منذ الأزل الإنساني والأمراض تتعاقب على السيد الإنسان، سلسلة من الأمراض بعضها من نفس العائلة وبعضها من اُخر، ومن هذه السلسلة العريضة على سبيل المثال لا الحصر الإيبولا، ميرس، وسارس، واليوم كوفيد 19.
قائمة الأوبئة الفتاكة تطول، والمتضرر منها الإنسان، كما الحيوان إلا أن الأخير فناؤهُ لا يعني الكثير بالنسبة لكثير، لكن لو فكرنا بعقل لعرفنا أن صحته من صحتنا، كما أن سلامة الطبيعة برمتها من سلامة الإنسان، ومن يدري ربما مساهمتنا في ضرر البيئة المنعكس على الحيوان ربما يكون له دخل في بعض هذه الأمراض المدمرة؟
تباينت الآراء مع من خلف كوفيد 19 كما تباينت مع الإنفلونزا الإسبانية من قبل بعقود؛ إلا أنه يمتاز بميزة خاصة اختصت بها أقرحة المؤامرة، المكبلة عقولهم بنظرية المؤامرة وقالوا في حقه: منتوج مخبري، مع العلم أن المختبرات العلمية المشهورة على الأقل لم تصرح بذلك؛ وحتى القرارات الحكومية الرسمية لم تُقر ذلك إلى اللحظة، لكن عقولهم المملوكة وأدمغتهم الفارغة أقرت ذلك أعني، أرباب نظرية المؤامرة!
قوم لا يرون ما يجري من حولهم إلا مؤامرة، فهذا تآمر على ذاك وذاك على هذا، وكل ما يحدث مجرد تكالبُ بعضٍ على بعضٍ، ولا يمكن أن يخيل لهم أن الأمور قد تجري من خارج الصندوق، وإذا تحدثت لهم من خارج الصندوق فأنت الموبوء فكريا وعقليا.
هذا من جهة ومن جهة أخرى هناك مَن مِن باحاتنا الإسلامية للأسف لو استمعت إليه في ذات الموضوع "الفيروس المستجد" لظننت أن الوحي قد تنزل عليه، وأُختص به من دون غيره، فلسان حاله وبكل جرأة يقول: إن هذا الوباء عقابٌ من الله للبشر، وأن الله غاضب على عباده لذلك عاقبهم بهذا الوباء الشرس، هذا لسان حاله في اللحظات الأولى لظهور الفايروس، بل وبكل جرأة أردف في تفاصيل خاصة جدا وهي أن هذا الوباء خُصّصّ عقابا لأمة الصين؛ لأنها ظَلمتْ وقتلت مسلمي الإيغور بالتحديد بغير حق ولا وجه.
يالها من جرأة! وياله من تخبط وقع فيه كثير! لكن سرعان ما تظهر مستجدات وهي انتشار الفيروس ووصوله إلى عقر الديار الإسلامية، وبقاعها المقدسة.
لكن صديقنا، أو أصدقاؤنا لأنهم كثر حقيقة في بيئتنا! سرعان ما تفاجئوا، فسارعوا في التعديل والتبديل ليقولوا: إنه ابتلاءٌ وتخفيفٌ للمسلمين وعقاب للكافرين ليتناقضوا بأسرع مما هو متوقع ويظهروا للعباد في صورة لا تُصر بالمرة.
ويحك ومن ذا الذي يَعلم الغيب إلا هو سبحانه وتعالى لا يوجد كائن من كان يستطيع أن يقرر ما إذا كان هذا عقاب من عند الله أم غير ذلك لكنه الجرأة لا غير! الأمر إذا تعلق بالغيب فلا مجال للحديث.
