تبرز تركيا كأنموذج جديد ومميز في مكافحة فيروس كورونا المستجد، وقد أثبتت للعالم أجمع قدرتها على محاربة الفيروس، في ظل ما أظهرته الوقائع والأرقام في الفترة الماضية.
 فيروس كورونا الذي ظهر في الصين في يناير الماضي، اجتاح العالم من أطرافه الأربعة خلال فترة أشهر قليلة جداً، وبالرغم من صغر حجمه أحدث هزات قوية في مناعة النظام العالمي وأصابه بالشلل.
 هذه الحالة الطارئة دفعت الدول لاتخاذ سلسلة من القرارات السريعة لضمان سلامة وصحة مواطنيها بأشكال مختلفة.
 وقد تباينت تجارب الدول في التعاطي مع الأزمة بين الإغلاق الكامل الذي أرهق الحكومات والشعوب وأحدث حالات هلع في بعض الدول، والإغلاق الجزئي الذي يضمن صحة المواطن والاقتصاد في نفس الوقت.
 وبينما كان أقطاب العالم يستثمرون في صناعة السلاح والحروب بعد أن تحول الشرق وأفريقيا إلى سوق مزدهرة بتجارتها، في الطرف الآخر كانت هناك دول تستثمر في الحياة وتطوير القطاع الطبي ومن بينها تركيا التي استطاعت أن تبني مدنا طبية ضخمة، وتؤهل جيشا من الكوادر الطبية المدربة لتحارب بها الأمراض والأوبئة. 
 تعتبر تركيا من الدول التي تعاملت بجدية وسرعة كبيرة في التصدي لانتشار الفيروس من خلال جملة من القرارات والإجراءات المبكرة، كإغلاق الطيران الخارجي المبكر، وإغلاق المدارس والجامعات ودور العبادة ومراكز التسوق والمسابقات الرياضية، وإغلاق حركة التنقل بين المدن والحجر الصحي الكامل في أيام العطل، هذه الإجراءات لعبت دورا مهما في تحقيق التباعد الاجتماعي وتقليل عدد الإصابات اليومية.
 في خضم التجارب المختلفة التي طبقتها الدول قد يكون النموذج التركي من النماذج المتميزة من حيث التعامل مع الأزمة، وقد تحولت تركيا إلى محط أنظار الدول في الفترة الماضية، حيث لم يقتصر دورها في الأزمة على إدارة ملفها الخاص بل استطاعت أن تمد يد العون لأكثر من 60 دولة حول العالم.

 كيف تميزت تركيا في التعامل مع جائحة كورونا ؟

يوجد عدد من المعايير التي تجعل بعض الدول أكثر تحصيناً وتميزاً من غيرها على مواجهة فيروس كورونا الذي بات يشغل أجندة العالم ويؤثر على كل مساراته، ومن هذه المعايير :

1- قطاع صحي قوي: 

تمتلك تركيا بنية صحية قوية من خلال الاستثمارات الكبيرة في هذا القطاع خلال الثمانية عشر سنة التي مضت، فبينما كانت دول العالم تعاني من قلة عدد الأسرة وغرف العناية المركزة في أزمة كورونا، كانت نسبة الإشغال في المشافي التركية لا تتجاوز 60 % للأسرة و35 % لغرف العناية المركزة.

 2- زيادة عدد الفحوصات اليومية: 
 يعتبر الكشف المبكر عن الحالات من أهم الطرق للسيطرة على الجائحة وتجنب زيادة العدوى السريعة التي يمكن أن يسببها الفيروس، فزيادة الفحوص بشكل كبير يتيح تنفيذ استراتيجية "البحث والتدمير" لذلك دأبت تركيا على زيادة عدد الفحوصات اليومية حيث استطاعت أن تجري أكثر من 40 ألف فحص يومي، ومليون ونصف فحص حتى تاريخ اليوم.
 3-الوصول إلى الذروة في زمن قياسي: 
 استطاعت تركيا أن تصل إلى فترة الذروة في الأسبوع الخامس بعد ظهور أول إصابة، وهي فترة زمنية قياسية في السيطرة على المرض والتعامل معه، في حين أن دول إيطاليا وفرنسا وإسبانيا والولايات المتحدة احتاجت أكثر من 8 أسابيع للوصول إلى ذروة انتشار الفيروس الذي سبب زيادة في عدد الإصابات والوفيات لديها.
 4- نسبة وفيات منخفضة:
 بلغت نسبة الوفيات في تركيا 2.7 % من عدد الإصابات، وهي نسبة منخفضة مقارنة بدول أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، حيث تجاوزت نسبة الوفيات في بعض هذه الدول 10 % وقد ساعدها في ذلك تطبيق قرارات اللجنة العلمية بالحجر الصحي على الفئات العمرية الكبيرة، وتطبيق بروتوكول علاجي ناجح في التعامل مع الجائحة.
 5- تطبيق سياسة التقصي الوبائي (الفيلياسون):
 وتقوم هذه الاستراتيجية على رصد حالات الإصابة، ثم فحص جميع من كانوا على تواصل مع المصابين وعزلهم قبل أن يدخلوا في طور العدوى، عملية "الفيلياسيون" تُطبق في عموم الولايات التركية، حيث يتواجد في إسطنبول وحدها ألف و200 فريق، كما أن عدد فرق الفيلياسيون في عموم البلاد يبلغ 4 آلاف و600 فريق.
 6- توفير المستلزمات الطبية للطواقم للتعامل مع الوباء:
الذي بدوره يقلل خطورة إصابة الطواقم الطبية بخلاف كثير من الدول التي عانت من نقص هذه المعدات وتسببت في نسبة إصابات ووفيات كبيرة بالكوادر الطبية.
 7- تطبيق قرار اللجنة العلمية المكلفة بمتابعة الوباء:
 مما سبب تناغما كبيرا بين عمل وزارة الصحة وقطاعات الدولة الأخرى.
 8- توفير عدد كبير من أجهزة التنفس الصناعي المصنعة محلياً وتوفر عدد كبير من غرف العناية المركزة التي شكلت علامة فارقة في مكافحة الجائحة تحسب للقطاع الصحي في تركيا.
 من خلال ذلك يمكننا القول إن تجربة تركيا كانت ناجحة بكل المقاييس الممكنة، واستطاعت احتواء الوباء في زمن قياسي ومثالي ويمكن الاستفادة من هذه التجربة من قبل كثير من الدول للتصدي للوباء بشكل علمي وعملي ناجح.