يقول المفكر علي عزت بيجوفيتش:"الثقافة هي الخلق المستمر للذات وأما الحضارة فهي التغيير المستمر في العالم"
غير أننا نرى أن السعي لبناء الحضارة في حاضرنا صار منحصرًا في الإشادة بذاتٍ خيالية مزيفة، نصنعها على بساط أخضر، ثم نهتف في المدرجات بكل ما نحلم به من إنجازات، تحرير فلسطين ونصرة رسولنا عليه الصلاة والسلام وغيرها من الصيحات التي لا تكاد تتجاوز اللحظات، ليذهب بعدها كل جمع بهزائمهم الحضارية إلى أوطانهم.
فما الذي أوردنا هذا المستوى من الوعي حتى صارت جائزة أمتنا ركلة جزاء؟
وما الذي حجّم دورنا في ساحات حضارتنا إلى كرة تدور في ملاعبنا؟
هل رفع المغاربة الأشقاء مثلا لراية فلسطين بعد كل فوز سيغنيهم عن دورهم في الثورة ضد حكومتهم المطبعة إذا عادوا إلى وطنهم؟
وهل هزيمة منتخبهم أمام فرنسا سيمحو سجلا ثوريًا تاريخيا من النصر حققته أمامها الجزائر شقيقتهم؟
إنها مشكلة عظيمة ومعضلة جسيمة تنخر عظم الحضارة الإسلامية وعظمتها، اذا صارت كل انجازاتها تعبر عنها كرة قدم، في الوقت الذي ينبغي أن يكون لنا في تربة الحضارة رسوخ قدم.
زعم البعض بأن تشجيع لاعبي كرة القدم هو تشجيع لنوعٍ من الإبداع، إنما هو محض ابتداع، وما ذاك بإبداع إنما هي أسماء سموها هم وآباؤهم، فالإبداع هو مايترك أثرًا في حاضر الامة ومستقبلها، فيصنع فكرة تقلب ليلها إلى نهارها، وأما أن تكتب رواية تساعد أمة نائمة على طول نومتها، أو تسجل هدفًا في شباك من صنعوا شباكًا ليصطادوا جميع مقومات تنميتها، فهو قناع نصر قد تنكرّت به هزائمنا، وعلينا أن نبحث عن إجابات لهذه الإشكالات:
- أسباب ركوننا إلى الملاعب لنشد بها ركننا؟
- أسباب تحول هزلنا إلى جد وجدنا إلى هزل؟
- هل التجمهر حول كرة القدم كنقطة ارتكاز هو الذي منح تلك اللعبة إمتياز نصر أو هزيمة أمة بأكملها؟
إن تلك الإشكالات ليست عبث فضول بل هو بعث جدير للتفكير بعد أحقاب من التخدير، ألا يمكن أن نكون أمة متعطشة إلى نقطة إلتقاء لهزيمة الأعداء،وحين لم نجدها في ساحات لعبة سياسية وجدناها في ساحة سياسة لعبة؟
وحين لم نجدها في الحروب الساخنة بحثنا عنها في الحروب الباردة؟
فإن كان ذلك حقيقيًا فلماذا لا نصنع تلك النقطة ونضع خلف هزائمنا الحضارية نقطة؟
لماذا لا نحوّل بكاءنا لتضييع هدف في ملعب إلى بكائنا مع أشقائنا المستضعفين في فلسطين وسوريا واليمن والعراق وتركستان وغيرها؟ نجمع لأجلهم أموالا كتلك التي هدرناها في كأس العالم؟
لماذا بدلا من أن يكون رفع راية فلسطين على المدرجات هو أقصى الغايات؟ أن تكون غايتنا رفع راية فلسطين إلى الأبد على المسجد الأقصى؟ أم يكفينا أن نكتفِ لصناعة حضارة العالم بالمشاركة في كأس العالم؟