نظرا للتنافس الشديد بين التحالف الحاكم من جهة وتحالف المعارضة، تُعتبر الانتخابات الرئاسية في الرابع عشر من مايو / أيار الجاري هي الأهم في تاريخ تركيا، وذلك لعدة أسباب، سنحاول في هذا المقال المرور على أهمها، مع الاطلاع على بعض السيناريوهات المحتملة.

حصلت على مدار العامين الماضيين عدة تطورات في العديد من المجالات، أبرزها تشكل تحالف واسع من أحزاب المعارضة سمي بالطاولة السداسية، ومحاولة الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان لتصفير الكثير من المشاكل على المستوى الداخلي مع عدد من الأحزاب والشخصيات، وكذلك على المستوى الخارجي مع عدد من الأقطار سواء العربية أو غيرها، كما حدثت مشكلات اقتصادية كثيرة كانخفاض قيمة الليرة التركية وزيادة مستويات التضخم بالتزامن مع تدشين العشرات من المشاريع الاستراتيجية والسيادية الكبرى تبدأ من الصناعات العسكرية مروراً بالتحالفات السياسية الدولية وليس أخيراً الطرق والأنفاق والمطارات.

أولاً: المتنافسون على كرسي الرئاسة:
  1. الرئيس الحالي رجب طيب اردوغان، ومن خلفه تحالف الجمهور أو تحالف الشعب، الذي يضم حزب العدالة والتنمية (AK Parti)، حزب الحركة القومية (MHP)، حزب الرفاه من جديد (Yeniden Refah)، حزب الدعوة الحرة الكردي (HUDA PAR)، حزب الاتحاد الكبير (BBP)، حزب اليسار الديمقراطي (DSB)، حزب تركيا الكبير (BT)، وحزب الطريق الصحيح (DYB).
  2. مرشح المعارضة كمال كلتشدار أوغلو، ومن خلفه تحالف الامة أو ما يُعرف بالطاولة السداسية، الذي يضم حزب الشعب الجمهوري (CHP)، الحزب الجيد (iyi parti)، حزب السعادة (SAADET PARTI)، حزب المستقبل (GELECEK PARTI)، حزب الدواء (DEVA PARTI) والحزب الديمقراطي.
  3.  محرم إنجه رئيس حزب البلد المنشق عن حزب الشعب الجمهوري، والمرشح في الانتخابات الرئاسية الماضية.
  4. سنان أوغان وهو مفصول من حزب الحركة القومية، ولم يشكل حزب حتى الآن، وهو مرشح تحالف الأجداد الذي يجمع عدد من الأحزاب اليمينية الصغيرة أهمها حزب النصر.
ثانياً: شرائح الناخبين الأتراك:

يبلغ عدد المواطنين الأتراك الذين يحق لهم التصويت في الانتخابات الرئاسية التركية الحالية 64.113.929 شخص، بزيادة 4.759.089شخص عن الانتخابات الأخيرة عام 2018. (المصدر صحيفة يني شفق التركية).

  1. المتحزبون: وهي الفئة التي تنتمي بشكل رئيسي لحزب ما، وتصوت لمرشح الحزب عادة بغض النظر عن كفاءته أو موقفه الشخصي منه.
  2. المقاطعون: زهي الفئة التي تقاطع الانتخابات عادة لأسباب مختلفة، منها عدم القناعة بالعملية الانتخابية أصلاً، أو بعد المكان، أو كعقوبة لجميع المرشحين، وكانت نسبتها 13.8 في الانتخابات الرئاسية عام 2018 (المصدر صحيفة يني شفق التركية)
  3. المترددون: وهي النسبة الأكبر التي يعمل جميع المرشحون على كسب أصواتها عبر الوعود الانتخابية، والمهرجانات الجماهيرية، والزيارات المنزلية، وهي الفئة المرجحة.
ثالثاً: نقاط القوة والضعف للمرشحين:

يتمتع المرشحون الأربع بالعديد من نقاط القوة التي تؤهلهم للفوز بكرسي الرئاسة، وبنفس الوقت يعاني كل منهم من بعض نقاط الضعف التي قد تعصف بآماله في الوصول إلى سُدة الحكم/ وفيما يلي نستعرض حالة المرشحين الرئيسيين وهما رجب طيب اردوغان وكمال كلتشدار اوغلو:

1-رجب طيب أردوغان:

1_نقاط القوة:

