إن من أكبر مشكلات الواقع الإسلامي المعاصر، وخصوصا في القرن الأخير، والتي كانت لها آثار كبيرة في عقل وسلوك المسلمين، هو طغيان فقه الشأن الخاص على فقه الشأن العام .
ونعني بالشأن الخاص: ما كان من قبيل الشعائر التعبدية الخاصة، والأحكام الفقهية القاصرة النفع على الفرد، مثل الصلاة والصيام والزواج والطلاق.
ونعني بفقه الشأن العام: هو ما كان من قبيل الأحكام المتعدية النفع للمجتمع والدولة، من الأحكام الفقهية العامة، مثل فقه أمن المجتمع، وصحته، وتعليمه، وإدارته، وطريقة حكمه، وفقه منظومة الحقوق والواجبات العامة، وحفظ مقاصد الشريعة، في حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال، والمتعلقة بالمجتمع والدولة ككل.
لماذا خرج لنا تاجر مسلم يصلي ويصوم، لكنه لا يبالي بأرزاق الناس واقتصاد البلدان؟
ولماذا خرج لنا مسلم يكون حريصا على نظافة بدنه وثوبه ومكانه، لكنه ليس حريصا على نظافة شارعه ومدينته وربما حتى مسجده؟!.
ولماذا يزوج مسلم ابنته الرجل الصالح، لكنه يختار المسؤول والحاكم الفاسد؟ولماذا خرج لنا مسلم لا يرضى أن يظلم في حقه، لكنه يرضى أن تظلم أمته؟
ولماذا ظهر لنا من يعتبر حرية التصرف الفردي حقا مقدسا له، لكنه لا يبالي بالحريات العامة؟
إن لكل ذلك أسبابا كثيرة فيما نعتقد أبرزها:
1_ تركيز التعليم الديني بقصد أو بدون قصد على فقه الشأن الخاص دون العام.
2_ خوف الحكومات من التوعية بالشأن العام عمدا أو جهلا، واستشعار الخطر المتوهم من ذلك، في حين أن معظم فقه الشأن العام عائد بالنفع على الحكومات والدول نفسها.
3_ الضريبة التي يتوهمها كثير من المسلمين أنهم سيدفعونها جراء الاهتمام بالشأن العام، والجهل أن حفظ الشأن العام هو حفظ للشأن الخاص.
4_ سوء الفهم الحاصل حول مفهوم الدين للشأن العام، ومنظومة الحقوق والواجبات الشاملة والمتكاملة فيه، وأنها مجرد إقامة الحدود والعقوبات!
نقطة البداية في الإصلاح قبل وضع البرامج والخطط أن تحصل القناعة عند الجميع أن فقه الشأن الخاص لن يتم على كماله دون فقه الشأن العام، وأن تحقيق المصالح العامة للمجتمع والدولة هو ضمان لتحقيق مصالح الفرد في توازن وتكامل، بحيث لا يطغى أحد على أحد ولا يأخذ أحد مكان أحد.