لا يخفى على ذي لب تلكم المكانة التي يحتلها الشباب في صناعة حاضر الأمم ومستقبلها، ونظرا لذلك التأمت كثير من الجهات العلمية الدولية والوطنية من أجل عقد مؤتمر افتراضي دولي وسمَته ب"الشباب صناع الغد" هذا المؤتمر الذي أقيم أيام: 30 نونبر 2021/ و1- 2 دجنبر 2021، برعاية اتحاد الجامعات الأفروآسيوية، وجامعة ابن النفيس للعلوم والتكنولوجيا، ومركز النخبة للبحوث والدراسات الاستراتيجية بشراكة مع العديد من المؤسسات والجهات الرسمية، تحت شعار: "شباب متمكن لاستشراف المستقبل". وقد ترأس هذا المؤتمر الأستاذ الدكتور"أحمد محمد الحلو" من دولة فلسطين.

إن هذا المؤتمر نظرا لأهمية موضوعه وكثرة انفتاحه على تخصصات مختلفة، فقد جاءت المداخلات متنوعة يغني بعضها بعضا ويثريه، فبعد الجلسة الافتتاحية التي تضمنت كلمات بعض الجهات المنظمة والراعية لهذا الحدث العلمي البارز، تابع المشاركون الجلسات التي بلغت ست جلسات، إضافة إلى جلسة ختامية، كانت بمثابة توصيات استشرافية لموضوع الشباب، وفاتحة العمل والبحث في الموضوع والتدقيق في المعطيات إيمانا بالحاضر وتفاعلا معه، واستشرافا للمستقبل.

لقد بلغ عدد المداخلات أربعا وثلاثين (34) مداخلة، قاربت موضوع الشباب من زوايا مختلفة، إلا أن ثمة جديدا جميلا في برنامج هذا المؤتمر الافتراضي وهو ما أطلق عليه واضعوا البرنامج: "فقرة المخترع" وقد انفتحوا فيها على شباب مخترعين في مجالات متخلفة، وهو ما أضفى على المؤتمر إلى جانب الجانب العلمي جانبا عمليا تشجيعيا تحفيزيا، إذ عبر شباب مبدعون ذوو أعمار مختلفة على مخترعاتهم وإبداعاتهم. وذلك لعمري، هو ما نجد شبابنا في حاجة إليه. فكثرة التنظيرات والتأصيلات دون عمل قد لا تحقق المراد.

لقد حصل لي شرف المشاركة في هذا المؤتمر الافتراضي الدولي بموضوع أحسبه مهما، فوسمته ب: "صناعة الشباب القيادي في الفكر الإسلامي، حنين إلى الماضي واستشراف للمستقبل" وهي المداخلة التي برمجت في اليوم الأول _ الجلسة الثانية من أشغاله، وقد ترأس الجلسة الدكتور أنور فاضل ساجت، وتولت تقرير فقراته الدكتورة هجيرة الجيلالي.

بدأت مداخلتي بالتنبيه على أهمية الحديث عن الشباب، فهم صناع الغد وقادة سفينة الحياة وهم كذلك ثروة في يد الشعوب وجب عدم تضييعها. كما ألمحت إلى راهنية الموضوع، وضرورة الكشف عن جانب من عناية الفكر الإسلامي بهذه الفئة؛ وذلك ردا على تلك الدراسات التي سعت وتسعى إلى تغييب هذا التراث؛ جهلا أو عنوة. كما أومأت إلى حاجتنا اليوم أكثر مما مضى إلى إبراز القدوة المتميزة القيادية عبر تاريخ الفكر الإسلامي، خصوصا إن كانت من شباب سجل الفكر الإسلامي جانبا من سيرهم القيادية بمداد فخر واعتزاز.

 أما إشكالية الموضوع فقد حددتها في: إلى أي حد يستطيع الفكر الإسلامي أن يسعفنا بنماذج حية لصناعة الشباب القيادي؟ وهي إشكالية كبيرة إلا أني حرصت تجلية جانبا مهم منها.

وبعد البحث والتنقيب استوى البحث في مقدمة، وثلاثة مباحث؛ 

- الأول: يعنى بعناية الإسلام بالشباب، 
- الثاني: يتطرق لنماذج حية في تاريخ الفكر الإسلامي لشباب قيادي،  
- الثالث: في سبيل شباب قيادي، استشراف للمستقبل: المواصفات والوسائل؛ ثم خاتمة.

لقد نبهت في هذا البحث العلمي المحكم على أهمية فترة الشباب التي تعتبر أبرز فترة من عمر الإنسان.

