لا أدري لماذا أجدني مدفوعا إلى الكتابة مرة أخرى، عن الهمّ الشبابي، وقد كتبت عام 1983، مقالا بعنوان "الشباب أمانة "نشرته جريدة "الرأي"، ومقالا آخر عام 1986 بعنوان "قراءة في واقع العالم الإسلامي: شبابنا في وجه الإعصار الغربي" نشرته مجلة "الأمّة" القَطريّة وجعلته عنوانا لغلافها ! ولم أكن أتصوّر أن القَصْف التّخريبي لشبابنا في عقيدته وأخلاقه وثقافته، سيتواصل، ويتجدد بعد هذه السنوات الطوال، ليستفزني للكتابة هذه المرة عن "البدائل" المُرّة، والمُؤلمَة، التي تُحاك وتعرض على شبابنا، ويُدْفَع إليها دفعًا، حتى يرتدّ عن دينه، وينسلخ عن هويته، ويُسْحَب إلى مواقع الضياع، والميوعة، والإلحاد والانتحار البطيء! 

الشباب، كما تعرّفه بعض الموسوعات: مصطلح يطلق على مرحلة عمرية تمثل ذروة القوة والحيوية والنشاط، وهي مرحلة التطلع إلى المستقبل، المتميزة بطموحات عريضة وكبيرة. والشباب خطورته، أنه لا يقبل الفراغ، فإن لم تشغله بالخير، شغله الآخر بالشر، وإن لم يحتضنه أهل الفضل، ويوجهه أهل الصلاح، ويستثمره أهل الإصلاح، استقطبه أعوان الفساد والإفساد لأنّ الشباب اجتماعيٌّ بطبعه، يعني أن لديه ميلا طبيعيا للانتماء لأي مجموعة، كي يعطيها وتعطيه. 

الشبابُ ودَوْر المُدبْلِج 

البدائل مفردها بَدِيلٌ: أي الخلَفُ والعِوَضُ، ومَشْروع بَديل: أي خِيار جَديد، والبَديلُ في السِّينِما: هو "المُدَبْلِج" أي هو مُمَثّلٌ يُؤَدِّي بِلُغَتِهِ، حِوارَ مُمَثِّلٍ آخر كانَ في الأصْلِ يَتَكَلَّمُ لُغَةً أُخْرَى لا تفهم عند الأخر وتحتاج لمترجم، وَهو ما يُسَمَّى بعملية "الدَّبْلَجَةِ". 

وشبابنا يُرادُ منه أن يمثّل دور"المُدَبْلِج"، في مجالات العقيدة والثقافة والإعلام، والأخلاق: فيتقمّص أدوارا مريبة، ويتشرّب عقائد هدّامة، وأفكارا قاتلة، وأخلاقا فاسدة، ثم يؤدّيها بلغة أهله، وثقافة بيئته.

بدائل مؤلمة.. في ظل حكومات الثورة

اجتاحت العالم العربي والإسلامي في الستينات، في ظل ما يسمّى بحكومات الاستقلال، موجة بدائل غربيّة وطروحات مريبة، كالوُجوديّة، والشيوعية، والعلمانية، استهوت كثيرا من الشباب، واستقطبت خاصة التلاميذ والطلبة، إلا أن تنامي ظاهرة الصحوة الإسلامية أضعف من سطوة تلك البدائل الغربية، حيث مثلت الصحوة حالة إنقاذ، وكانت ظِلاًّ وارفًا، وجد فيه الكثيرون مَلاذا ومستقرّا، ومُتنَفَّسا للانتماء، واثبات الذات. 

ولكن المتربصين بالشباب المسلم لم يستسلموا، ولم ينسحبوا من مواقع الكيد، والتدبير، والتخطيط من أجل إرباك وتهميش وإضعاف الأمة، عن طريق تمييع شبابها وتبديد طاقاته في السفاسف والرذائل والشهوات، من ذلك ما نفاجأ به كل مرة من اكتشاف مجموعات من شبابنا المدرسي والطلابي، متورطين في انتماءات شاذة وطروحات هدامة. 

ولعل من أهم وأخطر هذه البدائل المؤلمة والمرّة التي تسعى جاهدة وبمكر، إلى استقطاب وكسب أكبر عدد من الشباب المدرسي والجامعي هي: الحرْق، والتّشيّع، والتَّنصير، وعبادة الشيطان.

1-ظاهرة "الحَرْق "عبر البحر الهائج

 إلى إيطاليا وإسبانيا والدول الأوروبية، هي بديل مغرق وقاتل، ولكنها رغم كارثيتها، وكثرة ضحاياها، لم تردع ولم تمنع الشباب من تكراره للمحاولة واختيارها كبديل عن الجمود في وطن لم يوفّر له ما يرغّبه في الاستقرار، ولم يقدم له ما يشبع رغباته الجامحة في مشاريع تؤمن حياته. 

وقد جاء في إحدى الدراسات الخاصة بهذه الفئة أن حوالي 25 ألف شاب تونسي غادروا البلاد بطرق غير شرعية، مستغلين ارتخاء قبضة الدولة في فترة أحداث الثورة. بحثا عن فرص يحققون فيها طموحاتهم كما أن 45 بالمائة من الشباب التونسي له استعداد للهجرة، وهو دائم التفكير فيها حتى ولو كانت هجرة غير شرعية، وهي ما تمثله ظاهرة الحرق إلى الضفة الأخرى. 

2-الانتماء إلى ظاهرة "عبدة الشيطان" 

الظاهرةُ الغريبة عن بيئتنا وثقافتنا، والمناقضة لعقيدتنا، والتي انكشف أمرها إثر حادثة انتحار تلميذة معهد المروج1. وتبين أنها قد استقطبت عددا مفزعا من تلاميذ معاهدنا، ومن أخطر طقوسها: التنافس على الانتحار تقرُّبًا للشيطان!

 3-ظاهرة التشيّع 

وما تملكه من مرغّبات وإغراءات مادية وجنسية (زواج المتعة)، والتي لا يملك الشاب، ضعيف الإيمان، إلا أن يرتمي في أحضانها ويعتنقها، دون اعتبار لسوء العاقبة والمصير من الناحية الدينية. 

 4-الانتماء إلى المسيحية وظاهرة التنصير

 حيث اكتشفت خلية من الشباب مجتمعة في مقصورة إحدى المقاهي، تتدرب على أداء الطقوس والعبادات، يؤطرهم شاب مصري وآخر جزائري. 

إذن، شبابنا للأسف، في مهب الريح، حيث يُرادُ له أن ينسلخ من عقيدته، وثقافته، وقيمه، ويرتمي بالمجان، في أحضان الهدّامين، ومهندسي الشرّ، الذين لا يراعون فينا إلاًّ ولا ذمّة. وما لم نبادر إلى إنقاذه، واحتضانه، فإنّه سيضيع، ويخسر الوطن مَنْجَمَا من موارده.