المؤلف: د.عبد الكريم بكار
عدد صفحات الكتاب : 96
سنة النشر : 2023
المجال: فكري سياسي 

نُلم في هذا المقال بأهم موضوعات كتاب "الطغيان التشخيص والمدافعة" للدكتور عبد الكريم بكار، ونحلل أفكاره الرئيسة المبثوثة في أربعة فصول، ويأتي الاهتمام بمحتواه في سياق الظروف العامة التي تعيشها الأمة طوفانا وطغيانا، وما الطوفان إلا ردة فعل طبيعية حتمية على الطغيان الغربي المتغول على قلب الأمة العربية والإسلامية فلسطين. 

وقد سلط الكاتب الضوء على الطغيان المهيمن والاستبداد المنتشر في دول الوطن العربي الإسلامي عامة ودول الربيع العربي خاصة ويستشعر الكاتب أهمية دراسة وتحليل ظاهرة الطغيان في كتابه هذا بما فيه من سمات ومظاهر وآثار، مستعرضا بعده التاريخي العالمي والإسلامي، راسما في آخر فصل في الكتاب ما يسميه بطريق الخلاص. 

ويحسن بنا في مقدمة هذا المقال أن نبدأ بما بدأ به الدكتور كتابه فقد أشاد في أولى الصفحات بكتاب "طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد" موجها تحية لصاحبه عبد الرحمن الكواكبي، حيث أبدع العلم الشامخ في وصف الاستبداد بجميع أذرعه بدءا من الحاكم والأعيان إلى رجال الدين ووصف علاقته بالمال وغياب العلم وهشاشة الدين وضمور الأخلاق. 

https://www.dostor.org/Upload/libfiles/369/7/776.jpeg

عبد الرحمن الكواكبي (1855-1902م)

الفصل الأول: ما الطغيان؟ 

عرف الكاتب الطغيان لفظا بأنه زيادة الأمر عن حده وتجاوزه لما هو معهود ومعروف، ثم فصّل في تعريفه الاصطلاحي باعتباره ظاهرة سياسية لأن أخطر أنواع الطغيان هو الذي يتضرر منه شعب كامل بتجاوز الحاكم حدوده وصلاحياته. 

ثم أجاب عن التساؤل المطروح: ما التجاوز المقصود على الصعيد السياسي؟ بعرض لحالة الحكم في زمن الخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم إذ اخترقوا أكبر الأعراف السياسية السائدة في جزيرة العرب ألا وهو "توريث الحكم من الأب إلى الأبناء". 

ثم بعد أن تأسست الدولة الحديثة بمعاييرها المعاصرة، أصبح لكل دولة دستور ومجالس محلية ووطنية وهيئات عالمية تساهم في الحد من الطغيان على حد قول الكاتب. إلا أنه قد يحصل الطغيان في بعض الأحيان في التحايل على الدستور والقانون، أو باستغلال الثغرات الموجودة في صياغة الدستور، أو الفراغات الدستورية.

وبعيدا عن هذا السياق، أقول لقد رأينا بعد الالتفاف على ثورات الربيع العربي كيف شُرعن الطغيان تحت عباءة القانون ودُسترت صلاحيات خيالية للرؤساء تمهيدا لطغيانهم. وقد عرف بعض نظم الحكم المستبد المشهورة كالدكتاتورية والشمولية وحكم الفرد. 

2

وفي نهاية هذا الفصل ذكر سبع سمات للطغاة يمكن حصرها في ثلاث سمات إذ أن البقية تعتبر تفريعات عن أصل: 

سمات في ذات الطاغية: الغرور والتكبر والشعور بالتفوق والدهاء وعدم تقبل النقد والادعاء بأنه المنقذ المخلص. 

سمات في شعوب الطغاة: الاعتماد على أهل الولاء الباحثين عن المنافع والاستكثار منهم ودعم عقلية القطيع.