وذكرت كذلك نماذج من استعمال لفظة الشباب أو ما ارتبط بها في القرآن الكريم، كما تطرقت إلى مسألة تحديد المقصود بفترة الشباب، وهي مسألة مهمة، فالذي يستقر عليه الرأي أن الإنسان إذا بلغ السادسة عشر من عمره، يسمى (شابا) حتى سن الأربعين، ثم هو كهل حتى سن الستين، ومن ثم يسمى (هرما) حتى يموت.

وبذلك دلفت التأكيد على أن "مرحلة الشباب" هي أهم مرحلة من حياة الإنسان، إذ هي بداية التكليف الشرعي، وفيها تحدث التغيرات الفيزيولوجية المعلومة. وعليه، فهي فترة ذات خطر وأهمية بالغين، فلذلك لم يتركهم الإسلام هُملا، بل وضع تشريعات تؤهلهم للقيادة وتمكنهم من القيام بمسؤولياتهم على أكمل وجه.

كما تحدثت عن نماذج من رعاية الإسلام للشباب وتوجيهاته لإعدادهم للقيادة. فكان مما جاء في العرض: ضرورة حسن تأديب الابن (الشاب)، حسن تعليمه، إضافة إلى إجلاسهم مع الكبار وتيسير مخالطتهم لهم، وغير ذلك من توجيهات أخرى، بارزة في الفكر الإسلامي، هذا وغيره سودت به صفحات المبحث الأول.

أما المبحث الثاني فقد خط اليراع نماذج حية من تراثنا الإسلامي للشباب القيادي، فانتقيت منهم أسامة بن زيد ووسمته بالقائد الشاب الفريد، كما تحدثت عن قصة الشابين اللذين قتلا أبا جهل، وأبرزت بعض المعالم القيادية في شخصيتيهما، وانعطف البحث بعد ذلك إلى قيادة من نوع آخر إنها القيادة والريادة في العلم التي اخترت لها ذلكم الصحابي الشاب: زيدا بن ثابت. فقلت في البحث بعد إيراد قصة له:" لقد أظهرت هذه القصة قوة شخصية زيد وقدرته على التعلم، علاوة على ذكائه المفرط".

وبعد ذلك، انتقلت إلى شاب مسلم من شباب الصحابة إنه الأرقم بن أبي الأرقم، الذي وسمته ب: "الأرقم رجل المواقف الحرجة" وفعلا كان كذلك.

لأتطرق بعدُ إلى قضية عملية وهي مجهودات المسلمين في تربية النشء على القيادة، وذلك بتحميلهم مسؤوليات جساما كي يكتسبوا بها منعة، وقدرة على مسؤوليات أعظم في المستقبل، وجليت هذه المسألة ببعض النماذج والتوجيهات.

أما المبحث الثالث فأحسب أنه كان متميزا غاية التميز، واخترت له عنوانا:

"في سبيل شباب قيادي، استشراف للمستقبل: المواصفات والوسائل". وجعلت هذا الاستشراف قائما على أساسين متينين. وهما قدرة الشباب على القيادة وتحمل المسؤولية، إضافة إلى مؤهلاتهم التي تجعلهم يسيرون على سنن سلفهم. ثم استخلصت بعض مواصفات الشاب القيادي المنشود، مع ما يشير إليها من نصوص الشريعة، ودرجت بعد ذلك إلى وسائل إعداد الشباب القيادي، فذكرت منها خمسا.

أما خاتمة البحث فقد اقتنعت فيها أن البحث جلى صفحات مشرقة من تراثنا الإسلامي، أبرزتْ نماذج حية من شباب مسلم اتصف بصفات قيادية، حققتْ لأصحابها أهدافهم في حينه، ثم تناقل التاريخ سيرهم وصفاتهم بفخر واعتزاز.

وهكذا، فلا يسعني في الختام إلا التأكيد على ضرورة الإكثار من الدراسات التي تجلي صفحات منسية من تراثنا الإسلامي المتعلق بهذه الفئة من الشباب القيادي، خصوصا على صعيد البحوث الجامعية لما تحمله هذه النوعية من البحوث من دقة. 

 وقبل أن يجف القلم أتمثل معك أيها القارئ الكريم قول الشاعر:

شباب الجيل للإسلام عودوا ♦♦ فأنتم روحــــــــــــــــــه وبكم يسود.
      وأنتــــــــــــــــم سر نهضته قــــــــــــــــــــــديما ♦♦ وأنتم فجره الزاهي الجديد.