عندما ينتعش الغزو الثقافيُّ في بيئةٍ ما، يقع التشتُّت في الوعي، ويتبعه التمزُّق في النسيج الاجتماعي، والتمرُّد على التقاليد الحافظة لنقاء المجتمع، وعلى منظومة القيم التي تضبط إيقاع الحياة فيه!
والأخطر من ذلك انتكاس الفطرة البشرية عن مسارها الطبيعي، لتهوي في أرض الرذيلة وتسقط سقوطاً مريعاً!
عندما يضعف التصاق الناس بالهوية والأصالة، يبقى النسيج العام للمجتمع، يعرف المعروف وينكر المنكر! لكن عندما ينسلخ آحاد الناس عن ذاتيتهم الحضارية ويتنكرون لأصالتهم، لا نستغرب أيَّ انحرافٍ عن الجادَّة يحدث، لأن هؤلاء الأفراد قد أصيبوا في مقتل، اعترفوا في ذلك أم كابروا على المحسوس!
لاحظوا كيف أن الشابَّ قد انتقل من حالة الاضطراب النفسي ومحاولاتٍ عديدةٍ للانتحار، إلى المثلية الجنسية نتيجة البحث الخاطئ عن معنى السعادة في الحياة، وهو يحسب أنه يحسن صنعاً، ولم يعلم ذلك التائه في هجير الصحراء، أنه قد زُيِّن له عمله فرآه حسناً، وأنه انتقل من عبودية الله ومن الاحتكام للفطرة البيضاء والشريعة المتناغمة مع مصالح بني الإنسان، إلى رقٍّ جديدٍ وعبوديةٍ من لونٍ آخر، نكدةٍ مريضةٍ شوهاءَ! أشرِب قلبُهُ بها على حين غفلةٍ منه ومن أهله!
ثم تأملوا رعاكم الله، كيف بدأت زاوية الإنحراف بتسعين درجة، ثم أخذت تنفرج وتتوسَّع لتصل إلى أبعد من ذلك، فأعلن الثورة ليس على التقاليد فحسب! بل على الدين بصريح العبارة، الدين الذي لن يتأثر بانسحاب شابٍّ على عينيه غشاوة، من ساحته. بل على النقيض من ذلك تماماً فالدين لا يقبل في صفوفه من شذَّ عن الطريق المستقيم المستنير! ليدخل دهاليز الظلمة وكواليس الشرف الهزيل والخلق الساقط، فيغدو لكع بن لكع، من أراذل الخلق وسفلة القوم، هائماً على وجهه لا يبالي بأيِّ وادٍ هلك.
وتبقى الفرصة أمام ابن عائلة هذا الشابِّ، التي تخرَّج منها أناسٌ فضلاء، وكريماتٌ فضلياتٌ، سانحةً لعودةٍ حميدةٍ إلى الطريق السويِّ، وسأكون مسروراً من ذلك إلى درجة الحبور، إن اختار و فاء إلى رشده.
ثم إن القرآن الكريم قد ضرب لنا مثلاً واضحاً في خطورة الغزو الثقافيِّ، الذي يصل إلى حدِّ الإنقلاب على العرف العام في المجتمع، من خلال قصة قوم لوط، ومقولتهم الغريبة: [أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ ].
إنه انقلاب في المفاهيم وخلل في الموازين، يؤول إلى فوضى السلوك الاجتماعي، علينا أن نتذكر جيداً أن هذه الانتكاسات لم تأت عبر بيانات أو منطق مفترض، وإنما أتت عبر عمليات التآكل المستمرة في القيم والأعراف، والذي يؤدي مع الوقت، إلى خسارة التحصين الداخليِّ للأمَّة، وبالتالي إلى فقدان المناعة الذاتية الذي يهدد حياتها ويزعزع كيانها.
وليس من نافلة القول أن أشير إلى الكثيرين الذين علقوا على رؤى هذا الشاب التائه، يشدُّون على يده تحت مسميَّات وقيمٍ مزيفةٍ، وشعاراتٍ برَّاقةٍ، ومصطلحاتٍ لطالما تاجر فيها الكثيرون تجارة خاسرة، وعبر مزاوداتٍ جدُّ رخيصة، من أمثال الحبِّ والحرية والثورة على التراث والانعتاق من أسر التقاليد وعنف المجتمع!. قال المتنبي:
وهبني قلت هذا الصبح ليلٌ ... أيعمى العالمون عن الضياء
لكن لا غرابة البتَّة إذا علمنا أن الكثرة لا تعني الصواب دائماً، وسنن الله اقتضت ولحكمةٍ عليا أن الناس كالإبل المائة، لا تكاد تجد فيها راحلةً واحدة مذلَّلةً لصاحبها يسهل قيادها، والبقية الباقية الكثيرة لا تصلح إلا للذبح والثريد.
هؤلاء يتخطوَّن فطرة واثقة الخطى! لأنهم لا يطيقون الصبر على الخطو المتزن! وفي الطريق العسوف التي يسلكونها تتحطَّم القيم، وتضطرب الأمور. ثم يصيب شمسهم الأفول، وتتلاشى آراؤهم المصنَّعة في غير مكانها الطبيعيِّ، تحت مطارق الفطرة التي لا تصمد لها الأفكار المعتسفة، والتي فيها تكلُّفٌ ظاهرٌ بغيضٌ يأباه ذوو الطبائع السليمة!.
وليعلم هؤلاء ومن شايعهم أن البشرية لن تخرج من ظلمات التيه، إلا بعد أن تردَّ الفطرة البشرية إلى صانعها الكبير.
إن محاولة إخضاع الهداة والشرائع للنزوة المتقلبة المتأرجحة، والهوى الطارئ، ظاهرة تبدو كلما فسدت الفطرة، وارتكست وانتكست وأصابها النخر والأسَن والعفن، جليَّة واضحةً، تميل مع الهوى وتغلبها النزوة وتتبع كل ناعق!.
* ليس لي كمثقف أن أتماهى مع انحرافٍ في الفطرة وإلحادٍ عن ميل الذكر إلى الأنثى، نتيجة إشراقة قلب تجاه قلب، ثم أعطيها إطارها الصحيح فأدخِلَها دائرة الزواج، لأذهب بعيداً إلى مثليةٍ جنسيةٍ ليس لها قرار؛ ولا تملك مقومات البقاء في حالٍ من الأحوال!.
إن من يختار محاربة الفطرة ومصادمة الطبع السليم، عليه أن ينتظر دفع ضريبة لا يعلم حجمها إلا بارئ النسمات وخالق الأكوان.
ومن هنا فإنّي ناصح أمين لأجيالنا الصاعدة، أحذرهم من الوقوع في مثل الذي وقع فيه المشار إليه، ومن أبى فلن ينفعه الندم ولن يفيده التحسُّر! والعاقل من اتعظ بغيره لا بنفسه، ولم يترك السيفَ يسبقُ العَذَل.