تسارعت خطوات العالم من حولنا ولم تعد خطواتنا الخجولة قادرة على مواكبة تلك الخطوات والتطور الحاصل في أي مجال من مجالات الحياة، وخاصةً في مجال الأبحاث العلمية التي باتت تلعب دورا  بارزا في تطور الدول المتقدمة، كما أنّ الميزانيات الضخمة التي تخصص من أجل أبحاث التطوير أصبحت مصدر اقتصاد قوي يعول عليه في التنافس الدولي كمعيار للتميز، ومن المؤسف أن نجد بعض الخطوات البطيئة تتهادی علی مشارف الضباب والغموض باستثناء بعض مظاهر التقدم في بعض دول الخليج والتي لا ترق إلی مستوی التنافس العالمي. 

لست بصدد التباكي علی الأوضاع المتردية التي باتت تثقل كاهل الأفراد والحكومات علی حد سواء في دول العالم الإسلامي، و خاصةً إذا علمنا أن التطور الذي شهده العالم الغربي إنما هو نتاج التغيير الجذري في ٲنظمة التعليم فيها، فرانسيس بيكون (1561ـ 1626) الفيلسوف ورجل الدولة والكاتب الإنجليزي، الذي نشر عام 1605 كتابه الموسوم بـ (النهوض بالتعلم   The Advancement Of Learning) والمعروف بقيادته للثورة العلمية، يُعتبر من الذين وجهوا انتقاداتهم لأنظمة التعليم آنذاك، كتب يقول:

"إنّ التقاليد المتبعة في المدارس والجامعات، والتشريعات السائدة فيها تتجه نحو الإساءة إلى القدرة على البحث، مما يؤدي إلی عرقلة مسيرة العلم، فالمحاضرات والتدريبات موضوعة بطريقة تبتعد بها عن السبيل السليم الذي يؤدي إلی تطور العلوم ،…" [1]

كما ينتقد فرانسيس القائمين على شؤون التدريس ممن يمتلكون  رغبة في تقدم العلوم، إلا أنهم لا يبدؤون بتغيير جذري في وسائل التعليم: " إنني أرثي أولئك الناس غير الأكفاء الذين يكونون تواقين لتقدم العلوم، ويبقون هم في حالة متأخرة! "[2] 

قد يرى البعض أن الدول الغربية قد تجاوزت مشاكلها وعالجت أوجه القصور في أنظمتها التعليمية، وأنها تحولت إلی عالم من التطور المستمر وأننا قد توقفنا يوم أن بدؤوا، ولم يزل الكثير منا يعيش علی أطلال الماضي، وأنّ الواقع يؤكد وجود فجوة كبيرة بيننا إلی درجة يستحيل فيها مجاراتهم في مسيرتهم العلمية أو الإرتقاء إلی مستوی تطورهم المستمر في مجال العلوم، ومن الإنصاف أن نعترف بصعوبة الأمر غير أنه ليس مستحيلاً! فقد تسارعت خطوات العالم الغربي منذ قرن، و صاحبت الثورة المعلوماتية والمعرفية والتكنولوجية ظهور الإدارة كعلم تمحورت حوله الدراسات والأبحاث العلمية، و يُعد عالم النفس ثورندايك (Thorndike) من الذين شعروا بأهمية إدارة التعليم، ففي مقالة له صدرت في العدد الأول لمجلة علم النفس التربوي سنة 1910م، أكدّ  أن علم النفس يمكن أن يسهم في رفع كفاءة العملية التربوية، من خلال تخطيط وتنفيذ عملية التدريس و تقويمها. [3] 

ما المقصود بإدارة التعليم؟ 

يقصد بإدارة التعليم  بناء نظام مرن ديناميكي مفتوح، من خلال التخطيط والتنظيم والقيادة والتنسيق والرقابة، يوظف الموارد التنظيمية المتاحة (المادية، المالية، البشرية والمعلوماتية) بكفاءة وفاعلية، من أجل تقديم أفضل خدمة ممكنة للمجتمع خلال فترة زمنية محددة.

