واهم من يعتقد أن الاستسلام ينهي المعاناة، واهم من يظن أنه يتكبد خسائر حرب لا ناقة له فيها أو جمل! واهم من يظن أنه رهينة طرفي نزاع منسلخا دون وعي عن هويته وقضيته السامية والأساسية التي تلاحقه حتى في أنفاسه!
حاول العدو مراكمة خرقه للوعي الجمعي الفلسطيني عبر سلخه عن مقاومته وأدواته المشروعة والضرورية للتحرر في السلم والحرب وبطرق مختلفة ليفتت هذه الكتلة الكبرى والإرادة الجمعية وينسف تطلعاته نحو نيل حقوقه محاولا خلق أولويات أخرى لديه مجتمعا وأفراد في ذيلها التخلص من المسبب والمسؤول الأول عن معاناته وهو الاحتلال.
فساد السلطة، اندفاع المقاومة، جهل النخبة، عمالة البعض، وخراب البنية التحتية، كلها لا تغير من أن أكبر وأول أولوية لدى أي مجتمع هو التخلص من الاحتلال.
في أحد المقابلات مع أسير محرر تحدث عن الفرق الجوهري بين الحرية والتحرر. أما الحرية فهي النتيجة الحتمية لتحرر العقل والوعي والمشاعر من الأفكار الشاذة والمشتتات التي تحول دون ترتيبه أولوياته.
مع ذلك، فإن ماكينة الحرب التي يخوضها العدو اليوم ضد لبنان وسوريا ودول الطوق والضفة الغربية وليس فقط غزة، يكشف عما يدفن الكثيرون رؤوسهم في التراب هربا من مواجهته. حقيقة المشروع الاستيطاني التوسعي متجاوزا حتى ملهاة التفاوض والمسار السلمي وحل الدولتين الذي أصبح خلف ظهورنا جميعا.
الخلاصة واحدة، نحن أمام اسرائيل الجديدة والتي بدأت بالتمدد والسيطرة منذ ثلاثة عقود واليوم تخوض حربها الأطول التي قال عنها غالات: إن هزمنا فيها فلا مكان لنا على هذه الأرض.
ومعيار النصر والهزيمة الأساسي هو الديموغرافيا ولهذا عنوان الحرب التي بدأها المستوطنون في القدس والضفة الغربية هو التهجير .. ليس هذا فحسب، بل تقمص شخصية صاحب الأرض البسيط متفوقا على بعض أصحاب الأرض الذين تركوا القرى هربا نحو المدينة أو حتى بحثا عن هوية أخرى خارج الأرض!
وبالتالي فإن الحرب ليست على صورة نصر أو على نزع سلاح أو مائة أسير بل هي حرب وجود، طويلة وصعبة، ينتصر فيها القوي إذا حقق هدفه الكبير بتجاوز تحديات بقاءه لعقود قادمة؛ وينتصر فيها الضعيف بصموده وثباته وعناده وطول نفسه.