يتميز شهر رمضان الفضيل بطاعات مخصوصة تتظافر كلها لتحقيق مقصد تشريعه إن رعاها الصائم خرج من الشهر وكأنه ولد من جديد بفضل الله تعالى وهي:

1- العناية بالصيام فهو العبادة الأصلية لشهر رمضان والذي على أساسه تتحقق الغاية من الصيام  فيكسب الصائم ما ينشده من صلاح وتقوى، وفق قوله تعالى في سورة البقرة: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) )).

والعناية بالصيام في شهر رمضان تكون بانصراف المسلم إليه إيمانا به، لا مكرها ولا مقلدا لغيره، قاصدا الأجر والثواب من الله تعالى كما جاء في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ)).

فهو العمل الصالح الذي خصه الله بأن نسبه إليه دون سائر الأعمال، ما لم يفسده صاحبه بما يقع بين بعض الصائمين من مشادات وخصومات في شهر رمضان. وفق ما جاء في الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((قال الله عز وجل: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام، فإنه لي وأنا أجزي به، والصيام جنّة، وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث، ولا يصخب، فإن سابّه أحد أو قاتله فليقل: إني امرؤ صائم)).

وعلاوة على هذا السبب الرئيسي المفسد للصيام المتعلق بالمشاحنة والخصومة بين الصائمين فإن ثمة أعمال سيئة كثيرة يجعل اقترافُها شهرَ رمضان مجرد مناسبة للمشهدية الشخصية والاجتماعية التي تمنع صاحبها من الارتقاء إلى مقام أجر الصيام ومقاصده، بل تزيده بعدا عن الله إذ لم يراع حرمة الشهر فلم يُقوّم نفسه المنحرفة رغم تحريرها بتكبيل مردة الشياطين وترَكها تغرق في أقوال وأعمال مشينة باطلة معوّجة مائلة عن الحق مغشوشة لا تصدر إلا عن أصحاب الجهالة والتفاهة، وهذه الأعمال كثيرة ومتنوعة بعضها ينتبه إليها الصائم ويتجرأ على اقترافها دون خوف من الله، وبعضها خفي أو مرتبط بالطباع يُقدم عليها وهو لا يشعر بأنها أفسدت صيامه، وهي كلها تدخل ضمن الحديث الذي رواه أبو هريرة - رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ وَالْجَهْلَ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ».

ومما يُضيّع الصيام أعمال كثيرة أخرى تظهر وكأنها من المباحات أقل ما فيها من السوء أنها تُضيّع الوقت فتحرم الصائم من اغتنام هذه الدورة التربوية السنوية المحدودة بثلاثين يوما سرعان ما تنقضي، وأخطر ما فيها أن الانشغال بها يفتح إلى أبواب كثيرة من الآثام المفسدة للصيام، ومن هذه الأعمال الانشغال بالمسلسلات والبرامج التلفزيونية التي تُعدّ خصيصا لشهر رمضان، والتي أصبح الكثير منها من تدبير المحاربين لله ورسوله الذين يقصدون كسر حرمة رمضان بين المسلمين، ومنها  المبالغة في تصفح الهاتف وما يعرض من مشاهد تافهة أو مفسدة للعقل أو المزاج أو الأخلاق والدين، ومنها الانشغال باللعب واللهو عن الذكر والمساجد والطاعات، ومنها كثافة الاتصال بالغير من غير طائل ولا مصلحة دينية أو دنوية، وما يجر ذلك من هدر للساعات والتورط في الغيبة والنميمة، ومنها السهر الطويل مع الأصحاب في ما لا فائدة منه سوى استهلاك الصحة والأوقات وربما ارتكاب الذنوب والآثام أو إمضاء أوقات كثيرة في الأسواق والإسراف في المشتريات وإعداد الأطباق الكثيرة التي لا يؤكل منها إلا القليل، ومنها كذلك كثرة النوم التي تبلّد العقل وترهّل الجسم وتنقص الأجر وتتسبب في الغفلة وقسوة القلب،  وما كثرة النوم  إلا تفريط في الأوقات الثمينة التي يتيحها شهر رمضان وإن هي في حقيقة الأمر إلا إنقاص إرادي للعمر.