كانت المرأة مستضعفة في المجتمعات الجاهلة بحقوقها والتي هي أصلا لا ترى لها حقا إلا قليلا أو ترى لها حقا مقابل غريزة أو خدمات تقدمها كأحسن تقدير، لكن الإسلام أعطى المرأة الحقوق التي هي أصلا لها أحقية بها وقد استحقت هذه الأحقية من خالقها وليس باعتراف الرجال في محيطها، فلا يتوقف إعطاؤها حقها على رضا الرجل بل لها حقها من خالق الخلق. 

فالحقوق للمرأة في الإسلام منبثقة من خالق الخلق الله رب العالمين، بينما في غير الإسلام بغالبية حقوقها فتكون مشرعة من أهواء الرجال أو المجتمع بحسب المسيطر على هذا المجتمع، فلو كان المسيطر على المجتمع فئة من النساء تصدر حقوق المرأة حينها بشكل مستبد ومتألٍ على المجتمع وإذا كان المسيطر الرجال يكون هناك ظلم وجور واستبداد على المرأة، وهذا لأن حقوق المرأة التي تصدر من مخلوق إما تكون جائرة عليها أو داعمة لها.

ولكن الأمر يختلف في الإسلام، فالله الخالق هو من أعطى كل شيء خلقه ثم هدى (قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ) -سورة طه (50)- فالله هو الأعلم بخلقه نساء ورجالا وغيرهما من الأنواع، فأعطاها حقها الذي تستحق وفقا لجبلّتها وتكوينها وأيضا الرجال وكل المخلوقات.

ولكن ما يحدث الآن كردة فعل هو أن المرأة أصبحت تأخذ حقوقها ليس من الأحقية التي منحها الله إياها، حيث أن هذه الأخيرة توجب أيضا عليها واجبات من الله؛ يعني أن الحق مرتبط بواجب أيضا كحقوق الأزواج، قال تعالى: ((وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ ۚ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَٰلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا ۚ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)) -سورة البقرة (228)- ومنها ما هو متعلق أيضا بفرض إلهي رباني (واجب عليوي) مثل اللباس الشرعي (جلابيبهن) وتعدد الزوجات. 

ولكنها أصبحت تأخذ حقوقها بناء على أهوائها أو بقوة التقديم، أي أنها تقدم شيئا للمجتمع وتأخذ مقابله أو بناء على ردة فعل اجتماعية انتقامية من الرجال والمجتمع ككل.

وأحد أهم طرق تحصيل المرأة لحقوقها أو بالأحرى أحد أهم أسباب تمكينها لنفسها في المجتمع عنصر الجمال والجاذبية الموجود في المرأة، فالأصل في المرأة أنها فاتنة بجمالها (فهي لاتفتن الرجال فقط بل وصلت لحد أن تفتن النساء بعضهن البعض ونتج عن هذا استنساخ الأشكال وعمليات التجميل والتغيير في الشكل على نموذج امرأة فاتنة أو قريب منها)، ومن خلال هذا العنصر الجمالي والشكلي أصبحت المرأة -بالغالبية إلا من رحم ربي- تتحصل على عملها بجمالها حتى ولو كانت ذات كفاءة قليلة، ولكن للإنصاف هناك نساء لديهن كفاءات كبيرة وجديرات بالمسؤولية.

وفي مسألة الجمال والشكل هذه، وصل الأمر إلى أن تأخذ صلاحيات ليست لها وأن تستحق ما ليس لها ولم ينزل الله به من سلطان لدرجة أننا أصبحنا نرى إلى جانب تأليه الفاتنات المتبرجات استعلاء المرأة الفاتنة على الرجال بل وعلى النساء والمجتمع أيضا. وفكرها يقول: (أنا امرأة أو فتاة جميلة المظهر وفاتنة أو حسناء الشكل وذات جاذبية سلوكية ويجب على الرجال أن يقدموني على أنفسهم "المرأة أولا"، أو عليهم أن يقبلوني على حالتي الفاتنة هذه وعلى النساء أيضا أن يسعين ليتشبهن بجمالي ممن تريد أن تحصل على فرص كثيرة وتفتح الأبواب في وجهها أو أن تقدم لها القرابين والمنح).

حتى أضحت في هذه الحالة المرأة الفاتنة تتألى على المجتمع حيث أن كلّ فعل يصدر عنها يجب أن يكون مقبولا لأنها فاتنة فقط وعلى المجتمع قبول ذلك ولا يعترض عليها حتى ولو كان السلوك أو ما تفعله مخلا للآداب أو غير متعارف عليه أو كاسرا للتشريع الديني أو العرف المجتمعي ومخترقا له، ويتهم المجتمع على أنه غرائزي وشهواني إذا اتهمها بالانحلال أو عيب سلوكياتها؛ على أنها هي تقوم بذلك بداعي أنها فقط جميلة أو لأنها تحب أن تفعل ما تشاء -بلا قيد- ووجب على الآخرين اتخاذ الإجراءات اللازمة لكي لا يقعوا في فتنتها وأن يوقفوا حواسهم ومشاعرهم وهم يتعاملون معها ومن يرفض التعامل معها لأنها متبرجة فهذا بمقياسها يعتبر متخلفا ومتشددا ورجعيا وجاهلا.

حتى أصبح لدينا نسخ لا تحصى من النساء والفتيات الفاتنات (شكلا وجسدا نتيجة العمليات التجميلية والتبرج على أن التبرج داخل البيت للزوج أو في بيتها الخاص محلل وفي الخارج محرم)، ووصلنا الآن إلى تأليه المرأة وأن كل أمر ضدها يعتبر معصية في هذه المجتمعات، طبعا إلا من رحم ربي من نساء يضرب بهنّ المثل في الأخلاق والآداب والسلوكيات.

على المرأة أن تعرف حقوقها الأصلية وواجباتها التي تم منحها إيّاها من خالقها وكذلك الرجل، ومن هذه الحقوق التي منحت لها أنها تستطيع أن تحارب المجتمع كافة إذا أنقصها إياها وتستطيع أن تعادي وتسعى إلى حصولها على حقوقها التي منحها الله إياها، وعليها أيضا واجبات يجب أن تطيع الله بها ويجب فرض هذه الواجبات عليها من قبل الرجل أو المجتمع بسلطان الله وبتقوى الله دون ميول وأهواء رجولية استبدادية، فالحقّ يستحق لأنه حق لذاته وليس لأي سبب آخر على أنه رجل ما أو امرأة ما أو شخصية ما تعطى حقوقها دون الآخرين