تشمل إدارة التعليم الوزارات وملحقاتها، المؤسسات التعليمية من المدارس و الجامعات، قيادات المؤسسات التعليمية والكادر الإداري، الكادر التدريسي والمناهج الدراسية وطرق التدريس.

  من الجدير بالذكر أن النتائج (الأهداف) التي تحققها إدارة التعليم تعتبر المؤشر الذي يعكس مدى نجاح النظام التعليمي، وقد كتب البروفيسور بل ردين (Bill Reddin) من جامعة برنسويك (New Brunswick) في كتابه الفعالية الإدارية (1970) أن الأمر الجوهري في أن نحكم على العمل الإداري بنتائجه وليس بما وظف، وبمنجزاته لا بنشاطاته.

إنّ أغلب المظاهر العمرانية الجميلة وما تزخر به بعض بلدان الخليج ليست من منجزات العقول الوطنية والأمثلة كثيرة ومؤسفة، تشير جميعها بإصبع الإتهام نحو النظام التعليمي القائم الذي يثقل كاهل الحكومات دون جدوى تذكر منه، سوى أنه يساعد في عملية محو الأمية وتقتصر نتائجه على تخريج دفعات من المتعلمين تعليما أساسيا بعد مضي أكثر من عشرين عاماً!

السؤال الذي يفرض نفسه هو: ما هي نتائج ومنجزات النظام التعليمي القائم على أرض الواقع في بلدان العالم الإسلامي عموما والمشرق خصوصا؟ خاصةً وأنّ أغلب المظاهر العمرانية الجميلة وما تزخر به بعض بلدان الخليج، إنما يدخل ضمن الخدمات النادرة التي تقدمها الدول الغربية المتقدمة كوسيلة لضمان ارتباط دول البترودولار بخدماتها، وليست من منجزات العقول الوطنية والأمثلة كثيرة ومؤسفة، تشير جميعها بإصبع الإتهام نحو النظام التعليمي القائم الذي يثقل كاهل الحكومات دون جدوى تذكر منه، سوى أنه يساعد في عملية محو الأمية وتقتصر نتائجه على تخريج دفعات من المتعلمين تعليما أساسيا بعد مضي أكثر من عشرين عاماً! و معلوم للجميع بأنّ التعليم الابتدائي يبدأ من عمر السادسة وعندما تضيف إليها السنين العجاف للدراسة، ستجد بأن أجمل عمر الشباب يهدر، وأن الكثير من الجهد الذي يبذله طالب العلم طوال سنين دراسته ليس له فاعلية في حياته العملية، وإذا ما حالفه الحظ والتحق بالدراسات العليا ينصدم بأن كل ما تعلمه سابقاً يعد ألف باء العلم.

 ليس الأمر خافيًا على الذين يلتحقون بالدراسات العليا، كيف يلعب الحظ دوره في هذه المرحلة، فطالب العلم يقع تحت رحمة المشرف والأمر برمته يتوقف على مدى إهتمام المشرف بتوجيه الطالب توجيهاً صحيحاً من خلال خبرته التراكمية العلمية والعملية وقدرته على التواصل، وغيرها من القدرات التي يدركها كل من مر بهذه المرحلة، وعليه فإنّ السؤال الذي يطرح نفسه: ما الذي يجب أن يتغير في النظام التعليمي القائم؟

إن أنظمة التعليم في العالم الإسلامي تحتاج إلى تغيير جذري، يشمل الأهداف والاستراتيجيات والهياكل التنظيمية والثقافة التنظيمية والأفراد (من قيادات وكادر تدريسي وكادر إداري)، وكذا المهام والمناهج وطرق التدريس.

من أجل الوصول إلى نتائج مرضية في عملية التغيير، يجب إدارة التعليم من خلال التخطيط والتنظيم والقيادة والتنسيق والرقابة، يغلب في أدبيات الفكر الإداري وصف العملية الإدارية بالتخطيط والتنفيذ، غير أن الواقع العملي يُغلِّب القيادة على الجانب التنفيذي لما له من دور بالغ الأهمية في إنجاح العملية الإدارية برمتها.