مولاي السلطان عبد الحميد الثاني خليفة المسلمين الثاني بعد المائة و السلطان الرابع والثلاثون من سلاطين الدولة العثمانية، احببت أن اكتب إليكم هذه الكلمات في ذكرى وفاتك لهذا العام والتي تطوي مائة عام على رحليكم في الـ 10 من فبراير/شباط 1918م، اي بعد مائة عام من رحليكم من هذه الدنيا الفانية.
دعني اتحدث معك بختصار شديد على ماجرى ويجري في العالم الإسلامي بعد حولي مائة عام منذ إنهيار أخر نظم الخلافة الإسلامية التي تدعوا إلى وحدة العالم الإسلامي، والتي كانت تمثله الدولة العثمانية وتسهم على لم شتات ابناء كلمة التوحيد في مختلف ارجاء هذا العالم الكبير و المرامي على هذه الأرض التي فتحت منذ بوزغ فجر الإسلام قبل الف و اربعمائة عام تقريباً.
بعد رحيلكم تغيّرت كل شيء، لقد إنهارت الدولة العثمانية المترامية الأطراف، او إن صح التعبير لقد عطَل نظام الخلافة الإسلامية، وإحل بدلها أنظمة تتوافق مع ما يريدة ويسعى إليه المستعمر الذي سعى لسنوات إلى اسقاط نظام حكم المسلمين الجامع لهم في مختلف الأقطار الإسلامية.
فبلاد الأنضول "تركيا" تم محاربتها ومعاقبتها اشد العقوبات وإرغام شعبها على توقيع إتفاقية لوزان(1) بعد رحيلكم بأعوام قليله وأعلنت جمهورية بنظام ودستور علماني بعيد كل البعد عن النظام والشريعة الإسلامية التي حكمت بها دولتكم لقرون عدة هذه الارض وباقي أراضي العالم الإسلامي، وأصبح زعيمها أتاتورك والأب الروحي للنظام الجمهوري و راعي العلمانية في البلد منذ ذلك الحين حتى اللحظة، فتركيا الجمهورية وقعت إتفافية لوزان التي حرمت الشعب والأمة التركية من التنقيب عن الثروة في باطن ارضها او جبي الضرائب من السفن التي تمر في مياهها ومضايقها المهمة مثل مضيق الباسفور وغيرة.
مآذنها منعت عن الأذان باللغة العربية لسنوات طوال ومنع تعليم العلوم الدينية واللغة العربية في المدارس والجامعات بل حتى استبدل كتابة اللغة التركية بالاحرف اللاتينية بدلاً من الأحرف العربية في كل ارجاء تركيا الجديدة، حتى تبتعد كل البعد عن تاريخها وحضارتها الإسلامية وتحديداً تاريخ دولتها العثمانية.
لقد استمر الوضع سنوات طوال في تركيا وباقي بلاد العالم الإسلامي والذي تقسم إلى دويلات صغيرة لا تقدم أو تاخر في قرارات العالم الجديد، ولكن الآن بدأت تركيا تتعافى وتعود من جديد إلى قراءت تأريخها الإسلامي عامة وتأريخها العثماني خاصة، بل فتح الباب بمصراعيه أمام الأجيال التركية الصاعدة لقراءة ملف وأرشيف تاريخ دولتهم العثمانية التي استمرت حوالي ستمائة عام، فعاد تدريس تاريخ الدولة العثمانية والعلوم الإسلامية في المدارس والجامعات والمعاهد، وعاد صوت الآذان يصدح في كل مآذن المساجد باللغة العربية سواء في مسجد السلطان محمد الفاتح التي تأمل ان نزورة في يوم من الأيام وباقي مساجدها المرتامية في مختلف أرض الأنضول.
أما عن باقي بلاد العالم الإسلامي فشرح حالها وأوضاعها يطول كثيرا، ولكن دعني اقول لك ان عالمنا الإسلامي اصبح ممزق كثيراً لقد وجدت أكثر من 52 دويلة في العالم الإسلامي بالوقت الراهن، لا يوجد لديها مرجعية وغثائها كغثاء السيل، تخيل كل هذه الدول لا يوجد من يمثلها في النظام العالمي الجديد الذي يخطط ويحكم ويدير ويقرر كل شيئ تقريباً!، تصور في العالم العربي فحسب قد أسست 22 وعشرون ما بين دولة وجمهورية ومملكة وسلطنة وغيرها من المسميات لنظم الحكم في العالم الجديد.
