الحمد لله انتهيت من رحلة ممتعة مع رواية: (حلما كان، واقعا صار..!) للكاتب صالح كولن بعد أن طال العهد بيني وبينها.. وهذه رواية تاريخية جميلة ترحل بنا إلى قصة ذلك الشاب الشهم الشجاع الذي زرع والده في قلبه حب خدمة الإسلام وأهله ومد يد العون إلى المظلومين. وجعل الشاب هذه مهمة وحملها على عاتقه وتخطى تيارات الغشم والعدوان وأطفأ كل نار توقد لمؤامرة طغيان.. حتى بنى دولة رآها في حلمه شجرة وارفة تكون ظلا رحبا لقارات ثلاث.! 

وهذه الدولة العظيمة كانت ملجأ لكل مسلم ولكل مظلوم أيا كانت ملته. وكل ذلك كان نتيجة تعبه المستديم وجهده الجهيد وفكره الدائم وتخطيطه الدقيق وفوق كل ذلك إخلاصه العميق وإيمانه الراسخ. وفي عهد هذه الدولة كان للمسلم والد وللمظلوم ناصر وللهفان معين وللأقصى حارس وللإسلام خادم..

فهذه الرواية تتحدث عن تلك الجهود التي بذلها ذاك البطل الشهم وأعوانه لإعلاء كلمة الله وثمارها التي قطفها في عهد حياته وتتوقف عن الحديث عند وفاته.

وإني لأعتقد أن كل من له أدنى معرفة وذرة علم بتاريخ الإسلام قد عرف البطل وعرف اسمه ودولته! فذلكم الغازي عثمان بن أرطغرل رحمه الله ورحم كل من خدم الإسلام وجزاهم عنا خيرا وتلكم الدولة العثمانية العظيمة.

الدولة العثمانية وحقيقتها

وأنا بقولي السابق عن الدولة العثمانية لا أحاول أن أخلع عليها ثياب العز والمجد المطلق، بل أقر الوقائع التاريخية التي تشير إلى أخطاء وقعت فيها هذه الدولة. ولكن اعلم أن ليس في العالم شيء يسمى كاملا فضلا عن أكمل إلا رب العزة سبحانه وتعالى، وكل ذلك مقام الباحثين والمتخصصين في مجال التاريخ، فلا أود أن أخوض فيه تطفلا.

إنما أنا هنا أنظر إلى ذلك الأساس الذي تم عليه بناء هذه الدولة، وإلى واضعه المخلص الذي أخذ القلوب قبل القلاع والمدن. وكان دائما يذكر نفسه ومن معه أن كل عمل يقومون به إنما هو لإعلاء كلمة الله جل وعلا، حتى لا تتشتت النوايا وتحيد عن الطريق القويم، وذلك كان الأساس.. ومنه أيضا الإخلاص والتقوى وخدمة كل مسلم وكل مظلوم والوقوف بكل شجاعة أمام جيوش الغشم والاضطهاد وغيره، فكفى بالدولة العثمانية شرفا أنها دامت أكثر من ستة قرون بهذه القيم الجليلة وإن وقع خلل في بعض فتراتها. وهذا بالطبع من نتائج جهود الغازي عثمان رحمه الله وأعوانه ومن سار على نهجه. 

وقد اجتمعت في هذا البطل الألمعي صفات القائد المحنك والرائد المجرب الذي يكون محل أمل للطيب ومحط رعب للعدو، وربى أبناءه وأهله وشعبه على هذه الصفات الراقية ليكونوا حاملي لواء الإسلام إلى الأبد بكل صدق وأمانة. 

وسيجد القارئ تلك الصفات في مطاوي هذه الرواية إذا قرأها قراءة عميقة لا سطحية. وفي الأخير أذكر إخوتي أن التاريخ الإسلامي له أهمية كبيرة، فهو - أولا وقبل كل شيء - هويتنا! ومن جهل هويته فعقباه معروفة! وفقنا الله وإياكم لما يحبه ويرضاه.