  • مرشح تحالف الشعب الذي يضم القوتين السياسيتين الأولى والثالثة في البلاد.
  • استطاع افتتاح أكثر من 25 مشروع حيوي في عموم البلاد في الأسبوعين الأخيرين قبل الانتخابات كتدشين حاملة الطائرات المصنعة محليا، والطائرة المقاتلة التركية، وأكبر نفق في أوروبا، وأسرع قطار في تركيا، والمحطة النووية السلمية الأولى في تركيا، واكتشاف حقول النفط والغاز وغيرها.
  • ضمان دخول فئة من أصوات الناخبين الأكراد عبر تحالفه مع حزب الدعوة الحرة، أو ما يُعرف به حزب الهدى بارز
  • تقديم قائمة جديدة كلياً لانتخابات البرلمان تضم الشباب والمتخصصين.
  • استفاد من الأزمة الأوكرانية بتعزيز دعم روسيا له، وذلك عبر الالاف من الروس الحاصلين على الجنسية التركية كمستثمرين، وتحرص روسيا بكل قوتها للحفاظ على حليفها، وخوفا من وصول المعارضة للسلطة التي تُبدي علنا توجهها للتحالف مع الغرب.
  • الوعود الانتخابية التي قدمها أقرب للواقع، وتلامي احتياجات المواطنين، وكذلك يدعمها ويقويها الإنجازات الأخيرة.
  • الاستفادة من الثغرات والمآخذ في تحالف الامة المعارض.
  • الماكينة الإعلامية القوية جدا، والقدرة على الحشد الجماهيري الهائل، حيث من المقرر عقد المهرجان الانتخابي الأكبر في إسطنبول يوم الاحد 7 مايو.
  • الاستفادة من الزلزال حيث أظهرت حكومة الرئيس اردوغان قدرات عالية في التعامل مع تداعيات الزلزال لدرجة أنها بدأت بتسليم المنازل الجديدة للمتضررين بعد أقل من شهرين على الكارثة.
  • الحضور النوعي للوجود التركي خارج الحدود سواء السياسي أو الأمني والعسكري والاقتصادي لاسيما في سورية وليبيا وأذربيجان.
  • المرونة الدبلوماسية العالية جدا خلال السنة الأخيرة حيث تم تصفير المشكلات مع السعودية والامارات وروسيا، والبدء بحلحلة مع مصر، وبدء محادثات مع النظام السوري.

2_نقاط الضعف:

  • بروز عدد من المشكلات الاقتصادية كارتفاع معدلات التضخم، وتراجع قيمة الليرة التركية.
  • حدوث بعض الثغرات في معالجة آثار الزلزال.
  • استخدام ورقة اللاجئين بقوة من المعارضة وبعض المؤسسات والشخصيات التركية متهمين الرئيس بتسهيل تجنيسهم للحصول على أصواتهم الانتخابية، حيث بلغ عدد السوريين الحاصلين على الجنسية التركية 200.000 ألف شخص تقريبا حسب تصريحات وزيرة الداخلية التركية سليمان صويلو، حيث يحق لـ 113.000 ألف منهم تقريبا التصويت في الانتخابات (المصدر وكالة ترك برس).
  • الماكينة الإعلامية من دول الغرب خصوصاً لتشويه صورة اردوغان ووصفه بالدكتاتورية وتكميم الافواه والانحياز لصالح روسيا.
2-كمال كلتشدار أوغلو:

1_نقاط القوة

  • تنوع مكونات التحالف الذي يقوده حيث يجمع بين العلمانيين والقوميين والإسلاميين والأكراد.
  • حضور بعض الشخصيات الشبابية في مهرجاناته لا سيما رئيس بلدية إسطنبول الكبرى أكرم إمام أوغلو.
  • يُمثل الأتاتوركية إلى حد كبير، رغم اتهامه بأنه متسلق على الأتاتوركية.
  • تغير الخطاب الحاد المعادي للقيم الإسلامية، إلى خطاب ودود من فئة الإسلاميين لدرجة وجود فتاة محجبة في دعايته الانتخابية.
  • تقديم تطمينات للشباب والمحجبات، والوعد بتحصيل مكاسب أكبر لهم.
  • تقديم وعود وتطمينات للولايات المتحدة الامريكية والغرب لتعزيز التحالف معهم، وقوله صراحة سنتجه نحو الغرب.

