لطالما كانت اللغة من أهم المكونات الحضارية على امتداد العصور، فقد حرصت الأمم والأقوام بالغ الحرص والاهتمام باكتساب أبناءها لغتهم الأصلية، وإتقان استخدامها في القراءة والكتابة والتعبير عن الذات، بل وحرصت بعض الأمم والدول على تصدير لغتها إلى الشعوب الأخرى، حيث وبشكل غير مباشر تنتقل السياسة والثقافة والتاريخ لتلك الأمة إلى الأمم الأخرى، وربما يكون المُراد أحياناً غزواً ثقافياً، بل وربما سياسياً وعسكرياً لاحقاً.
تعليم اللغة العربية للأطفال
مررنا جميعاً بالمرحلة الابتدائية، ورأينا العناية الكبيرة باللغة العربية من قبل واضعي المناهج التعليمية، حتى أننا شاهدنا تركيز تلك المناهج على جانبين أساسيين هما اللغة العربية ومادة الرياضيات مع تشكيلة ثانوية من المواد نذكر منها التربية البدنية والموسيقا والفنون والعلوم والتربية الاجتماعية والدينية وغيرها، وذلك لقناعة خبراء التربية والتعليم أن البناء اللغوي للطفل له بالغ التأثير على هويته الحضارية، وانتمائه القومي، وقدرته على التعبير الجيد عن نفسه واحتياجه وفكرته.
ولكن مع تقدم الزمان، ظهرت حالة تعليمية جديدة في غالبية الدول العربية تمثلت ظهور مدارس خاصة في سلك التعليم اعتمدت اللغة الأجنبية في التعليم، وجلبت أعداداً كبيرة من الطلبة والتلاميذ العرب، حيث تركزت مناهجها على جوانب الرياضيات والعلوم واللغة الإنجليزية أو الفرنسية عموماً، وكان للغة العربية مكانة ثانوية، بالإضافة لهجرة ملايين العائلات العربية إلى دول الغرب في أوروبا والأمريكتين وغيرها، وعنايتهم هناك بلغات تلك البلاد مع قليل من التركيز على اللغة العربية، فالهجرة لبلاد الأعاجم وظهور مدارس الأعاجم في الدول العربية أدى عموماً إلى بدء ظهور جيل عربي يعيش الغربة والفراق مع لغته العربية الأم، مما استدعى البدء بجهود مكثفة لإعادة الاعتبار للغة العربية في نفوس أهلها وقومها، وتنوعت تلك الجهود بين الرقمية والتقليدية.
التطبيقات الرقمية في تعليم اللغة العربية
مع بدء ثورة استخدام الانترنت نهاية القرن العشرين، بادَرَ عدد من المهتمين باللغة العربية إلى إعداد وإطلاق برامج الكترونية عديدة تهتم بتعليم اللغة العربية، سواءً للأطفال أم لغير الناطقين بها، ولاقت هذه التطبيقات ترحيباً وقبولاً كبيراً حينها، وازداد التفاعل معها طرداً مع ازدياد أعدادها، وتنوع مجالاتها، وارتفاع مردودها على المستوى اللغوي لدى الطفل العربي عموماً، والطفل العربي المقيم في الدول غير العربية خصوصاً، وبقدر ما لهذه التطبيقات من إيجابيات وحسنات فإن لها بعض السلبيات التي إن تم العناية بها وخصوصاً من قبل المستخدمين فإننا حينها نحصل على أفضل النتائج.
وتتنوع إيجابيات تطبيقات تعليم اللغة العربية من حيث اعتمادها على الألوان الجاذبة للطفل وترفع من إقباله عليها، اقترانها ببعض المؤثرات الصوتية التي ترفع من حالة التعايش بين الطفل واللغة، عنايتها بالكتابة والقراءة والأضداد والمترادفات وسلامة النطق والأحرف اللثوية والكثير من مهارات اللغة التي نلخصها في ما يلي:
- خضوعها للتطوير المستمر من قبل مُبرمجيها بما يتناسب مع احتياج الأطفال والتطور التكنولوجي.