فلم يعد ذلك العالم الإسلامي المرامي الأطراف موحداً وتحت قيادة راشدة بل أصبح الحال هذه الأيام مؤلم ومؤلم جداً، حيث زرع الإستعمار مسميات وجنسيات لم نعلم عنها في ماضي تأريخنا الإسلامي من سلطان، فمجرد السفر من أرض العراق او اليمن او مصر المغرب وغيرها من البلاد الإسلامية إلى ديار الإسلام المقدسة في ارض الحجاز او نجد اصبح يتطلب تاشيرة وجواز سفر وغيرها من البرتكولات التي لم تكن موجودة في ايامكم أنذاك حيث اصبح الحال شاق جداً على ابناء هذه الأرض التي كانوا يسافروا يرتحلوا بها كما يرغبون بلا عوائق وحجزوات.
كذلك الحروب والويلات في العالم الإسلامي اصبحا هي الظاهرة الشائعة والمستمرة منذ سنوات، والتي يسهم على تغذيتها واشعالها بشكل مستمر من قبل العالم الغربي بكل اطيافه كونه هو المستفيد الأول والاخير من تخلف وضايع حال هذه الأمة، القتل اصبح شائع ومنتشر بين ابناء الأمة الواحدة، المسلم يقتل اخاه المسلم، تتقاتل الشعوب فيما بينها البين، ولا تدري لما وما هي الفائدة المرجوه من هذه الحروب التي ارهقتنا ودمرتنا وجعلتنا أعداء لأنفسنا ونسينا أعدائنا الحقيقيون.
اما عن اليهود فقد حققوا حلمهم المنشود بعد رحليكم وأسسوا دولتهم اليهودية في أرض فلسطين بعد ان تقدموا مراراً وتكراراً منكم في شراء هذه الأرض لبناء وتأسيس دولتهم التي ينتظرونها حسب رؤية ديانتهم و كتابهم المقدس، ففي عام 1948م أسست دولة الكيان الصهيوني على أرض فلسطين المحلتة وأسهم العالم الغربي بقيادة كلاً من بريطانيا وفرنسا وأمريكا على دعم وتشجيع وحماية هذه الدولة الصهيونية التي قامت على قتل اخوتنا في ارض فلسطين المحتلة منذ ذلك الوقت إلى هذه اللحظة، بل المؤلم اكثر ان الكثير من انظمة الحكم في دويلات العالم الإسلامي تتعاون مع دولة الكيان الصهيوني سواء في السر و العلن وكأنهم تناسوا ان هذه الأرض التي اقيمت عليها هي أرض مسلمة محتلة أيها السلطان.
وأما فيما يخص بلاد نجد والحجاز والأراضي المباركة التي فيها مكة والمدينة، فقد خفتت أصوات فكر الإسلام الحقيقة، فكر الإسلام الذي يدعوا إلى العدل، فكر الإسلام الذي يدعوا إلى الوحدة وحدة المسلمين واعلاء كلمتهم، فكر الإسلام الذي يدعوا إلى الحق في زمن كثر فيه الباطل، فكر الإسلام الذي يناصر المظلوم، فكر الإسلام الذي يدعوا الناس إلى مغزى الحياة بكل نواحيها، فكر الإسلام الذي يفتح ابوابه لباقي اخوته ويشاركهم أحزانهم وافراحهم، فأرض نجد والحجاز لم تعد كذلك إطلاقاً، اما عن مكة مكة والمدينة أرضي الإسلام المقدسة وبداية ظهور رسالة الإسلام الخالدة، والتي تمثل القلب النابض لجسد العالم الإسلامي كاملة تعيش في مرحلة من السبات الذي لا نعرف إلى متى سوف تستمر مرحلة السبات هذه، ومتى سوف يعود القلب بالخفقان من جديد، حتى يعيد الحياة إلى باقي أجزاء الجسد لهذه الأمة، لتعود إلى مجدها وعزتها من جديد.
اما عن حكامنا في هذا الزمان، فحدث ولا حرج لقد أصبحوا حكام جور وظلم وفساد، فشعوبهم تعيش في تخلف وفقر وحاجة، وهم يسكنون القصور ويعيشون في رفاية وبذخ من العيش، وكانهم ناسون أنهم سوف يسألون عن كل هذا في يوم لا ينفع مال ولا بنون، شعوبنا تعيش الفقر والحاجة، وثرواتهم التي وهبها الله لهم في أعلى و باطن الأرض تنهب أمام أعينهم كل هذا بتعاون وفساد حكامهم الظلمة إلا من رحم الله منهم وهم قله جداً.