سمات في نظام الحكم لدى الطغاة: عدم فصل السلطات على بعضها البعض، وجعل كل الصلاحيات في يد سلطة واحدة في مقابل أن تكون باقي الهيئات والمؤسسات مجرد ديكور تكميلي لأركان الدولة.

«الخبرة السياسية والحقوقية المتراكمة لدى الشعوب لا تمضي في سياق خدمة الطغيان، وإنما في سياق تحجيمه والحد منه، ومن الصحيح القول بأن المال السياسي قد أفسد الكثير من الأمور، إلا أن الوعي الشعبي المتنامي كفيل بالحد من شرور الاستخدام السيء للثروة». د. عبد الكريم بكار                       

الفصل الثاني: الجذور والتاريخ 

رجح الكاتب الدكتور عبد الكريم بكار في بداية هذا الفصل أن النزوع إلى الشر هو الأصل في النفس البشرية وعليه فإن الممارسات الطغيانية ضاربة في القدمِ قدمَ الإنسان ذاته، وقد ذكر من تاريخ الطغيان خمس حقبات زمنية يعتبرها جذور الطغيان السياسي، أربعة منها تقوم أركان الطغيان فيها على الاستبداد والبطش باسم الدين وهي الحضارة الفرعونية، البابلية، الحضارة الفارسية، وامبراطورية الصين القديمة. حيث يأله الحاكم وتبسط له الصلاحيات وتمنح له القداسة التامة في فعل ما يريد. 

ثم أردف هذا السرد التاريخي بحقبة خامسة هي الحضارة الإسلامية، وقد ذكر التحول الأساسي الذي أخرج الحضارة الإسلامية من الحكم الراشد العادل إلى حكم يتسم بالظلم والطغيان، من النظام الشوري إلى الملكي بعد توريث معاوية رضي اللّٰه عنه ابنه يزيد الخلافة. ومن هنا بدأت مظاهر تقديس الحاكم في الحضارة الإسلامية. 

«أمور الناس إنما تستقيم في الدنيا مع العدل الذي قد يكون فيه الإشتراك في بعض أنواع الإثم أكثر مما تستقيم مع الظلم في الحقوق، وإن لم تشترك في إثم، ولهذا قيل: إن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا يقيم الظالمة وإن كانت مسلمة». د.عبد الكريم بكار

الفصل الثالث: الطغيان المناخ والآثار

إنه مما لا شك فيه أن كل بيئة هي الصانع الرئيس للفرد المنتمي لها، وكما يقال دائما الانسان ابن بيئته، كذلك بيئة الطغيان فإنها حتما تلقي بظلالها على الفرد والأسرة فإما أن يكون أحد مكوناتها وفاعلا من فواعل الطغيان فيها وإما أن يكون مفعولا به ضحية من ضحايا الممارسات الطغيانية.  

وقد ذكر الكاتب في هذا الفصل أهم مكونات بيئة الطغيان، التقنيات المستعملة في فرض وترسيخ الطغيان، والآثار الناتجة عن الطغيان وانعكاساتها على الفرد والأسرة.

1.مكونات بيئة الطغيان

رأس الطغيان في كل منظومة حكم استبدادية هو في الغالب شخص واحد هو صاحب السلطة العليا واليد العابثة في كل نهي وأمر، إلا أنه لن يتمكن من السيطرة الفعلية الحقيقية على كل المستويات دون أعوان، وقد أطلق القرآن الكريم عليهم لقب "الملأ" في عدة مواضع من بينها قوله تعالى: ﴿ ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَىٰ بِآيَاتِنَا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُوا بِهَا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ﴾ [ الأعراف: 103]

ويقصد بهم الحاشية والبطانة الداعمة لرؤوس الطغيان، والموظفون لديهم من أصحاب المصالح والمطامع الشخصية. 

2.التقنيات الممارسة لترسيخ الطغيان
أولا: التجهيل وغسل الأدمغة

وذلك يحصل بتقليص ميزانية المؤسسات التعليمية، وبالقضاء على التعددية بإتباع مذهب فرعون (لا أريكم إلا ما أرى)، وقطع صلة الناس بالواقع الحقيقي من خلال تزييف الحقائق إعلاميا وتحريم النقد، وبترسيخ قناعة خطورة التغيير أو التفكير في أوضاع حقوقية وسياسية وإدارية جديدة. 