2_نقاط الضعف:

  • مشكلة انسحاب أحد أهم أركان التحالف وهي ميرال اكشنيار رئيسة الحزب الجيد، وعودتها لاحقا بعد ظهور الخلاف بشكل حاد في العلن.
  • تنوع التيارات السياسية من اقصى اليمين الى اقصى اليسار في التحالف أدت لمجموعة من المشكلات منها انسحاب المئات من كوادر الأحزاب لصالح العدالة والتنمية، وتشتت الخطاب في المهرجانات الانتخابية.
  • تقديم وعود انتخابية مبالغ فيها جدا، كوعده بدخول الاتراك الى دول الاتحاد الأوربي دون تأشيرة بعد ثلاثة أشهر من استلامه مقاليد الحكم.
  • ظهور الصراع في تشكيلة التحالف من الان على مناصب الدولة، كرئيس الوزراء والداخلية ونواب الرئيس وغيرها.
  • الاخطاء المتكررة في المعلومات والأرقام التي يقدمها كلتشدار خلال المهرجانات الانتخابية.
  • التاريخ المظلم لحزب الشعب الجمهوري في قيادة البلاد سواء على مستوى الخدمات والاقتصاد، أو على مستوى الحريات والسياسة الخارجية.
  • عدم تقديم رؤية واضحة للنهوض بتركيا أو أفكار لمشاريع عملاقة واستراتيجية.
  • تهديد الرئيس اردوغان بالإفصاح عن تسجيلات صوتية لمرشح المعارضة تثبت تورطه بتقديم ضمانات ووعود لمسؤولين أمريكيين تُتعبر خيانة للجمهورية التركية.
  • ضعف أداء البلديات المحسوبة على المعارضة خلال السنوات الأربع الماضية لاسيما ولاية إسطنبول.
  • ضعف الحضور في المهرجانات الانتخابية، مقابل تفوق واضح لأردوغان لاسيما في المدن المحسوبة على المعارضة تاريخيا وأهمها مدينة إزمير.
رابعاً: السيناريوهات المحتملة:

تسعى كل الأطراف إلى تسويق استطلاعات الرأي المؤيدة لمرشحها، وهناك بعض الاستطلاع المحايدة نوعاً ما، ولهذا لن ندخل كثيراً في تفاصيل هذه الاستطلاعات لكن في غالبها أعطت النسبة الأكبر لأردوغان بحدود 46 حتى 52 بالمائة.

  1. فوز أردوغان من الجولة الأولى:وهذا غير مرجح باعتبار الأصوات ستكون موزعة على أربعة مرشحين، وهي جس نبض للناخبين، مع احتمال ان يتحقق الفوز من الجولة اذا استمر زخم المهرجانات الانتخابية، أو في حال قام اردوغان بتسريب المقاطع الصوتية لكلتشدار اوغلوا التي يقول اردوغان بأنها تتضمن وعود من كلتشدار للولايات المتحدة والغرب عموماً
  2. فوز كلتشدار من الجولة الأولى:وهذا في الغالب لن يتحقق لاعتبار أساسي وهو تشتت أصوات المعارضة بين ثلاثة مرشحين وهم كلتشدار اوغلو، سنان اوغان/ ومحرم انجه، حيث شعبية الأخير لا يُستهان بها.
  3. فوز اردوغان من الجولة الثانية:وهذا المرجح والله أعلم لاستمرار اردوغان بتقديم المفاجآت حتى بعد الجولة الأولى، وكذلك ربما معاقبة جزء من الناخبين لمرشح المعارضة وهنا نتحدث عن جمهور حزبي السعادة والمستقبل.
  4. فوز كلتشدار من الجولة الثانية:وهذا مستبعد إلى حد كبير وذلك لسبب رئيسي وهو احتمال كبير لقيام المرشح محرم انجه بتوجيه أنصاره لعدم التصويت لكلتشدار اوغلو بسبب الخلافات العميقة بينهم، وكذلك السبب الذي ذكرناه أعلاه وهو احتمال معاقبة ناخبي حزبي السعادة والمستقبل لكلتشدار بعدم التصويت له على الأقل، أو التصويت لمنافسه اردوغان.

ختاماً ننوه إلى تعمد عدد من الصحف الغربية خلال الأيام الأخيرة الى تشويه صورة اردوغان بشكل كبير، والحديث عن احتمالية قيامه بفوضى في البلاد في حال عدم فوزه بالانتخابات، دون تقديم إي دلائل أو إشارات واضحة لذلك، وهذا ربما يساعد في رفع أسهم أردوغان لكره عموم الاتراك لدول الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة الامريكية.