- سهولة تحميلها على أجهزة الهواتف أو الحواسيب.
- كثرة المعروض من هذه التطبيقات وبالتالي حرية أكبر للمستخدم في اختيار التطبيق الأمثل.
- مجانية في كثير من الأحيان وبمقابل في أحيان أخرى.
- إمكانية استخدام تلك التطبيقات في جميع الأوقات والظروف بتكلفة شبه مجانية.
- اعتمادها على التفاعل المتبادل بين التطبيق والطفل كرسم الخطوط وكتابة الأحرف والنطق وتصحيحه، وغير ذلك الكثير من المزايا الإيجابية.
- ولكن وبالمقابل تتعرض تلك التطبيقات لبعض الانتقادات وذلك في اتجاهين أساسيين، الأول يتمحور حول المحتوى، والثاني حول التأثير الحقيقي لتلك التطبيقات على العملية التعليمية للطفل.
بعض الملاحظات من حيث المحتوى
في مجال المحتوى تتعرض تطبيقات تعليم اللغة العربية للأطفال لانتقادات نذكر منها:
- الأخطاء اللغوية في الأمثلة المطروحة.
- الأخطاء اللفظية لبعض الأحرف لاسيما الأحرف اللثوية والتفخيم والترقيق.
- ظهور بعض الشخصيات الكرتونية أو الحقيقة الغير لائقة اخلاقياً من حيث الميوعة في اللفظ أو المظهر.
- اعتماد بعض التطبيقات على التلقين المستمر مع إتاحة القليل من فرصة لتفاعل الطفل.
- التسطيح المعرفي في الأمثلة والصور المطروحة في التطبيق.
- تقديم محتوى هدَّام في طرح بعض الأمثلة كسرقة طفل لحاجة ما ونجاته في النهاية أو مفاهيم قائمة على التمييز العنصري أو الانحلال الأخلاقي أو الهدم القيمي.
- حالة التعلق التي تصيب الأطفال بالأجهزة الالكترونية وتتسبب أحياناً بالإدمان وبالتالي مشاكل صحية على مستوى العين والدماغ والنفس والحركة.
- حالة الكسل في التآزر الحسي الحركي بين اليدين والعيون والسمع والنطق.
الطرق التقليدية في تعليم اللغة العربية
تتنوع الطرق التقليدية في تعليم اللغة العربية بين ما كان يسمى قديماً بالكُتَّاب والتعليم المدرسي والتعليم المنزلي والتعلم الذاتي من خلال المطالعة والقراءة المستمرة والتدريبات، ولقد استمر التعليم التقليدي ردحاً من الزمن لا تزاحمه التطبيقات الالكترونية، وكما يُقال فقد أخذ فرصة تاريخية في الاستئثار بالعملية التعليمية، وقدم ولا يزال يقدم سجلاً حافلاً بالإنجازات والتأثير.
يعترف غالبية أهل الاختصاص أنه لا غنى عن التعليم التقليدي لا سيما في السنوات الأولى من العملية التعليمية للطفل، لاعتماده بشكل كبير جدا على التآزر الحسي الحركي وبالتالي يكون مدعاة لثبات الأثر التعليمي في سلوك المتعلم أكثر من أي وسيلة أخرى.
ولن نخوض هنا في إيجابيات وسلبيات التعليم التقليدي فقد قيل فيها الكثير، وكتب عنها أساتذتنا والمختصون المجلدات وأطروحات الدكتوراة وغيرها، ولكن نقف على نقطة واحدة وهي التكامل والتفاعل الإيجابي بين التعليم التقليدي والتعليم عبر التطبيقات الرقمية للوصول إلى أفضل النتائج على صعيد تعلم اللغة العربية وخاصة للأطفال في المراحل العمرية الأولى، وعدم إهمال أي من الطريقتين تحت أي ذريعة من الذرائع، ففي كل منهما الخير الكثير، ويكفي أن نستفيد من إيجابيات كل منهما، ونعالج أو نبتعد عن سلبياتهما.