كما أنني أؤمن بأن غضب الله عسير شديدٌ وأنه سبحانه لو أراد لأمة أن تهلك لهلكت بأبشع مما هو متخيّل، ولو أراد زوال البشرية لأزالها بكن، كما أن ما هو ثابت أن الأقوام التي زاغت وما استكانت لعدله ودينه سبحانه فغضب عليها وأهلكها برمتها وبأشد عقاب، ففرعون وجنوده هلكوا وقوم نوح هلكوا جميعا، وقوم ثمود وعاد وصالح، ولوط وشعيب كلهم هلكوا ولم يبق منهم باقٍ، ومما رويّ عن جنود أبرهة الحبشي الذي أراد تدمير الكعبة فكان القرار الإلهي سابقا بإرسال طيور تحمل حجارةً فَتضرب بها الجنود بل وتتبعهم هذه الحجارة أينما حلوا حتى هلكوا جميعًا.
وهذه آيات تؤكد أن عقاب الله شديد وأن لا ناجي منه لو حلّ ولله الأمر من بعد ومن قبل وهو يفعل ما يشاء ولا يعلم الغيب إلا إياه عز وجلّ:
" فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى" فأخذه الله سبحانه وأهلكه وجنوده " فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ "
"فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ " " فَكُلّاً أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ"
لا أريد أن أختم كلامي من غير نصائح معينة، أولها: الحذر كل الحذر أن نقول: إن فهمنا للدين هو الدين نفسه؛ لأن الدين أجل وأعظم وأنزه من ذلك ومنا ومن فكرنا مهما وجل، وأن أي خطأ نرتكبه في حق الدين من غير قصد هناك من ينتظر هذا الخطأ ليبنيّ عليه محطات التشويه والإساءة لهذا الدين، لذلك علينا أن نحذر من مسألة التأويل.
ثانيا: قبل إطلاق الأحكام علينا التريث ودراسة الأمر جيدا ثم نطلق الأحكام، كما علينا أن ندرك أن أمور وتفاصيل معينة في هذه الدنيا لم تُذكر خباياها وتفاصيلها لا في القرآن الكريم ولا في السنة النبوية المُشَرَّفة المُشَرِّفة إنما الوصول إلى أسرارها ومتعلقاتها وكنهها يكون من باب الإجتهاد البشري تحت إرادة رب البشر ومن الأمثلة على ذلك معظم العلوم الحياتية التي بين أيدي البشر اليوم، كعلم التطبيب الحديث وعلم الأحياء وعلم السيتولوجيا، إلى آخر العلوم، وللتوضيح من المؤكد أن العمليات الطبية ومكونات الماء وصناعة الآلات ومعرفة دقائق الفايروسات لن تجدها في القرآن لكن القرآن يطالبك بها من خلال أول كلمة خاطبك بها: اقرأ. ومنه أي حكم في حق هذه التفاصيل خاصة لو كان باسم الدين علينا أن نتريث جيدا ونجتهد أكثر للنطق به.
لا أعرف لماذا يصر بعضنا على ضرورة هلاك الناس! ما النتيجة المذهلة التي سيحصل عليها من وراء هلاك معظم البشر؟
أولا يعرف أنه قد يكون مقصر في حق من يتمنى أن يهلك وبالتالي هو محاسب مسائل؟ هل أدى الأمانة وبلغ الرسالة له أم أن كل همه ومبتغاه هلاك الناس؟ رسولنا عليه الصلاة والسلام قدوتنا كان يحزن لرحيل أي نفس وكل همه أن يهدي الناس لا أن تهلك وتعذب .
وفي الأخير الأمل بالله موصول لا ينقطع وأملنا فيه سبحانه وتعالى أنه لن يضيعنا ولن يضيع المحسنين وسيكون لنا ناصرا ومعينا، والإنسان اليوم بفضل الإرادة الربانية تحت العمل الدؤوب ليس إنسان الأمس، وما مر به من أمراض فتاكة وفترات عصيبة وتجارب سابقة خطت في عقله كثير المعارف وزودته بحيل ومهارات وقدرات من خلالها سيتغلب بإذن الله على هذا الفايروس وغيره، وهذا لن يخرج عن مبدأ من يسعى ويجتهد ينل أسأل الله السلامة لعامة الإنسانية.