ثانيا: تدجين النخب وتقزيمها 

 ومن أهم الأساليب المتبعة من قبل الطغاة في تحقيق تدجين النخب وتهميشها، أن يبالغ في تشجيع المثقف المنكب على تخصصه، المنشغل به عن الشأن العام الذي لا يرى في الإهتمام بأحوال البلد والسياسة أي فائدة. وباستغلال الخلافات الأيدلوجية في ضرب المثقفين بعضهم ببعض.

أو باستغلال المثقفين من أبناء الطبقات المحرومة الفقيرة التي تسعى لتحصيل ما سمح لها من مال ومجد أيا كانت الوسيلة، فذهب المغز وسيفه وسيلتان أبديتان في تعامل المستبدين مع النخبة كما قال الكاتب؛ إما احتواء وتدجين بالمال، وإما تقزيم وتغييب بسلطة السيف.

 

3

ثالثا: التنفير من العمل الجماعي

تسعى الحكومات المستبدة سعيا حثيثا للسيطرة على كل حركة منظمة مهيلكة شعبيا، خوفا من اتحاد كلمة الشعب، وبالتالي تجد في تنفير الناس من العمل الجماعي الأسلوب المثالي للتخلص من ضغط مؤسسات المجتمع المدني، بفرض القيود عليه، وجعله من الممنوعات البديهية.

 3.آثار الطغيان وانعكاساته

 لعل أهم الآثار النفسية المترتبة عن الممارسات الطغيانية تفشي الخوف وانتشار القلق نتيجة زيادة الحساسية الأمنية المسلطة من قبل الحكومات عن الشعوب وذلك بتجنيد عدد كبير من الجواسيس الذين يرصدون كل حركة وسكون وكل كبيرة وصغيرة ليتم نقلها إلى أجهزة الأمن.

وقد تترجم بعض آثار الطغيان بنمذجة وتغلغل ثقافة الإستبداد في المجتمعات والأسر، حتى تصل بين الأخ وأخته والأب وابنه والزوج وزوجته، فتتمزق الأسر وتتدمر المجتمعات.

وتحت هذا العنصر يقرن الكاتب تلازم الاستبداد بالفساد في مقارنة بين الدول الغربية المتحضرة كالدنمارك والسويد والنرويج.. والدول العربية المتخلفة كسورية واليمن والعراق، باعتبار أن الدول الغربية أكثر شفافية وحرية وتحتل المراكز الأولى عالميا في النزاهة، وعكس ذلك في الدول العربية. وفق تقرير منظمة الشفافية الدولية لعام 2020. 

لكن هل يمكن أن نغفل عن حقيقة الغرب الذي هو أصل كل فساد واستبداد؟ خاصة بعد أن افتضح أمره خلال أحداث طوفان الأقصى الأخيرة، ولم يعد نموذجا للتحضر والرقي والحرية كما كان الناس يعتقدونه.

ومن نتائج الطغيان وآثاره الحتمية على النفس البشرية الشعور بالنقص والذل والصغار، والدخول في دوامة اليأس وانعدام الجدوى، وبالتالي التقاعس عن العمل في سبيل التحرر من نير الاستبداد والظلم. 

ولا يحضرني في هذا المقام إلا ما قاله المفكر الفذ ابن خلدون رحمه الله "الشعوب المقهورة تسوء أخلاقها".

إن عدم ذكر الكاتب لحقبة الاستعمار الأوروبي لدول العالم العربي بعد سقوط الدولة العثمانية يجعل الحديث عن بيئة الطغيان ناقصا، إذ تعتبر تلك الفترة من أهم مرتكزات الطغيان في العالم العربي منذ ما بعد الاستعمار وإلى الآن.. خاصة وأن دول الغرب لم تحقق شيئا من الرخاء والرفاه الاقتصادي والذي ضمن لشعوبها التحرر الفكري والثقافي إلا من خلال استبدادها للشعوب العالم الثالث.

