كان للثورات الصناعية الدور الأكبر في تطور المجتمعات اقتصاديا واجتماعيا وعسكريا. فالدول التي انطلقت منها هذه الثورات، والدول التي أحسنت استغلال المعرفة والتكنولوجيا المصاحبة لها، حققت نموا كبيرا على المستوى الاقتصادي، وربما ساعد ذلك النمو في قلب موازين القوى العالمية كما كان واضحا بشكل جلي في الثورة الصناعية الأولى التي انطلقت من إنجلترا وأوروبا الغربية لتسريع عملية تحول تلك الدول إلى امبراطوريات عالمية تحتل أجزاء كبيرة من الكرة الأرضية باستخدام المعرفة والتكنولوجيا الحديثة. 

 وفي ظل الثورة الصناعية الرابعة تشهد دول العالم صراعا فيما بينها لأخذ مركز الريادة في مختلف المجالات التي مستها هذه الثورة، وفي عالمنا العربي والإسلامي يختلف الوضع من بلد لآخر؛ فالدول التي حباها الله بموارد طبيعية كثيرة تمكنت من توجيه تلك الموارد نحو تطوير بناها الأساسية، ووصول خدمات الاتصالات والتكنولوجيا إلى جميع القطاعات، وفي المقابل هناك دول في العالم العربي لم تتمكن من تحقيق المستوى ذاته من النجاح بسبب قلة الموارد المالية إضافة إلى إشكاليات أخرى مثل الفساد والصراعات في البعض منها.

ويعد اليمن الذي لم يتمكن من مواكبة التطور التكنولوجي والتقني من أبرز الأمثلة الواضحة على المجموعة الثانية التي عانت من ضعف في عدة عوامل أهمها: شح الموارد المالية، سيطرت الحكومة على قطاع تقنية المعلومات والاتصالات، النقص في التعليم الفني المتخصص، ضعف البنى الأساسية، ضعف التغطية الكهربائية، بالإضافة إلى الصراع الدموي والمدمر الذي ما زال يؤثر على جميع مفاصل الحياة فيه.

وبالرغم من شح المعلومات المتوفرة عن وضع تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات في اليمن إلا أننا سنسعى إلى استعراض ما تيسر من المعلومات للوقوف على أبرز التحديات والتطلعات (فترة قُبيل اندلاع الحرب في اليمن عام 2015 م).

لماذا انتشار شبكات الهاتف المحمولة محدودة؟ 

شهد اليمن زيادة كبيرة في عدد مستخدمي خدمة الهاتف النقال في العقدين الأولين من القرن الحادي والعشرين الذي ارتفع من ثلاثة ملايين شخص في 2006 إلى 16 مليون شخص في 2016، ما يشكل نسبة 57% تقريبا من تعداد السكان الإجمالي، وهذه النسبة تعتبر منخفضة نسبيا بالمقارنة مع الدول المحيطة باليمن، والدول التي تتشابه معه في الناتج الإجمالي للفرد. 

فمثلا كانت نسبة استخدام الإنترنت في أفغانستان في نفس السنة 89% وفي العراق 91% وفي فلسطين 82%. ويعزى هذا إلى صعوبة تضاريس اليمن وارتفاع تكلفة توصيل الخدمات وتواجد مجتمعات كثيرة تقطن أماكن نائية كالجبال والوديان التي تنتشر بكثرة في الأراضي اليمنية.

 

.   8% من مساحة اليمن جبلية 

 

تُغطي 2% من إجمالي عدد السكان.. لماذا ضعف انتشار خدمات الجيل الثالث؟ 

قبل نشوب الحرب في اليمن، تزايد الطلب على الإنترنت عالي السرعة، لا سيما في الحواضر والمدن. ومع انتشار الهواتف الذكية، وأنواع مختلفة من الأجهزة الإلكترونية الحديثة التي تحتاج إلى شبكات ذات سعة وسرعة عالية، ازداد الطلب على خدمات الإنترنت ذات الجيل الثالث. وبالرغم من تواجد عدة شركات يمنية خاصة في قطاع الاتصالات إلا أن تصريح تقديم خدمات من الجيل الثالث للإنترنت كان حكرا على شركة اتصالات واحدة تملكها الحكومة، مما أدى إلى ضعف انتشار خدمات الجيل الثالث حيث لم تتعدى نسبة 2% من إجمالي عدد السكان. 

التحديات المؤسساتية تقطع سبل المنافسة الشفافة 

كانت هناك عدة تحديات بارزة في قطاع الاتصالات والبيانات والنطاق العريض في اليمن، فالضعف الأساسي في القطاع كان يعزى إلى عدم وجود فصل واضح بين دور الجهات التشريعية، والتنظيمية والخدمية في هذا القطاع، مما أدى إلى حوكمة ضعيفة للقطاع وغير مواتية للمنافسة الشفافة بين الشركات الخدمية، وظلت تكلفة الخدمة في اليمن مرتفعة جدا حيث أنها كانت الأعلى في المنطقة العربية.

كيف النهوض بتكنولوجيا المعلومات في اليمن؟ 

يعتبر عاملي الاستقرار والأمان اللبنة الأساسية لتطور معظم القطاعات في أي بلد، ولذلك فإنه من البديهيات مع استمرار الحرب وحالة عدم الاستقرار في اليمن لا يمكن تحقيق أي تقدم يذكر. 

 

وكَخطوة أولى بعد ذلك فإن أول التحديات التي يجب أن يلتفت إليها القائمون على هذا القطاع هو تحسين الحوكمة وهيكلة القطاع بشكل يضمن العدالة والشفافية في التشريعات والتنظيم وتقديم الخدمات، فالإحْتكار الحكومي مع عدم توفر حوكمة سليمة أدى إلى ضعف الخدمة، وارتفاع تكلفتها وعدم وصولها لقطاعات كبيرة من المجتمع. 

 

ويأتي بعد ذلك أهمية الإستثمار في تحسين البنى الأساسية التي لم تكن قوية، بل ازدادت ضعفا مع نشوب الحرب. 

والعامل الأهم لجذب الإستثمارات لهذا القطاع هو تقوية المؤسسات اليمنية بحيث تضمن الإستقرار، وتحسين إدارتها لكافة القطاعات، كما يجب التركيز على النطاق الجغرافي اليمني، بحيث تصل الخدمات للمناطق الريفية والحضرية في نفس الوقت، ويشمل التطور جميع قطاعات المجتمع اليمني. ولا ننسى أن اليمن له مقومات نهضوية كثيرة يجب التركيز عليها مع إظهار تلك المقومات للمستثمرين من القطاعين العام والخاص حتى يشاركوا في نهضة اليمن في قطاع الإتصالات وفي شتى مجالات الحياة.