ترافقه والقدوة الحسنة التي يتطلّع إليها، يمكن لنا أن نجعل هذا المدّ يشمل كل أيام عامنا وكل مواقف أيامنا وكل مجالات حياتنا لنكون حقا خير أمة أخرجت للناس.