4

«إنني أعتقد أن الطاغية المستبد يراهن على مواطن الضعف في نفوس الناس وأخلاقهم ومجتمعاتهم، ويشتغل عليها لإخضاعهم وتحقيق مآربه، وهو بهذا يشبه الغزاة المستعمرين سوى أنه أقوى بصيرة وأعمق خبرة في الوصول إلى مبتغاه». د. عبد الكريم بكار

الفصل الرابع: طريق الخلاص 

بعد الحديث المفصل حول الطغيان والتشخيص الموفق الذي ساقه الدكتور بكار في الفصول الأولى من كتابه هذا يأتي هذا الفصل للحديث عن المعالجة وطرق المدافعة كالمساهمة الفعالة في توعية الجماهير بالوضعية الراهنة، ويعتبر هذا الكتاب أحد الوسائل المعينة على رفع مستوى الوعي بمشكلة الطغيان.

 والوعي وما يسبقه من علم ومعرفة منهجية بسبيل المجرمين، أراه من وجهة نظري الحل السحري لكل ما نحن فيه من نكبات. وقد يكون مقدمة لكل الحلول التي رسمها الكاتب طريقا للخلاص من هذا الطغيان.

ولعل من أهم ما يجب أن يركز المصلحون عليه في زيادة الوعي عند الشعوب أن يفرق بين الثورة والانقلاب بقطع الالتباس المستمر في الحقل السياسي، وفي مدركات الجماهير للشؤون السياسية.

5

وكذلك الوعي بالتاريخ ومجرياته ومآلات الأحداث في ورد الفعل عليها في اللحظة الراهنة وهذا الذي سيقف حائلا دون شرعنة الطغيان تاريخيا. وكذا سيخلق فضاء وطنيا جامعا لكل الآراء والتوجهات الصادقة في البحث عن حلول لمشاكل الأمة، والتكريس للحكم الراشد.

ومن بين الحلول التي اقترحها الكاتب في هذا الفصل الاستفادة من خبرات الأمم (العقد الاجتماعي نموذجا) مفصلا مرتكزاته وما يتضمنه، وبأنها الأركان الأساسية لنظام الحكم الديمقراطي.

 كما دعا الكاتب إلى الاستفادة من الربيع العربي، تنشئة الإنسان الحر، ومأسسة المجتمع المدني 

 وتفعيل الاجتهاد الفقهي بما يضمن المزيد من الحرية، وذلك بإعادة النظر في المسائل التي تعرقل قيام دولة المواطنة، ومن المسائل التي ذكرها التساهل في إقامة حد الردة، وإعطاء المرأة الحق في أن تحتل كل المناصب، وأن تعمل في كل المجالات. وكذا التخلي عن الجزية باعتبارها لا تفرض على المواطنين. 

«الدرس الأكبر الذي يجب تعلمه من كل ثورات الربيع العربي هو أن أي ثورة ستكون عاجزة قلع جذور الاستبداد والطغيان ما لم توحد مطالبها بوضوح ويجب أن تكون تلك المطالب موضع اتفاق بين جميع الثائرين، ولن تكون كذلك إلا إذا تمت أدرجتها». د. عبد الكريم بكار

ختاما يعتبر هذا الكتاب مدخلا نافعا ونافذة مهمة لمن أراد أن يفهم أكثر عن داء عضال ألم بأمتنا ينبغي أن نبذل طاقاتنا للانعتاق منه ولا أملك إلا أن أختم مقالتي هذه بما ختم الكاتب كتابه:

"إنه على كل من يريد أن يستنشق نسيم الحرية والعدالة والكرامة أن يبذل ثمن ذلك جهرا بالحق، ومدافعة للظلم، وعملا في تثقيف المجتمع وتحصينه من عدوان الطغيان".